يستعد «حزب الله» لخوض الانتخابات النيابية وفق واقعية سياسية قادته إلى تحديد أهداف قابلة للتحقق، من دون مبالغات غير ضرورية أو قفزات بهلوانية لدواعي الاستعراض.
بهذا المعنى، تفادى الحزب أن يلزم نفسه مسبقاً بالوصول إلى هدف لا يملك كل أدوات انجازه، من قبيل حصول فريق «8 آذار» على الاكثرية في المجلس النيابي الجديد، وإن يكن سيُسّر إذا أنتجت صناديق الاقتراع مثل هذه المعادلة.
بالنسبة إلى «حزب الله»، يتطلب الاستحواذ على تلك النتيجة نسج تحالفات ومعادلات انتخابية دقيقة ومدروسة جيداً، على امتداد كل لبنان، فيما الحزب لا يتحكم عملياً إلا بالتحالفات المتصلة به مباشرة، أما الشخصيات والأطراف الصديقة له، فلها حساباتها وخصوصياتها، وبالتالي فهو لا يمون على خياراتها واتجاهاتها ولا يضمن نجاحها، بل أنه أخفق حتى في تأمين الائتلاف الانتخابي بين بعضها، برغم المسعى الذي بذله، كما حصل على سبيل المثال مع طلال ارسلان ووئام وهاب اللذين أصرا على الافتراق في الشوف، وكذلك الأمر بالنسبة إلى فيصل كرامي وكمال الخير اللذين انفصلا في الشمال، وهكذا دواليك…
أوسع تمثيل نيابي للحلفاء
يعرف «حزب الله» بحكم التجربة أن مفاعيل لعبة الأقلية والأكثرية تتوقف عند حدود القضايا الأساسية التي لا يمكن البت بها إلا بالتوافق الوطني، سواء في مجلس النواب أو في مجلس الوزراء، وهذا ما يفسر الحضور الوازن سياسياً للحزب في الحكومة الحالية على سبيل المثال، مع انه ممثل فيها بوزيرين فقط، إضافة إلى أنهما يشغلان حقيبتين عاديتين (الصناعة، والشباب والرياضة).
حدد الحزب سقف طموحاته الانتخابية بالحصول على كتلة نيابية شيعية تعكس الاحتضان الشعبي الكبير للمقاومة في بيئتها، ثم تأمين أوسع تمثيل نيابي ممكن لحلفائه من أصحاب الحيثية التمثيلية لاسيما في الطائفة السنية، الأمر الذي يفسر إصراره على النسبية التي تسمح بكسر الاحتكارات السياسية والمحادل الانتخابية، وبالتالي تفسح المجال أمام حصول قوى وشخصيات متنوعة على مقاعد في المجلس الجديد، كلٌ وفق حجمه.
تباعد انتخابي
ومن العلامات الفارقة التي أفرزها القانون الانتخابي الجديد تباعد «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» في الكثير من الدوائر الانتخابية، برغم أن تفاهماً استراتيجياً يجمعهما منذ عام 2006، وبالتالي فإن التحالف الانتخابي بينهما اقتصر على دائرتي بعبدا وبيروت الثانية، بينما يتنافسان في مناطق أخرى، لعل أكثرها دلالة وحراجة هي منطقة جبيل–كسروان، حيث انضم مرشح الحزب الشيخ حسين زعيتر إلى لائحة الوزير السابق جان لوي قرداحي في مواجهة لائحة أخرى يقودها «التيار الوطني الحر».
إلا أن قيادات الطرفين تحرص على التأكيد على أن التباعد الانتخابي بينهما هو ظرفي وموضعي ولن ينعكس على التحالف السياسي، وأن علاقتهما ستعود إلى نضارتها بعد 6 أيار.
وعلمت «صدى الوطن» أن الحزب كان قد أبلغ رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل منذ البداية أنه يتفهم أي قرار قد يتخذه التيار ربطاً باعتباراته الانتخابية، وأنه مستعد للتجاوب مع أي خيار يريحه، واضعاً أمامه الاحتمالات الآتية: التحالف المشترك في كل لبنان، التحالف حيث يرغب التيار، عدم التحالف بتاتاً.
وقد أفضت المشاورات في نهاية المطاف إلى الاتفاق على الائتلاف في دائرتين فقط من أصل 15، نتيجة المطالب الاستحواذية التي طرحها التيار، في مقابل دعوة الحزب إلى إفساح المجال أمام تمثيل تلاوين مسيحية أخرى حليفة له، كما يوضح المطلعون على تفاصيل المفاوضات، مع تشديد الجانبين في الوقت ذاته على ضرورة حماية تفاهم مار مخايل من تداعيات المرحلة الانتخابية القصيرة.
محطة وستمرّ
وفي سياق متصل، تفيد المعلومات أن مراسلات مباشرة وغير مباشرة جرت بين الرئيس ميشال عون وقيادة «حزب الله» في شأن حيثيات اللوائح في بعض الدوائر، خصوصاً بالنسبة إلى كسروان–جبيل، بعدما نُقل عن رئيس الجمهورية انزعاجه من مبادرة الحزب إلى خوض معركة انتخابية ضد «التيار الحر» في تلك الدائرة التي كان عون ممثلاً لها في المجلس النيابي قبيل انتخابه رئيساً. لكن الحزب شرح لعون ظروف قراره وقدم له التوضيحات الضرورية التي أزالت الالتباس، علماً أنه نُسب إلى عون قوله لاحقاً إن الانتخابات النيابية هي في نهاية المطاف محطة وستمر، ولن نترك للأمور الصغيرة أن تؤثر على ما حققناه. وما بني بين التيار والحزب سيستمر بعد الانتخابات.
ولئن كان الوزير باسيل يعمد من حين إلى آخر إلى رفع اللهجة وإطلاق مواقف تلقى صدى سلبياً في أوساط الحزب، إلا أن العارفين يجزمون بأن باسيل مؤتمن على خط رئيس الجمهورية ولا يمكن أن يخالف إرادته السياسية في المسائل الجوهرية.
استراتيجية «حزب الله» الانتخابية
حدد «حزب الله» سقف طموحاته الانتخابية بالحصول على كتلة نيابية شيعية تعكس الاحتضان الشعبي الكبير للمقاومة في بيئتها، ثم تأمين أوسع تمثيل نيابي ممكن لحلفائه من أصحاب الحيثية التمثيلية لاسيما في الطائفة السنية، متجنباً أن يربط معيار نجاحه أو إخفاقه بنيل قوى «8 آذار» الأكثرية في المجلس الجديد.
Leave a Reply