الأسبوع الماضي، وفي حادث سير مأساوي على أحد شوارع ديربورن، قضى خال أبي المرحوم الحاج فوزي عودة، وشاء القدر أن يكون ماراً على شارع أوكمان الواسع، وفي لحظة كان أحد الشباب يقود سيارته خارجاً من مدخل بيته، فوقعت الواقعة. ومات خالي، الرجل الطيب، ذو النبل الجنوبي، الذي كان يتحدث بعينه ويسمع بقلبه ويحب الناس ويعشق أرضه. وكان شاهداً عبر سنوات، على الحرب الأهلية اللبنانية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ولم يصب خلالها بأذى، حتى أجبره اليأس من إصلاح السياسة في لبنان –في بلد وصلت قيمة الإنسان فيه تحت درجة الصفر– ودفعه الفساد المستشري وقلة الأخلاق إلى ترك قريته الأحب على قلبه.
وكان قدره أن يرحل بتلك الصورة التراجيدية المؤسفة، ولولا أن الموت حق يأتينا ولو كنا في بروج مشيدة، لصعب علينا أن نصدق أن رجلاً في حيوية وذكاء الحاج فوزي، وحذره تدهسه سيارة على شارع عريض واسع وفي عز النهار. ولولا الإيمان بقضاء الله وقدره لكانت مصيبة فقدان إنسان حبيب مثله، أخطر وقعاً وأكثر إيلاماً، ولكن الصبر الجميل الذي تحلى به ذووه، والتسليم بقضاء الله وقدره، خففا من وطأة المصيبة، وقد أرسل جثمان الفقيد العزيز إلى لبنان معززاً مكرماً ليدفن في تراب بلدتنا، برعشيت.
استمرت جنازة المرحوم الحاج فوزي مسجاةً لثلاثة أيام، حضرها المئات من المحبين والأهل والأصدقاء، معظمهم من جيل الشباب نظراً لقبيلة المرحوم الواسعة من الأحفاد والحفيدات. وكما هي العادة تخللت العزاء مجالس حسينية وكلمات من رجال الدين. مجلس العزاء يشبه المآتم التي كانت تقام في الضيعة. ندابات مستأجرات للعويل والبكاء على الميت، واستدرار دموع أهله ضماناً للدفع أكثر.. والذي تغير أن الندابة استبدلت برجل يبكي وينوح خلف مكبر الصوت.
لا بأس ولا اعتراض على ذلك، لكن كلمات رجال الدين كانت في وادٍ والشباب في وادٍ آخر. لم يتطرق رجل الدين ولا عظاته إلى مشكلة القيادة المتهورة في ديربورن، وقد كان من الممكن استغلال حضور تلك المجاميع الشبابية وإرشادهم والتأكيد لهم بأن السواقة في شوارع مدينتنا قد باتت تنطوي على مخاطر كثيرة، وأن السير على الأرصفة بات مغامرة كبيرة، وليس من علامات الإيمان مخالفة إشارات المرور وقوانين السير، فالمسألة مسألة ذوق وأخلاق ودين، وأولى علامات اللياقة والأدب، السياقة بلياقة واحترام القوانين وحقوق الآخرين. وأننا إذا كنا مسلمين حقاً، ونحب الله ورسوله، فقليلاً من الأخلاق والنظافة في شوارعنا لإثبات ذلك.
مشكلة أخرى يعاني منها شبابنا في ديربورن، هي مشكلة تدخين الأراكيل. على شارع وورن وبين شارعي وايومنيغ وتشايس، توجد خمسة محلات مخصصة لبيع الأراكيل ولوازمها، هذا عدا عن توفرها في محطات الوقود والمحلات التجارية الأخرى المنتشرة عند كل زاوية.
آفة تدخين الأراكيل ومخاطر قيادة السيارة، ومشاكل غيرها يعاني منها الشباب والشابات في ديربورن، تستشري بينهم في ظل غياب قادة ومسوؤلون ورجال دين.
رحم الله الخال المرحوم أبو محمد، الرجل العصامي الآدمي، والذي أنشأ مع زوجته أسرةً من الأبناء الناجحين هنا في ديربورن، والذي خسرناه جاراً عزيزاً كنا نستأنس بجيرته ونسعد بلقاءاته الغنية بالمعرفة والتحليل وخبرات الحياة.. للأسف لقد رحل يكلله الحزن على لبنان وسائر بلاد العرب التي آلت إلى ما آلت إليه.
Leave a Reply