تنخر في مجتمعنا العربي الأميركي ظواهر سلبية تفرزها تحولات الاغتراب عن الوطن الأم والانفصام الثقافي، وهي تتوزع ما بين تركة البؤس التي صاحبت النفوس وما بين حياة الرفاه التي تصاحب الأفراد في حياتهم الجديدة، وخاصة فيما يتعلق بحياة الأسرة وانعكاس تلك التحولات على العلاقة بين الزوجين داخل الأسرة. كان زميلاً لها في العمل، شدته نحوه روحها المرحة وطيبة قلبها وأناقتها الملفتة، فحاول التودد لها عبر كلمات الإعجاب والإطراء، وأحياناً بعبارات الغزل المبطنة التي سرعان ما تتلقفها.
لقد بذل مجهوداً للوصول إلى قلبها. هي كانت متوجسة تحاول إبعاده. لم يرتح له قلبها، والقلب أبصر من العين.
استمر في تودده وعرض مغرياته أمامها حتى آلت علاقتهما إلى حب متبادل وزواج. فلم تجد نفسها إلا وهي متعلقة به بكل جوارحها، فأخلصت له ورُزقا بابنة جميلة، ثم حال بينهما مفترق الغربة.
تبادلا خلال الفراق، رسائل حميمية تحرك مشاعرها وترى طيفه في حروفها تراقص دقات قلبها مرحاً، على الرغم من أنها كانت عاجزة في التعبير عن مشاعرها، حتى إذا تهيأت الفرصة في إيصاله إلى مكان غربتها بعد أن كانت تفصلهما المسافة ما بين الشرق والغرب، أخذا يبنيان عش الزوجية من جديد، حيث انفصلت عن أهلها لتسكن مع زوجها اللاحق بها من وراء البحار، وكان الاشتياق لها طاغياً وواضحاً على تصرفاته، فراحت تغدق عليه مشاعر الحب المتوهجة لتحيطه بالدفء العاطفي والأسري كي لا تجعله فريسة لنار الغربة والبعاد عن أهله، فكانت له الصدر الحنون والملجأ الآمن السعيد.
عاشا حياتهما الزوجية بكل انسجام وقد وثقها أكثر فأكثر تعلقهما بابنتهما التي شكلت الحلقة الأمتن في تماسك الأسرة، غير أن السعادة لا تدوم طويلاً… إذ بدأت بوادر الخيانة من قبل الزوج تطفو على السطح منذ أن عمل في إحدى الشركات وبدأت حالته المادية تتحسن، ومن حوله نوع من النساء اللواتي يتربصن بضعاف النفوس للإيقاع بهم في حبائلهن.
بدأت معاملته لزوجته تتغير نحو السوء، حيث أصبح يختلق المشاكل من دون أية مبررات متحججاً بها لمغادرة المنزل واللقاء بإحداهن. وحين علمت الزوجة بأمره، انتابتها صدمة عنيفة من تصرفاته السلبية غير المتوقعة، خصوصا وأنها هي التي جهدت من أجل وصوله إلى هذه البلاد، وكم ساندته من أجل أن يقف على قدميه في مضمار العمل، حتى ظنت أنه لن يخرج عن دائرة الوفاء مهما كبرت المغريات.
كان الجرح الذي تركه في نفس زوجته عميقاً، فليس الجرح عندما تفقد حبيباً بل يؤلم الجرح عندما يكتشف صاحبه أنه لم يكن حبيباً، وقد يبيع الانسان شيئا قد اشتراه، لكنه لا يستطيع أن يبيع قلباً ابتلي بالحب.
تدهورت العلاقة الزوجية بينهما وانتهت إلى شفير الهاوية، لكن الزوجة كانت تداوي جراحها بحبها لابنتها التي لا تريد لها أن تفتح عينيها على الحياة بدون وجود أب، وكم حاولت ردعه وإعادته إلى صوابه لكنه تمادى في غيه وتركها ليتزوج بإحدى الغانيات حتى جردته من كل ما جناه من نقود وأفقدته عمله نتيجة تقاعسه وعدم التزامه بمواعيد العمل. أخرجته من بيتها على أيدي الشرطة، ثم طلبت الطلاق، وعندما رفض ذلك سافرت إلى بلدها الأم وأحضرت ورقة الطلاق ورمتها بوجهه.. بعد أن كانت قد مهدت لعلاقة جديدة مع ضحية دسمة أخرى.
بعد أن رمته إلى الشارع، حاول العودة إلى زوجته أم ابنته.. رفضت مقابلته وقد ترسخت في ذهنها صورته المخادعة، فلم يلن قلبها ورفضت أن تتعاطف مع فشل شخص في الاحتفاظ بها، فليس غفران الزلات يزيد من حجمك أمام أعينهم، فقد انتهى زمن الكريم إذا أكرمته ملكته، فيما بقي زمن اللئيم إذا أكرمته تمرد أذلك وأهانك.
Leave a Reply