قبل أكثر من نصف قرن، كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، فيما يشبه النبوءة: الشعب العراقي منقسم على نفسه وفيه من الصراع القبلي والقومي والطائفي أكثر من أي بلد آخر. واعتبر أن الشخصية العراقية تحمل قيماً متناقضة بين قيَم البداوة وقيم الحضارة، داعياً إلى نبذ الحساسيات الطائفية بين الشيعة والسنّة والنظر إلى الخلاف بين الإمام علي والصحابة على أنَّه حدث تاريخي تجاوزه الزمن،
كما فصل ذلك الخلاف عن حراك العصر ومشجعاً على استلهام الدروس والعبر من التاريخ.
قبل الأسبوع الماضي، وعلى منبر المنتدى الإسلامي في مدينتنا العزيزة ديربورن، وبين كلمات عديدة من مثقفين ورجال دين، وبدعوة من السيِّد حسن القزويني للاحتفال بولادة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قام أحد المدعوين العراقيين بالنواح والولولة على حق الإمام بالخلافة الأولى، وكَبُر عنده مقتاً أن بعض المسلمين السنَّة يصفون الإمام علي بالخليفة الرابع!
وبعيداً عن التفلسف والتعصّب، لا ينقص من قيمة الإمام علي شيء، سواء أكان الإمام الأول أو الرابع، ولن تزيده الخلافة الأولى أو الرابعة شرفاً وعلواً في نفوس البشر. وقد كُتب الكثير وقيل الأكثر للخروج من هذه الدائرة، دائرة الخلاف الأزلي بين الإمام علي وبين صحابة الرسول الأكرم، خاصة عند بعض الشيعة الذين ورثوا الخلافات والضغائن، من دون أن يكونوا سبباً في صنعها، وكما هو وارث المال يستطيع أن ينمّي ثروته أو يبعثرها، كذلك هي الضغائن الطائفية المذهبية، يمكن أن تكبر في نفوس وارثيها أو تصغر وفق ما يريدون لها.
ولكل النائحين والمولولين على سلب الخلافة من الإمام علي، ها هي الخلافة رُدَّت إليكم من 15 سنة في العراق، فافرحوا وهلِّلوا، لرجوع وطنكم العراق إلى ظلمات الخرافات والفساد والفقر، وإغراق المواطن الشيعي العراقي بعالم الغيب الفضفاض والهوس بالرموز والسحر والأحلام والأمنيات المؤجَّلة والانغماس بالطقوس وعزاءات الإئمة على مدار السنة. صار العزاء الحسيني شهرين بدل عشرة أيام وصار ضلع الزهراء المكسور حائط مبكى الشيعة والرخصة لسب ولعن صحابة الرسول وكل من يقول “كلمة سواء” للتقرب من الأقوام الأخرى، وخاصة السنَّة.
هل أصاب الدكتور علي الوردي في تحليله؟
انظر ولا تحزن لحالهم في مدينتنا الجميلة ديربورن، عندما ترى البعض يتمسكن ويدَّعي المرض والجنون للحصول على المساعدات الاجتماعية والتملّص من العمل أو الوظيفة، والهوس بنشر الأعلام بشكل واسعٍ وطاغٍ وإقامة المسيرات والطقوس التي شوَّهت المذهب الشيعي وجرّته بعيداً عن جوهر الإيمان بالله ورسله، بل عملت على إذكاء نار الفتنة الطائفية وتوريث الخلافات المذهبيّة للأولاد والأحفاد.
ألا من سبيل لترك الإمام علي في عليائِه والتخفيف من غلوائكم والدفاع عن حقه بالخلافة؟ التفتوا قليلاً إلى فقراء ومساكين الشيعة بينما المرجعيات الدينيّة ترفل في نعيم الدنيا وتكنز الأموال.
حقاً .. العقل زينة!
Leave a Reply