«زمَّت» إسرائيل و«تضبضبت» واضعةً ذيلها بين فخذيها ولَم تبدأ بالحرب كما تخوف البعض، بعد صدمتها الكبرى بضرب سوريا لمواقع عسكرية حساسة لها، على طول جبهة الجولان المحتلة رداً على اعتدائها الأخير من خلال 28 طائرة مقاتلة على أهداف ومواقع سورية.
لقد غيَّر الرئيس بشار الأسد قواعد اللعبة مع إسرائيل وأفشل مؤامرة بولتون الحديثة ووضع خطوطاً حمراء جديدة جعلت تل أبيب في وضعٍ لا يُحسَد عليه.
كان الأسد جدَّياً عندما حذَّر نتنياهو آخر مرة بأن الرد السوري في المرة المقبلة سيكون مفاجئاً وبالعمق وبأن بوتين أوقف الرد عندما توسَّط لنزع فتيل الأزمة، وها هو الأسد ينفِّذ وعده ويصدم المشكِّكين من أنظمة الردة التكفيرية قبل الإسرائيليين. ذلك كما قال السيد الخامنئي إن زمن أضرب واهرب، الذي كانت تنتهجه، إسرائيل قد ولَّى وأدبر.
الرئيس الأسد بصمود شعبه وجيشه مع محور المقاومة وروسيا، أصلاً كان قد حقق منجزات تاريخية بالجملة في مقدمتها إنهاء أحادية القطب الأميركي الأوحد للعالم، وفتح جبهة الجولان وتدعيم وجود المقاومة وترسيخها في سوريا، كما أحدث توازناً استراتيجياً ضد العدو التاريخي وقضى على الوجود الإرهابي التكفيري في بلاده. والإنجاز الأخير يفسِّر هذه «الفوعة» الإسرائيلية الأخيرة قبل تملص ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، بهدف منع الدولة السورية من الاستمرار في تطهير عاصمتها وريفها من الإرهاب.
الخطة التي وضعها بولتون، لا ترامب، كانت تقضي قبل نقض الاتفاق النووي بقيام إسرائيل باستفزازات واعتداءات ضد سوريا وبعض المستشارين الإيرانيين لمنعها من بسط سيطرتها التامة على أراضيها وبالتالي إنقاذ «داعش» من الهلاك وجر طهران إلى رد فعل عسكري تستفيد منه تل أبيب بتصوير نفسها على أنها ضحية فيتم عزل إيران مما يُسهِّل إلغاء الاتفاق معها. لكن الذي حصل أن إيران رغم توعدها بالانتقام لمواطنيها الذي قتلتهم الغارات الإسرائيلية لم تنجر للمعركة التي كانت تل أبيب «تستقتل» لحدوثها –بتوقيتها هي وترامب– وانتظرت حتى ما بعد الإلغاء الذي أحدث شرخاً داخل أميركا نفسها ومع الحلفاء الأوروبيين، وبدل عزل إيران تهافتت أوروبا عليها وعُزلت إدارة ترامب التي ظهرت بوضوح أنها تعمل في خدمة نتنياهو عبر ذيله كوشنر.
لدلك سارعت تل أبيب لاختبار سوريا مجدداً بعد فشل خطة بولتون وفِي أعقاب زيارة نتنياهو لموسكو ولقاء بوتين الذي ربما أبلغه بنياته العدوانية الذي لا شك أنه رد عليه بالقول «أنت وحظك وليس في كل مرة تسلم الجرة».
وبعد كسر هيبة إسرائيل ضاقت خياراتها بشكل مريع، لكنها كما أكدنا مراراً، لن تتضمن الحرب بسبب نتائجها الكارثية عليها. وهكذا بعد تهديدات ليبرمان الموتور وغيره من قادة إسرائيل باغتيال الرئيس الأسد نفسه إذا ردت إيران وبرغم عنترياتها بتدمير سوريا، تغيرت لهجتها بعد الرد السوري ووجدت نفسها مضطرة لتهدئة روع جمهورها من الحرب الشاملة ودعوتهم لترك الملاجئ غير المجهزة مع البقاء بالقرب منها تحسُّباً بينما أهالي جنوب لبنان، الذين لتوهم زفوا المقاومة وحلفاءَها في أكبر نصر انتخابي من نوعه، كانوا يتفرجون على الحدود وهم يدخنون الأركيلة.
وبين لحظة وأخرى تبدلت لهجة ليبرمان وبدأ يتحدث عن أن كيانه غير معني بالتصعيد بينما لم يتمكن الرقيب الإسرائيلي من إخفاء القلق لدى المحللين الإسرائيليين من التطور النوعي الدراماتيكي الذي خلفه الرد السوري.
طبعاً ردود الفعل الدولية والعربية الجبانة وقفت مع العدو متناسية أنه هو السبب في الأزمة الجديدة وأن المشكلة ليست في الضربات الصاروخية السورية بل في حوالي 100 غارة إسرائيلية وأكثر شنتها إسرائيل على سوريا منذ بدء الحرب الكونية عليها.
أخبار قناة «المستقبل» تبنَّت الرواية التي ساقها الكاذب ليبرمان بأن قواته دمرت البنية التحتية الإيرانية في سوريا وصدقوها بدليل قولها إن الغارات الإسرائيلية أنهت بساعات ما عملت إيران على بنائه في سنوات! كذلك برر الحاقد وزير خارجية البحرين، لإسرائيل «الدفاع عن نفسها» مما يعني أنّ هذا رأي بني سعود أيضاً.
وللأسف أن تيار الخرزة الزرقا الذي مُني بهزيمةٍ انتخابية ساحقة لم يتعلم من دروسه وهو مقبل على أيام وقمصان سود أكثر بعد انتصار حلف المقاومة رغم كل محاولات ومؤمرات السعودية وزمرها. كان حرياً بسعد الحريري ألا يثق بسجانيه الذين يمثلهم اليوم سمير جعجع –لا هو– وأن لا ينخرط في عملية الشحن المذهبي والتخويف والبعبعة التي تسبّبت بخسارته أمام الناس. الزمن بعد الانتخابات هو غير ما قبلها وإذا أراد أن يلحق بالركب ويبقى في رئاسة الحكومة فعليه القيام بالتغيير الحقيقي والعودة إلى المقاومة وسوريا.
قطار المقاومة هو الذي يسير مع التاريخ الصحيح، وتركيبة المجلس الجديد ستكون لصالح هذه المقاومة وكثر خير الله أن البرلمان الجديد لن يكون فيه مكاري وفرعون وحرب وصقر والصفدي وريفي الذي تبين أنه بالون فارغ، وفتفت (رغم فوز ابنه) وسعيد وشمعون والضاهر والمرعبي ولا الجراح، لكن هؤلاء في دفة وفؤاد السنيورة في دفة وهذا ما يجعل طعم الانتصار أكثر حلاوة فكيف إذا كان على رأس النواب الجدد اللواء جميل السيِّد الذي كان من بين العشرة الأوائل في لبنان من حيث عدد الأصوات التفضيلية، وهذا ما يُخيف النظام الطائفي من تصحيح قانون الانتخاب وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة. ولو كان مسخ الوطن بلداً فعلياً لجعل من أمين شري رئيساً للحكومة لأنه نال أصواتاً أكثر من الحريري نفسه في بيروت وهذه أول مرة تحصل منذ السبعينيات عندما تفوق المناضل الناصري نجاح واكيم على رئيس الوزراء آنذاك صائب سلام.
المقاومة تنتقل من انتصار لآخر وتوقيت النصر الانتخابي الأخير سوف يحصٍّن دورها وموقعها في المعادلة وفي أشد الأوقات خطورة وحرجاً في المنطقة والعالم.
Leave a Reply