غصباً عنه، وليس بإرادته، تراجع دونالد ترامب عن موقفه التصعيدي من سوريا في تغريدة الخميس (هلا بالخميس)، بعد عنترياته التي ملأ بها فضاء الإعلام وتويتر. وكل من يقول إن رئيس تلفزيون الواقع لم يلحس موقفه هو غير فقيه في السياسة. هذا لا يعني أن دونالد الشمشون ألغى عدوانه على سوريا. لا، فهذا الأمر هو حتمي بعد هزيمة التكفيريين المُنكرة واستعادة دمشق لمنطقة استراتيجية هي الغوطة كانت تهدٍّد العاصمة وتتركها رهينة للإرهابيين (حلفاء نتنياهو وبن سلمان) مما يعني أن الجيش السوري بات قادراً على الدخول لأي منطقة يريد وبسرعة قد تكون إعجازية، بل لأن ترامب تلقى جرعة واقعية ملخصها أن الداخل في هذه الحرب مفقود والخارج منها مولود. لذا فالسؤال على كل لسان اليوم هو: هل تقع الحرب وكيف ستكون طبيعتها؟
صحيح أن إسرائيل تعيش فترة عصرها الذهبي هذه الأيام بعد سقوط عرب الرجعية والطغيان أمامها، لكنها أيضاً تُحالِف الأغبياء والجبناء في وجه مقاومة الأقوياء وأي حرب قد يشنها ترامب بمساعدة من رأسي النظام في بريطانيا وفرنسا، وهم في أوروبا كلهم متآمرون عدائيون رغم مشاكلهم مع رئيس غريب الأطوار لم تظهر لهم إلا الاحتقار والاستصغار، ستكون غير محدودة ونتائجها كوارثية على تل أبيب. وهذا هو السبب الوحيد الذي يمنع واشنطن من القيام بهذه الخطوة المجنونة والخطيرة والمتهورة تحت ذريعة استخدام الرئيس الأسد لسلاح كيميائي بينما هو منتصر في الغوطة وبعد تصريح ترامب بالانسحاب من سوريا.
هذه الحجة لا تقلي عجة فحتى ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، قال «أعتقد أن هنالك هجوماً كيميائياً قد وقع، ونحن نبحث عن أدلة ملموسة»، فإذا لم تكن أميركا متأكدة من الأدلة فكيف كانت ستشن حرباً ضروساً ستؤدي لموت الأبرياء؟ أم أنها على طريقة اضرب ثم ابحث عن السبب بعدما أوكلت لنفسها على مدى عقود مهمة البوليس الدولي وحماية حماة القانون الدولي: ترامب ونتنياهو وسلمان؟ ثم منذ متى تهتم واشنطن بالشعب السوري، بل متى سمح ترامب للاجئين السوريين ليستوطنوا في الولايات المتحدة؟ إن كل ما يجري كذب ورياء والأكثر منهما موقف الغلام ماكرون والمتصابية في لندن، تيريزا ماي!
لقد أعجبتني بعض التحليلات المدَّعية أن ترامب اتفق مع إبن سلمان أثناء زيارته لواشنطن على التخطيط للعدوان على سوريا واقتلاع النفوذ الإيراني منها مقابل البترودولار السعودي، لكن متى كان السيِّد يتفق مع عبده وخادمه؟ دوافع ترامب صهيونية وإن تقاطعت سياسة بني سعود حالياً مع العدو.
ما يجعل ترامب يحسب ألف حساب قبل التفكير بالحرب هو المعطيات التالية:
– الحرب إذا وقعت لن تضبطها أي خطوط حمراء.
إنَّ من نِعَم الله تسلُّم ترامب الحكم في الولايات المتحدة وتمكين صهره الصهيوني من الحكم ثم ضم ليكودي مجنون هو بولتون إلى مجلس الأمن القومي وهو متعطش للحرب ومحاولة تنصيب مخابراتي عتيق لا يعرف أصول الدبلوماسية كوزير للخارجية. ذلك لأن هكذا إدارة حرب ليكودية ستركب أعلى ما في خيلها وهي لتوها كشفت عن وجهها القبيح، المتمثل بمواقف نيكي هيلي، رغم مساحيق التجميل الدبلوماسية. سيكون مصير الإدارة الفشل المحتوم لأنها ستقاتل على بُعد آلاف الأميال ضد أصحاب الأرض، التي تلعب دائماً لصالح أصحابها كما يقال في لعبة كرة القدم، وتجربة فيتنام مازالت حية! ثم ماذا يتوقع ترامب؟ أن يقف محور المقاومة مكتوف اليدين وهو مستعد منذ زمن للمعركة الكبرى بكل إمكاناته ولن تقف أمامه هذه المرة لا حاويات الأمونيا ولا المصانع البتروكيماوية في حيفا ولا مصانع الكهرباء والتمويل ولا مفاعل ديمونا ولا المطارات العسكرية ولا الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ هذا المحور ليس منزعجاً من تهافت الذين سيتحالفون مع العدوان خصوصاً بني سعود لأن الحرب ستتسبب بإبادة نظامهم الجائر وما رسالة اليمن الصاروخية الأخيرة إلا دفعة صغيرة على الحساب!
– محور المقاومة الذي خبر الحروب المتكررة منذ ست سنوات لن يخسر الكثير، خصوصاً سوريا التي لا بد أنها أخفت ترسانتها ومصادر قواتها واعتادت العيش على حافة الهاوية منذ انطلاق الحرب الكونية ضدها، أما الفريق الآخر وخصوصاً تل أبيب فلديها الكثير لتخسره ولهذا السبب لم تُقْدِم بنفسها على هذه الحرب بل طوَّعت لها إدارة صهيونية جاهزة في البيت الأبيض.
– أول طلقة غربية على سوريا هذه المرة ستكون إيذاناً رسمياً بعودة الحرب الباردة التي لن تبقى باردة طويلاً كالسابق خصوصاً مع احتمال الصدام المباشِر بين القوى الكبرى على أرض سوريا ووقوع ضحايا وخسائر. والاشتباك قد يمتد إلى كل القواعد الأميركية في المنطقة خصوصاً باب المندب والخليج مما يعني حصول أزمة نفطية وإقتصادية ومالية عالمية ستكون أوروبا المتضرر الأكبر منها.
لقد تمادى ترامب كثيراً في التهكم على روسيا وبوتين، ربما للتغطية على تحقيق مولر وقضية دفع أموال الصمت لعشيقاته من الممثلات الإباحيات، لكن روسيا الهادئة والواثقة لم تبنِ قاعدة لها في سوريا –منفذها الوحيد إلى المياه الدافئة– لكي تخسر نفوذها وموقعها الجديد كدولة عظمى تضاهي أميركا!
واليوم فقط عرفنا قيمة الإتحاد السوڤياتي الذي، رغم عوراته الكثيرة، كان رادعاً للعدوانية الأميركية وعوناً لدول العالم الثالث وعلى دول العالم هذه أن تحيي موسكو القديمة وتستعيد أمجاد السوڤيات ومن هذا المنظار «هلا بالحرب الباردة» وعودة روسيا من البوابة السورية.
– في لبنان، لا يظنن بقايا صغار 14 آذار، الذين منحوا بولتون وسام الأرز، ولو لبرهة أن الحرب ستخدمهم. بالعكس، هذه المرة الرد سيتخطى ما بعد بعد تأديبة أيار والقمصان السود، مهما تشدقوا اليوم بالنأي التام عن صراع المنطقة مما يعني الحياد أمام عدوان وخروقات إسرائيل اليومية التي لا يرونها ولَم يسمعوا بها! هذه المعركة ستكون معركة مصير ولا مهادنة أو مزاح فيها.
وبالعودة للسؤال هل تقع الواقعة، وماذا ستكون طبيعتها؟ تقدير الخبراء أنها لن تحصل وسيتضبضب ترامب خائباً ولكن إذا حصلت فستكون بقرار إنقاذ روسي لحفظ ماء وجه ترامب كما فعلوا مع أوباما، فستكون هناك ضربة فشة خلق كالضربة السابقة لأنه مهما بلغ جنون ترامب فإنه لن يتورط في حربٍ كاسرة تجعله يخسر كل مليارات عرب الردة التي ملأ بها خزائنه فهو بالنهاية رجل أعمال وسمسار. لكن حتى لا نقع في محظور التحليل الخاطئ،، فإن كل الاحتمالات واردة وَإِنْ كانت لا تصب في صالح المعسكر الأميركي!
Leave a Reply