لأن بئس الوطن بُني على باطل فكل شيء فيه هو باطل، ما خلا بعض القلائل من الظواهر والبدائل المشرقة في البلد السائب.
الملاحظة الأولى: سبب هذا الكلام، الحملات الانتخابية الجارية حالياً من قِبَل مرشحين في قوى السلطة وعلى رأسهم تيار الخرزة الزرقا، وسعد الحريري بالذات.
فالحريري، يا كرام، أُجبر على تقديم استقالته أثناء قيامه بزيارة عاجلة لبلده الأول في تشرين الثاني الماضي وذلك تحت وطأة الترهيب والضرب والتهديد. ومن جملة أسباب «الإقالة»، التي كتبها له أمِّيو بني سعود اكتشاف محاولة لاغتياله، لكن سعد اليوم لا يبالي بوضعه الأمني ووضع البلد، الذي استتبَّ فقط بفضل الله والمقاومة لا بدبلوماسية السنيورة أو فارس سعيد، فتراه لا يجد ضيراً في اعتلاء سطح سيارته والتربع عليها لأخذ صور سلفي و«النَّاس خلفي» ولا يجد مندوحة عن الطلب من مؤيديه إنزال تطبيق لصور السلفي واعداً ستة آلاف منهم في إحدى مهرجاناته الانتخابية بأخذ صور سلفي معهم. بالمناسبة، تبين الآن بالوجه القاطع، بعد مراقبة أداء سعد الحريري الخطابي وغير الخطابي أنه فعلاً متعدٍ على المهنة، وهو دُفع للمهمة القيادية دفعاً من دون إرادته وعلى غفلةٍ من الزمن في ظل ظروف استثنائية لكنها لم تُنتِج رجلاً استثنائياً، بل على العكس لولا اغتيال والده لبقي سعد مجهولاً يدير أملاك عائلته الطائلة من مصايف العالم.
الحريري يذكرني بجنبلاط وفلذة كبده الفذ وكلاهما لم يرغبا بوراثة الزعامة السياسية التي لا يملكان منها مثقال ذرة!
أما سعد فيملك من القيادة والكاريزما بقدر ما يملكهما ميشال سليمان –لا منطق ولا خطاب ولا قراءة ولا رؤية متكاملة، وبرنامج انتخابي يكاد يقتصر على شعار بـ«السلفي جئناكم» مما أوحى للنشيد المهم الذي انتشر على السوشال ميديا وتحول إلى هاشتاغ «سنخوض السلفي معك» والذي سمعنا أن نهاد المشنوق، المشغول جداً هذه الأيام، حاول منعه من التداول!
وعلى سيرة المشنوق نعبر للملاحظة الثانية حول اللغط الذي أُثير حول تسليم السيِّد حسن نصرالله مفتاح كسروان من قبل رئيس اتحاد بلديات كسروان–الفتوح ورئيس بلدية جونية أيضاً جوان حبيش، فقامت الدنيا ولَم تقعد من قبل المشبوهين المعروفين (usual suspects) زمر الكتائب وبقايا القوات و.. فارس سعيد الدروندي (ما غيره) الذي سلم بنفسه مع غازي يوسف، نيابةً عن ثوار حنيكر، درع الأرز للصهيوني الليكودي جون بولتون، وهو وسام أعلى وأرفع شأناً من مفتاح مدينة.
لن أستفيض في شرح تسليم الحاكم بأمره آنذاك غازي كنعان مفتاح مدينة بيروت بحضور أشرف ريفي وكل المدَّعين اليوم أنهم كانوا في الأصل ووقفوا ضد «الوصاية السورية». لكن الوصاية السعودية اليوم التي احتجزت رئيس حكومة لبنان هي على قلوبهم مثل السمن والعسل.
المشنوق «مستقتل» منذ بدء الحملات الإنتخابية لحصر الأضرار ومنع الخسارة الحتمية لكتلة «المستقبل» التي لا يبدو أن مستقبلها مشرق من ناحية عدد المقاعد خصوصاً في معقلها في مدينة صيدا. لذلك يسعى المشنوق للحرتقة يومياً من أجل تحقيق مكاسب إنتخابية ولهذا السبب طلب من محافظ جبل لبنان محمد المكاوي استدعاء حبيش للإستماع اليه على خلفية «عدم جواز تدخُّل رئيس بلدية في المعركة الإنتخابية وإثارة النعرات الطائفية التي تؤدي إلى فتنة».
فعلاً لا يحق لرئيس بلدية، التدخل بالانتخابات ومنح مفتاح مدينة لقامة وطنية عالية يثير فتنة طائفية لكن تدخل المشنوق بمعركة كسر العظم الدائرة حالياً وهو وزير داخلية، والتي يستعمل فيها كل إمكانات وطاقات الدولة لصالح معلمه، مسموح، وتصريحاته عن الأوباش وقصده فئة من اللبنانيين وتحذيره من تحويل بيروت إلى حسينية لا يثير النعرات!
ليكن في علم المشنوق وغيره ممن هو مخنوق من المقاومة أن السيِّد نصرالله لا تشرفه دروع ولا مفاتيح في وطن بحاجة لحدادة وبويا من جديد، وخصوصاً من قبل جاحدي النعمة وناكري الجميل. بل هو الذي يشرف جوائز التكريم ويكفي هذه المقاومة نُبلاً أنها حررت الأرض والعرض وحقَّقت الاستقلال الحقيقي لشعبها وأنهت عهد الهزائم والإستسلام والإذلال أمام عدو جبار. السيد يكفيه مفتاح التاريخ والمستقبل أيضاً، فالأول سيقدم له مفتاحاً من ذهب في دفتيه والثاني سيمنحه مفتاح النصر المستمر. مفتاح المقاومة هو قلوب الناس وعيشهم بعز وكرامة.
ولعلها ليست صدفةً أبداً أن تحل ذكرى 43 سنة على تحرير ڤيتنام من الغزو الأميركي هذا الأسبوع، لأن المقاومة الڤيتنامية كانت من الثورات العظيمة النادرة في التاريخ والتي تشبه المقاومة في لبنان والقائد الأسطوري هو شي منه يحاكي سيد المقاومة.
لقد حررت المقاومة لبنان من العدو الإسرائيلي بعد غزواته العديدة واستباحته الدائمة، ومن العدو التكفيري الإرهابي في الداخل وعلى الثغور فأعادت معلولا لراهباتها وحمت القرى المسيحية في القاع ودير الأحمر وحافظ أفرادها على تمثال العذراء وانحنوا لها كما ذكر حبيش في معرض رده على استدعاء المشنوق. ولولا المقاومة لغزا الإرهابيون عقر دار لبنان وفتكوا بالمسيحيين قبل المسلمين وجعلوا من جونية بالذات رقة جديدة، وسبوا بناتها كما فعلوا بالإيزيديات… وعندها لن تبق جونية ولا كسروان ولا أبواب لها مفاتيح.
المقاومة هي المفتاح وهي الحل وقليل من التواضع والاعتراف بالفضل لا يضر، لكن شيمة ساسة لبنان هي الغدر والأنانية وتسعير الأحقاد والضغائن في الأوقات العادية فكيف إذا كنّا في خضم معارك انتخابية طاحنة؟
Leave a Reply