واشنطن – محمد دلبح
يتحدث المسؤولون الأميركيون ووسائل إعلامهم وينضم إليهم كبار المسؤولين البريطانيين والفرنسيين عن امتلاكهم لأدلة تشير إلى استخدام الجيش العربي السوري غازات سامة في الغوطة الشرقية كذريعة لشن عدوانهم الثلاثي ضد سوريا الذي كانوا يقولون أنه سيكون أشد من العدوان الذي شنته الولايات المتحدة في نيسان (أبريل) من العام الماضي على قاعدة الشعيرات الجوية (خان شيخون) بذات الذريعة.
الدليل الذي اعتمدت عليه واشنطن لتبرير الاعتداءين، هو أشرطة فيديو يظهر فيها صور أطفال قامت منظمة «الخوذ البيض» المموّلة من بريطانيا بتصويره فيما تقوم واحدة من المنظمات الرئيسية التي تدفع باتجاه الحرب على سوريا، وهي «الجمعية الطبية السورية الأميركية» المرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا وممولة جزئياً من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بترويجه لدى الحكومة الأميركية ووسائل الإعلام الأميركية الرئيسية المكتوبة والمرئية كما استندت إليها أيضاً وسائل إعلام غربية.
وقد زعمت «الجمعية الطبية السورية الأميركية» و«الخوذ البيض» أنهم عالجوا أكثر من 500 شخص «تعرضوا لعامل كيماوي».
احتيال
هاتان المنظمتان تعيدان إلى الأذهان ما كان يقوم به المؤتمر الوطني العراقي الذي كان يقوده أحمد الجلبي في فبركة القصص والأخبار والأدلة عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل لتسويغ قيام الولايات المتحدة بشن عدوان واسع على العراق واحتلاله في عام 2003. وكانت الصحفية الأميركية التي تعمل في «نيويورك تايمز» جوديث ميلر آنذاك، اعترفت بأنها كانت تتلقى معلوماتها من الجلبي الذي كان يقوم في نفس الوقت بتقديم ذات المعلومات إلى وزارة الدفاع الأميركية، ولأن المطلوب الحصول على مصدرين للخبر، فكان من السهل نشر قصص الجلبي لأن المصدر الثاني بالنسبة للصحيفة كان وزارة الدفاع.
فقد لعبت هاتان المنظمتان دوراً مركزياً في صياغة رواية هجوم السارين في خان شيخون الذي كانت جبهة النصرة تسيطر عليه في نيسان (أبريل) 2017، وتقديم عينات طبية حيوية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي انتهكت بروتوكولها المعلن بقبولها الأدلة دون التدقيق في الجهات التي قدمتها.
وتزعم «الجمعية الطبية السورية الأميركية» حسب موقعها الإلكتروني sams–usa.net بأنها «منظمة طبية غير سياسية وغير ربحية»، ويشار إليها في وسائل الإعلام كسلطة ذات صدقية. ونظرة على ما تنشره على موقعها الإلكتروني يؤكد مدى ارتباطها بالجماعات الإسلامية في سوريا وانخراطها في عمليات تعزيز نفوذ تلك الجماعات عبر الحدود التركية السورية، إلى جانب علاقاتها الوثيقة مع رموز المحافظين الجدد في الولايات المتحدة.
فالجمعية لا ترسل وفوداً طبية لعلاج الجرحى والمصابين في سوريا أو غيرها من المناطق التي تمزقها الحروب سواء في العراق أو ليبيا أو اليمن أو أفغانستان، بل هي تعمل في واشنطن كمجموعة ضغط (لوبي) لحشد الدعم ضد الحكومة السورية ودفع الولايات المتحدة وحلفائها لتغيير النظام في دمشق، لذلك لا يمكن اعتبارها مصدراً موضوعياً وذي صدقية فيما يتعلق بهجمات تستهدف المدنيين أو كيماوية مزعومة للهجمات الكيميائية.
انشقاق سوري
تأسست «الجمعية الطبية السورية الأميركية» (سامس) في الولايات المتحدة أواخر تسعينات القرن الماضي، بدعم من السفير السوري آنذاك في واشنطن رستم الزعبي الذي رغب بأن يكون للأطباء السوريين في الولايات المتحدة منظمتهم الخاصة ودعم انشقاقهم عن الجمعية الطبية العربية الأميركية (ناما) التي تمثل الأطباء العرب الأميركيين.
ترأس عملية الانشقاق أربعة من الأطباء السوريين الأميركيين ثلاثة منهم مقربون من الحكومة السورية وهم مازن داؤد العلوي ونزار الزين وخليل كركر، إلى جانب رابع هو زاهر سحلول. وقد لقي الانشقاق اعتراضاً كبيراً من أعضاء «ناما» الذين استهجنوا قيام سفير دولة عربية تحرص على العمل القومي العربي بشق جمعية عربية قومية. ومعظم أعضاء هذه الجمعية يقيمون في ضواحي مدينة شيكاغو بولاية إيلينوي الأميركية.
وكانت «سامس» في بداية عملها على علاقة عمل طيبة مع الحكومة السورية حيث كانت أرسلت قبل عام 2011 وفوداً طبية إلى سوريا، لكن المنظمة شهدت بعد انطلاق حركة الاحتجاجات في آذار (مارس) 2011 والتي تسلقتها جماعة «الإخوان المسلمين» والحركات السلفية المتشددة، شهدت تحولاً كبيراً بسيطرة المتعاطفين مع التيار الإسلامي على مجلس إدارتها مما أدى إلى خروج العديد من أعضائها ممن يعارضون توجهات «الإخوان المسلمين».
وقد قاد زاهر سحلول الذي كانت تعرف عنه توجهاته الليبرالية، عملية تحول من تأييد للحكومة السورية إلى تحالف مع الإسلاميين داخل «سامس»، وبعد سيطرة الإخوان على المنظمة وجد سحلول نفسه خارجها حيث شكل «التحالف الأميركي المتحد لإغاثة سوريا» وبقي ينسق في العمل مع «سامس».
التمويل الأميركي المسيّس
يظهر بيان ميزانية «الجمعية الطبية السورية الأميركية» وحساباتها الختامية لعام 2016 كما هو منشور على موقعها الإلكتروني، أن ميزانية الجمعية قفزت من 687,987 دولاراً في عام 2013 إلى نحو 6 ملايين دولار في عام 2015 – أي زيادة بمقدار عشرة أضعاف تقريباً. وجاء أكثر من 5.8 مليون دولار من هذا التمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التابعة لوزارة الخارجية الأميركية التي يعمل مكتبها لمبادرات الانتقال الديمقراطي وتشجيع سياسات تغيير الأنظمة المناهضة للولايات المتحدة والغرب عموماً.
المدير التنفيذي للجمعية هو ديفيد ليلي موظف كبير سابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وقام بمهام في دول عربية استهدفتها ولا تزال الولايات المتحدة، كما أن مدير مكتب الجمعية في واشنطن توني كرونفيلي أيضاً موظف سابق في الوكلة تولى مهاماً في عدة دول من بينها السودان وجنوب السودان وليبيا وأفغانستان.
وقد أيد التحالف الأميركي لإغاثة سوريا التابع للجمعية الطبية السورية الأميركية ويتزعمه زاهر سحلول، دعوات إقامة منطقة حظر طيران في سوريا تحت مسمى «مناطق آمنة» تحميها الطائرات الحربية الأميركية في سوريا، وقد انضم سحلول في مساعيه إلى المنظمة الصهيونية المسماة «الاتحاد اليهودي في شيكاغو» التي تعمل ضد حركة التضامن الفلسطينية، فيما تولى ابنه أدهم، الترويج الإعلامي ضد سوريا.
ويعتبر سحلول الصحافيين الذين ينتقدون سياسات الولايات المتحدة والغرب المعادية لسوريا بأنهم طابور خامس يؤيد مجرمي الحرب.
عيّنات
يقول سحلول إنه أول من قام بتوزيع الصور الأولى التي أعدها مسلحو شرقي حلب التي تظهر صبياً صغيراً يكسوه الغبار الناجم عن القصف واسمه عمران دقنيش، حيث تلقفتها وسائل الإعلام الغربية وعرضتها للدلالة على «وحشية» النظام وقسوته. وقد التقط الصورة محمود أرسلان الناشط في حركة نورالدين زنكي الممولة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وبعد عام واحد فقط خرج والد عمران، محمد خير ليكشف أنه وعائلته قد جرى استغلالهم من قبل المسلحين حيث قام أحد أفراد «الخوذ البيض» بانتزاع ابنه ورماه داخل سيارة إسعاف لتصويره. وبعد ذلك اختفت صورة عمران من وسائل الإعلام.
وتنشر الجمعية الطبية السورية الأميركية على موقعها بياناتها واتصالاتها ولقاءاتها مع أعضاء في الكونغرس ومسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية والأمم المتحدة التي تركز على دعوتها لتغيير النظام في سوريا.
وفي 16 نيسان (أبريل ) 2015 ، أدلى سحلول ومنسق الجمعية في إدلب محمد تناري بشهادة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وزعما أن الجيش السوري استخدم في قصف مدينة إدلب التي تسيطر عليها جبهة النصرة بغاز الكلور. وقد رتبت حضورهما واجتماع المجلس مندوبة أميركا السابقة لدى الأمم المتحدة سامنثا باور، التي كانت تدعو إلى التدخل العسكري في ليبيا وسوريا بدواعي إنسانية.
وفي العشاء السنوي الذي أقامته الجمعية في واشنطن في 6 آذار (مارس) 2017، تحدث المبعوث الأميركي للأزمة السورية فريدريك هوف داعياً الولايات المتحدة إلى زيادة تسليح الجماعات المسلحة في سوريا وإقامة منطقة حظر طيران فوق إدلب ووقف أي عمليات لإعادة الإعمار في سوريا إلى أن تتم الإطاحة بنظام حكم الرئيس بشار الأسد.
Leave a Reply