انتهت الانتخابات النيابية في لبنان، بعد انقطاع دام نحو تسع سنوات، بعد تأجيل لها عند استحقاقها في العام 2013، لمدة 17 شهراً، ليحصل تمديد ثانٍ لمجلس النواب حتى نهاية ولاية مجلس النواب، التي بدأت في العام 2009، ثم حصل تمديد سُمي تقنياً بعد إقرار قانون انتخاب جديد، اعتمد فيه النظام النسبي مع الصوت التفضيلي، لتفرز انتخابات ٢٠١٨ مجلساً نيابياً جديداً بوجوه جديدة وأخرى تغيب عنه لأول مرة منذ عقود.
نسبة اقتراع متراجعة
فبعد تسع سنوات من انتخابات عام 2009، توجه الناخبون البالغ عددهم نحو 3 ملايين و700 ألف، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وكان متوقعاً أن يكون الإقبال كثيفاً، بسبب النظام النسبي، إلا أن نسبة المقترعين بلغت ٤٩.٢ بالمئة بتراجع عن الدورة السابقة التي وصلت نسبة الاقتراع فيها نحو 54 بالمئة وفق النظام الأكثري، ودون الصوت التفضيلي، إذ أن لصوت الناخب في هذه الدورة أهمية كونه سيزيد من الحاصل الانتخابي للوائح لترفع من عدد مقاعدها في كل دائرة من الدوائر الـ١٥، إضافة إلى أن الصوت التفضيلي سيفاضل بين المرشحين لمن سيكون المقعد النيابي وفق التوزيع الطائفي للمقاعد، إلا أن ضعف نسبة الاقتراع، كشف عن المزاج الشعبي الرافض للطبقة السياسية الحاكمة، بالرغم من وجود لوائح «للمجتمع المدني» الذي تحالف تحت اسم «كلنا وطني» بـ66 مرشحاً موزعين على 9 دوائر، وهو ما لم يشجع الناخبين على الاقتراع، الذي سجل أدنى نسبة في بيروت بدائرتيها الأولى والثانية، في حين كانت النسبة الأعلى في الدائرة الثانية في الشمال التي تضم طرابلس والمنية والضنية.
النظام النسبي
النظام النسبي، أعطى كل حزب وتيار سياسي حجمه، إلا أن قانون الانتخاب المقيد بالطائفة، كان لصالح القوى الطائفية، التي أعطتها النسبية الأرجحية في طوائفها، في حين كان الهدف من طرح النسبية أن تشكل منصة للأحزاب الوطنية والتقدمية، أن تثبت حضورها في مجلس النواب من خلال النظام النسبي، وأن يكون لبنان دائرة واحدة، إلا أنه تمّ إصدار قانون، جاء لصالح الأحزاب الطائفية، التي جاءت نتائج الانتخاب، لتكون لصالحها، ولم يظهر أي وجود للأحزاب الوطنية، سوى الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان تحت عباءة تحالف قوى طائفية بالرغم من انتشاره في بعض المناطق وله حضور فيها، فأمن فوز 3 نواب له، في تحالفه مع الثنائي الشيعي في دائرة الجنوب الثالثة فأعيد انتخاب النائب أسعد حردان للدورة السادسة والنائب ألبير منصور في بعلبك–الهرمل وسُمي كصديق لأنه ليس منتمياً للحزب، وحلّ مكان النائب مروان فارس، كما استعاد القوميون الاجتماعيون مقعدهم في الكورة بعد خسارتهم له منذ 2005، وعاد إليه النائب سليم سعاده، حيث للحزب القومي وجود تاريخي في الكورة، كما في المتن الشمالي حيث خسر مقعده فيه، كما في عاليه–الشوف وعكار وزحلة.
ولم يظهر للحزب الشيوعي فوز أي مرشح، وخاض الانتخابات مع بعض مرشحي «المجتمع المدني» في عدد من الدوائر، ولم تأتِ النتائج وفق توقعاته بخرق لوائح السلطة، إذ لم يسجل أصواتاً في دوائر له وجود فيها كالجنوب في دائرتيه الثانية والثالثة وبعلبك–الهرمل والمتن الشمالي والبترون وعكار.
وبقي حزب البعث العربي الاشتراكي خارج الترشح واللوائح، سوى أحد نوابه الذي أصبح في كتلة حركة «أمل» قاسم هاشم.
لا تغيير جوهري في الكتل
وكشفت نتائج الانتخابات، عدم حصول تغيير في الكتل النيابية الحالية رغم دخول 63 وجهاً جديداً إلى البرلمان. ومع زيادة عدد مقاعد بعض الكتل أو نقصانه، عادت الكتل هي نفسها دون وصول كتل جديدة، حيث كان الرهان على لوائح «كلنا وطني» للمجتمع المدني، إذ حصل خرق واحد في الدائرة الأولى لبيروت، من خلال الإعلامية بولا يعقوبيان عن المقعد الأرمني للروم الأرثوذكس، حيث لم تسجل هذه اللوائح تقدماً يقترب من الحاصل الانتخابي، وهي تجربة تحصل للمرة الأولى في لبنان، وقد تفوز بمقاعد في الدورة المقبلة، إذا ما قام أطراف المجتمع المدني بتنظيم صفوفهم وخلق قيادة لهم وتقديم برنامج واضح.
المستقبل
النتائج أظهرت بأن «كتلة المستقبل» تراجعت من 34 مقعداً إلى 20، وأن خسارتها تركزت في المقاعد السنّيّة التي تقاسمتها مع عدنان طرابلسي (جمعية المشاريع) وفؤاد مخزومي (حزب الحوار) في بيروت حيث نالت أربعة مقاعد بخسارة مقعدين سنيين ومقعد شيعي وإنجيلي، إضافة إلى 3 مقاعد أرمنية، وانتقلت الخسارة إلى عكار فحصلت على أربعة مقاعد من 7، وفي طرابلس والمنية والضنية خمسة مقاعد من 13، وفي صيدا مقعد واحد وأيضاً في البقاع الغربي–راشيا، وفي زحلة نائب واحد، وفي الشوف مقعد سنّي، وفاز المستقبل بمقعد سني في بعلبك–الهرمل، كما خسر مقعداً في الكورة.
الاشتراكي
وفقد «الحزب التقدمي الاشتراكي» مقعداً مارونياً في الشوف وتراجعت كتلته من 11 نائباً إلى 9 نواب، منهم 6 نواب دروز من أصل ثمانية، فيما بقي النائبان الدرزيان طلال إرسلان وأنور الخليل محافظين على مقعدهما، ولم يحصل أي خرق للمقاعد الدرزية.
أمل
كما أن كتلتي الثنائي الشيعي بقي عددهما كما هو، إذ حصلت حركة «أمل» على 13 نائباً شيعياً و3 نواب حلفاء هم: ميشال موسى (كاثوليك) وقاسم هاشم (سني) وأنور الخليل (درزي)، ويكون عدد الكتلة 16 نائباً وقد ينضم إليها النائب ابراهيم عازار الذي دعمه الرئيس نبيه برّي، حيث كان والده النائب سمير عازار عضواً في «كتلة التحرير والتنمية».
«حزب الله»
أما «حزب الله» فخسر نائباً شيعياً واحداً فقط عن جبيل هو الشيخ حسن زعيتر الذي لم تنل لائحته الحاصل الانتخابي، ففاز مصطفى الحسيني بالمقعد بالصوت التفضيلي بـ269 صوتاً وأعلن انه لن يكون بعيداً عن المقاومة التي هو من صلبها وأول زيارة قام بها كانت للرئيس نبيه بري للتهنئة، كما حصل خرق في بعلبك–الهرمل للائحة «الأمل والوفاء» بمقعدين (الماروني حصلت عليه «القوات اللبنانية» لطوني حبشي و«تيار المستقبل» بالمقعد السنّي لبكر الحجيري)، وهذا ما كان يتوقعه «حزب الله» الذي حشد ناخبيه لرفع الحاصل الانتخابي، فقابله خصومه بالخطة نفسها، فصوّت 70 بالمئة من المسيحيين لصالح مرشح القوات والسنّة لمرشح المستقبل.
الأحزاب المسيحية
ساعد القانون الجديد، الأحزاب المسيحية أن تؤمن غالبية نوابها بأصوات المسيحيين، فحصل «التيار الوطني الحر» وحلفاؤه على 29 نائباً منهم 20 ملتزمون بالتيار، حيث أكد الوزير جبران باسيل أنها أكبر كتلة في مجلس النواب.
وحصلت «القوات اللبنانية» وحلفاؤها على 16 نائباً بزيادة 8 نواب على كتلتها السابقة، وقد نالتها من حصة «التيار الوطني الحر» و«حزب الكتائب» و«المستقبل» والمستقلين، فجاءت بنواب جدد في عكار وجبيل وكسروان والمتن الشمالي وبعبدا وعاليه وبعلبك–الهرمل وبيروت الثانية، وخسرت في الكورة مقعداً وفي زحلة مقعداً، وحافظت على 3 مقاعد في البترون وبشري.
وتراجع عدد كتلة «الكتائب» من خمسة إلى ثلاثة، وانحصر تمثيلها بالمتن الشمالي بنائبين والأشرفية نائب واحد، وفقدت ثلاثة مقاعد: في طرابلس، النائب سامر سعادة الذي نقل ترشيحه إلى البترون وخسر، وفادي الهبر في عاليه الذي لم يترشح، وإيلي ماروني في زحلة الذي فقد مقعده، وعوضت بربح مقعد في المتن الشمالي.
وحافظت «كتلة المردة» على مقاعدها الثلاثة، وعوّضت خسارتها بمقعد في زغرتا لصالح ميشال معوض، بمقعد في الكورة للنائب فايز غصن.
وخرج «حزب الوطنيين الأحرار» من مجلس النواب، ولم يتمكن كميل شمعون الحفيد من استرجاع المقعد النيابي لوالده دوري وجده كميل، ولم يفز أي مرشح للحزب في كل الدوائر.
وحصل حزب الطاشناق على 4 مقاعد في المتن الشمالي وبيروت الأولى وزحلة، وخسر حزب الهانشاك مقعده في الأشرفية لصالح الإعلامية بولا يعقوبيان، مرشحة لائحة «كلنا وطني» المدنية.
وفاز نواب مسيحيون على لوائح خارج الأحزاب المسيحية وتوزعوا على حركة «أمل» (2) والمستقبل (3) والاشتراكي (2) وجمعية العزم برئاسة نجيب ميقاتي (2) ومستقلون (3).
نائبان علويان
وللطائفة العلوية مقعدان في طرابلس وعكار، حيث فاز علي درويش على لائحة ميقاتي، ومصطفى حسين في عكار على لائحة «التيار الوطني الحر».
رئاسة مجلس النواب
ومع صدور نتائج الانتخابات، وحصول الكتل النيابية على مقاعدها وتحديد احجامها ، فإن أول أعمال مجلس النواب الجديد، هو انتخاب رئيسه مع هيئة المكتب، وبرئاسة أكبر الأعضاء سنّاً وهو النائب ميشال المر الذي فاز بمقعده في المتن الشمالي رغم الحصار الذي تعرض له من خمسة أحزاب رفضت التحالف معه، بعد أن كان هو مَن يختار المرشحين على اللائحة في الدورات السابقة، حيث نال دعم الرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري ومؤيدين له.
ورئاسة مجلس النواب معقودة للرئيس برّي الذي احتفل بربع قرن لوجوده فيها، حيث لا معارضة له، لإعادة انتخابه، سوى من «التيار الوطني الحر» الذي يخوض رئيسه جبران باسيل مواجهة سياسية معه، إلا أن الفوز سيكون لصالح برّي الذي يلقى تأييداً من كتل نيابية أساسية، ومنها «حزب الله» الذي سماه وأيضاً «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» و«تيار المردة» و«الحزب القومي» و«الطاشناق» والرئيس نجيب ميقاتي (تيار العزم) ونواب مستقلون.
… والحكومة
وبعد الإنتهاء من انتخاب رئيس مجلس النواب، تصبح الحكومة الحالية بحكم المنحلة، وتقوم بتصريف الأعمال، فيدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى استشارات نيابية ملزمة وفق الدستور، إذ يبدو الاتجاه نحو تسمية الرئيس سعد الحريري، من غالبية الكتل النيابية، لأنه يمثل ثاني كتلة نيابية كبيرة، ويحظى بتمثيل 17 نائباً سنّياً، مما يعطيه الحق وفق المفهوم الذي ساد وهو انتخاب الممثل الأقوى في طائفته، بأن يكون رئيساً، ويؤيّده بذلك الرئيس عون وكتلته النيابية، التي تحمل اسم «لبنان القوي» وستكون كتلة العهد، ولا يمانع الرئيس برّي من عودة الحريري، إلا أن تمسك رئيس مجلس النواب بوزارة المال للشيعة عُرفاً كما جرى الاتفاق في الطائف ورفض الحريري لحصر وزارات بطوائف معينة، قد يؤخر تشكيل الحكومة، كما شروط أخرى لكتل نيابية حول الحصص الوزارية والحقائب السيادية.
Leave a Reply