«فقاعة» نتنياهو «الإيرانية»
لم يُقنع أحداً…
هكذا، وبكل بساطة، يمكن تلخيص التفاعل الدولي مع «فقاعة الصابون» التحريضية التي أطلقها بنيامين نتنياهو، حين عرض ما أسماه «50 ألف وثيقة» حول القدرات النووية العسكرية لإيران.
«فقاعة» نتنياهو بدت بالنسبة إلى الكل، حتى حلفاء إسرائيل الغربيين، أشبه برسم «القنبلة النووية» الذي جعله أضحوكة العالم، قبل سنوات، حين عرضه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مسعىً بائس لحشد الرأي العام العالمي، للتشويش على الاتفاق النووي الذي كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على وشك إبرامه.
اليوم، يعتقد نتنياهو أنه في وضع أقوى من السابق، فإذا كان باراك أوباما قد أحبط آماله – ومعه آمال الخليجيين – إزاء استمرارية الضغط أو حتى إعلان الحرب على الجمهورية الإسلامية، فإنّ دونالد ترامب يجاهر علناً بنزعته العدوانية ضد «السلام النووي»، والكل يترقّب ما سيقرّره بشأن «اتفاق فيينا» بعد أيام، في ظل تكهّنات متعدّدة، يذهب بعضها باتجاه توقع قرار «متطرف» بالانسحاب من الاتفاق، وهو أمر مستبعد بالنظر إلى الموقف الغربي العام المؤيد للتسوية النووية، بينما يذهب بعضها الآخر باتجاه توقع مجرّد «خطوات تصعيدية محدودة» للضغط باتجاه «تعديل» الاتفاق أو «تحسينه».
تحريض بائس
في ظل هذا الترقّب، يمكن فهم الوظيفة الفعلية لـ«فقاعة» نتنياهو، وهي لا تخرج عن الإطار الابتزازي الرخيص، الذي يحاول اللعب على النزعة الجنونية لدونالد ترامب، لا بل تغذيتها، وفي الوقت ذاته إحراج الأوروبيين المتمسكين، على ما يبدو بالاتفاق النووي دونما أي تعديل.
ولكن بؤس التحريض والابتزاز الإسرائيليين لم يتأخر ظهوره كثيراً، فاتهامات نتنياهو لإيران، أثارت شكوكاً في صفوف مؤيدي الاتفاق النووي الايراني، لا بل إن جهات دولية عدّة رأت أن هذه الاتهامات تثبت أهمية الاتفاق!
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على سبيل المثال، وهي الجهة المناط بها مراقبة تطبيق الاتفاق النووي، جاء ردّها فاتراً، إذ قالت إنها ستدرس «أية معلومات جديدة» ذات علاقة بالاتفاق، ولكنها أكدت ان تقييماتها خلال السنوات الثلاث الماضية تظهر بأنه «لا يوجد أيّ مؤشرٍ له مصداقية» بأن إيران سعت إلى امتلاك سلاح نووي بعد العام 2009.
واكدت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني أن تصريحات نتنياهو لا تدفع الى التشكيك باحترام إيران للاتفاق النووي، لا بل ذهبت أبعد من ذلك حين قالت «لم أر حججاً لدى رئيس الوزراء نتنياهو حتى الآن عن وجود عدم احترام (للاتفاق)».
الموقف الأوروبي الذي أطلقته موغيرني، بدا متشابهاً في كلّ من الدول الأوروبية، فوزير الخارجية البريطاني المتشدد بوريس جونسون رأى في ما قاله نتنياهو دليلاً إضافياً على «حاجتنا الى الاتفاق حول النووي الايراني»، وهو ما ذهبت إليه فرنسا، في بيان صادر عن وزارة خارجيتها، التي رأت أن «أهمية الاتفاق تتعزز بالعناصر التي قدمتها اسرائيل».
حتى في الولايات المتحدة وإسرائيل، ثمة من شكك في استعراضات نتيناهو الإعلامية، أو في أفضل الأحوال قلّل من أهميتها.
وزير الخارجية الأميركية السابق جون كيري، الذي يعتبر أحد «مهندسي» تسوية فيينا قال إن «الوثائق الاسرائيلية تقدم دليلاً على السبب الذي دفع الدول الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني: لأن التهديد كان حقيقياً وكان لا بد من وقفه» عبر نظام تحقّق متقدم و«هذا الأمر يسير جيداً».
وسائل الإعلام العبرية نفسها – باستثناء صحيفة «اسرائيل هايوم» الناطقة بلسان «الليكود» – عكست أجواء التشكيك داخل اسرائيل نفسها، فصحيفة «هآرتس» على سبيل المثال، أشارت إلى أن «المواد التي كشف عنها نتنياهو حول برنامج إيران النووي مذكورة في تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، مشيرة إلى أن «شيئاً واحداً كان ناقصاً في العرض الذي قدمه نتنياهو وهو التواريخ؛ إذ لم يثبت رئيس الوزراء الإسرائيلي أن إيران عملت على تطوير برنامجها النووي بعد توقيع الاتفاق النووي مع القوى الدولية قبل ثلاث سنوات، ولم يورد تواريخ تتعلق بالمعلومات التي كشف عنها». وعلى هذا الأساس، اعتبرت «هآرتس» أن «نتنياهو لم يقدم أية معلومة جديدة عن سلاح نووي إيراني، بل قدم صوراً قديمة لسلاح كان قيد التطوير، من وثائق معروفة لدى دول العالم ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني».
عرض مسرحي
صحيفة «يديعوت أحرونوت» بدورها رأت أن «مضمون هذه الوثائق لن يكون ذا تأثير على الموقف العالمي من إيران؛ لأنها لم تأت بأي جديد يخص برنامج إيران النووي».
لكنّ التعليق الاسرائيلي الأكثر تعبيراً جاء على لسان داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز الموساد الإسرائيلي، الذي اعتبر أن نتنياهو قدّم «عرضاً مسرحياً» مشيراً إلى أن الوثائق التي يتحدث عنها، تتعلق بالمرحلة التي سبقت العام 2015، أي قبل توقيع الاتفاق النووي الإيراني.
وحدهما، دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، استقبلا «فقاعة» نتنياهو بحماسة، أخفت في الوقت ذاته ارتباكاً عكسته العبارات المتناقضة للبيت الأبيض، الذي قال بداية إن «معلومات» نتنياهو تظهر أن ايران «لديها» برنامج أسلحة نووية سرّياً، قبل أن يعدّل الكلام لاحقاً، استخدام عبارة «كان لديها»!
بومبيو بدوره، سبق أن أعلن، أمام مجلس الشيوخ، في الثاني عشر من نيسان (أبريل) الماضي أنّ «لا ضرورة لقتل (الاتفاق النووي) لأن ايران لم تكن تسعى إلى السلاح (النووي) قبل الاتفاق»، فيما يقول اليوم إنه «حان الوقت لإعادة النظر في مدى قدرتنا على الثقة بإيران والسماح لها بتخصيب اليورانيوم».
لعلّ هذا التخبّط يمكن البحث عن «كلمة السر» فيه عند المحقق الخاص روبرت مولر، حيث أثار في اجتماع مع محامي دونالد ترامب في آذار (مارس) الماضي، إمكانية إصدار مذكرة استدعاء للرئيس الأميركي، إذا رفض التحدث مع المحققين في ما يتعلق بالتحقيق الخاص بروسيا.
ولعلّ أمراً كهذا، يفسّر، كما بات معروفاً، الخطوات التصعيدية التي تنتهجها الإدارة الأميركية إزاء كل الملفات الحساسة، كما حصل مراراً وتكراراً في سوريا.
ولكنّ الأمر بالنسبة إلى مسؤولي الإدارة الأميركية يسير باتجاه خطوات محسوبة، بعيداً عن التهوّر الترامبي والتحريض النتنياهوي، فثمة قناعة راسخة، ذكّر بها محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الايراني، في خضم هذه الجلبة العابرة للقارات، حين حذر من أن فرض عقوبات على إيران يتيح الفرصة للجناح الإيراني المحافظ بغية الضغط على الرئيس الإيراني الإصلاحي، حسن روحاني لإعادة الروح للبرنامج النووي الإيراني، ومنع لجان التفتيش من دخول المنشآت النووية الإيرانية، وبدء عمليات التخصيب مجدداً «بسرعة أكبر بكثير».
مواجهة غير محسوبة
بذلك، يستبعد كثيرون انقلاب المشهد النووي أميركياً، خصوصاً أن ترامب يملك ورقة جديدة لحشد التأييد الداخلي، من خلال افتتاح مقر السفارة الأميركية في القدس المحتلة، بشكل متزامن، تقريباً، مع إعلانه المرتقب بشأن الاتفاق مع ايران.
ومع ذلك، فإنّ كل المؤشرات تشي بأنّ سيولة الموقف ربما تؤدي إلى جعل الرعونة الإسرائيلية تسلك طرقاً تقود إلى مواجهة غير محسوبة النتائج في الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب الاستفزازات الإسرائيلية في سوريا، ومن آخر فصولها الغارة التي قتل فيها عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين، ودفع إسرائيل الأمور إلى حافة الحرب، مع سلسلة إجراءات قد يكون أخطرها مصادقة الكنيست على مشروع قانون يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي سلطة إعلان الحرب، بعد الحصول على موافقة وزير الدفاع فقط، ما يعني أن قرار السلم والحرب في إسرائيل بات في قبضة مخادع مثل بنيامين نتنياهو… ومصاص للدماء مثل أفيغدور ليبرمان.
ظريف: ثابتون في وجه البلطجة الأميركية
أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في فيديو مصور –الخميس الماضي– أن بلاده لن تتفاوض على الاتفاق النووي الذي توصلت إليه في العام 2015 مع الولايات المتحدة والدول الغربية، مضيفاً «أنه آن الأوان لواشنطن لتبدأ في الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي»، ومشدداً على أن بلاده «لن تتفاوض على الاتفاق».
وأضاف المسوؤل الإيراني في رسالة مصورة بثها عبر قناته الشخصية على موقع «يوتيوب»، أن طهران «تقف ثابتة في وجه البلطجة الأميركية»، وذلك مع اقتراب موعد نهائي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل ما وصفه بــ «إصلاح» الاتفاق.
كما أشار أيضاً إلى أن بلاده لن تعيد التفاوض على ما تم الاتفاق عليه قبل سنوات وجرى تنفيذه، وسترفض أيضاً أي تعديل عليه، منوّهاً إلى أن واشنطن «دأبت على انتهاك الاتفاق النووي، ولاسيما بتخويف الآخرين لمنع الشركات من العودة إلى إيران».
وكان ترامب قد أعلن أن واشنطن لم تعد تقبل الاتفاق النووي مع إيران، مشيراً إلى أنه سيتخذ قراراً بهذا الشأن منتصف شهر أيار/مايو الجاري.
ظريف كان قد استبق الظهور التلفزيوني لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للكشف عن «آلاف الوثائق السرية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني»، وكتب على صفحته على «تويتر»: «الصبي الذي لم يتمكن من تقمص شخصية الراعي الكذاب، يريد مجددا تكرار عادته بالكذب.. لم يعتبر من فضيحة الرسوم الكرتونية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.. يمكن خداع بعض الناس فقط بشكل متكرر».
كما أعلن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي أن الرأي العام العالمي أقرّ بأن اتهامات نتنياهو ضد إيران لا أساس لها وهو لن يجني شيئاً من مسرحيته الجديدة ضد الاتفاق النووي، وقال كمالوندي في إفادة صحفية إننا لا نتوقع شيئاً آخر من نتنياهو المعروف بماضيه في الكذب والظلم والاعتداء على حقوق الفلسطينيين .
من جانبه، قال وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي: إنّ على الكيان الصهيوني وداعميه التخلي عن المؤامرات والتصرفات الخطيرة لأن ردّ إيران سيكون مفاجئاً، لافتاً إلى «استعراض نتنياهو الدعائي هو استمرار لسيناريو هذا الكيان في إسقاط التهم والتغطية على جرائمه التي لا مبرر لها ضد الشعب الفلسطيني المظلوم».
Leave a Reply