مجلس الأمناء يتعهد بعدم تكرار الخطأ .. والمحتجون يصرّون على الاعتذار والمحاسبة
ديربورن – «صدى الوطن»
للأسبوع الثاني على التوالي، استمرت قضية استضافة «المركز الإسلامي في أميركا» لعسكريين إسرائيليين بالتفاعل، حيث قصد مئات اللبنانيين الجامع الكبير –يوم السبت الماضي– للتعبير عن احتجاجهم على تجاهل المسؤولين في المركز لمطالبهم بالاعتذار للجالية والتعهد بعدم تكرار «الخطيئة» ومحاسبة المسؤولين وتنحيتهم عن مركز القرار.
وكانت استضافة الضباط الإسرائيليين قد تمت في إطار فعاليات حوار الأديان التي يقيمها «المركز الإسلامي» منذ 2007 بالتعاون مع «جامعة الدفاع الوطني» (أن دي يو).
وكان بعض النشطاء قد نظموا وقفتين احتجاجيتين يومي الجمعة والأحد، الأسبوع قبل الماضي، للتنديد باستضافة ضباط الاحتلال، لكن حراكهم لم يلق آذاناً صاغية لدى إدارة المركز التي اكتفت بإصدار بيان خجول، انتقد الاحتجاجات بشكل غير مباشر، وأكد على أن فعالية استقبال عسكريين من خلفيات متنوعة في المركز مستمرة منذ 11 عاماً بطلب من «جامعة الدفاع الوطني»، وعبر وزراة الخارجية الأميركية، لـ«تثقيف العسكريين حول الإسلام في الولايات المتحدة».
البيان لم يشف غليل المستائين الذين اعتبروه محاولة واضحة للتنصل من المسؤولية والالتفاف على مطالب المحتجين، فبادر المئات منهم إلى التوجه نحو المركز حاملين معهم أسئلة مباشرة لكي يضعوها في عهدة القائمين على الإدارة، وسط إصرارهم على سماع الأجوبة من أعضاء هيئة الأمناء الذين تغيبوا جميعاً، ولم يحضر للرد على أسئلتهم واستفساراتهم سوى العضو الفخري في هيئة الأمناء الدكتور نسيب فواز، الذي تصدى وحيداً لـ«مهمة» التعامل مع المشكلة وتسويتها بأقل الخسائر الممكنة.
محاولات تهدئة
وكان أمناء «المركز الإسلامي» قد استبقوا التجمع الاحتجاجي الحاشد المحدد عند الساعة السادسة مساء السبت الماضي، بإصدار بيان ثانٍ، أفاد بأنه «لم يكن.. ولن تكون في نية المركز الإسلامي في أميركا تكريم هؤلاء العسكريين»، في إشارة إلى الضباط الإسرائيليين. وأضاف «إننا نتفهم المخاوف التي يبديها أبناء جاليتنا» إزاء فعالية حوار الأديان ذات الصلة، مؤكداً أن «هيئة الأمناء وإدارة المركز سوف تقوم بالإجراءات الضرورية لكي لا يتم استقبال إسرائيليين داخل المركز في المستقبل.. ضمن فعالية استضافة الوفود العسكرية» في البرنامج الآنف الذكر.
البيان الثاني اُعتبر أيضاً غير كاف من قبل بعض المحتجين الذين توجهوا إلى مصلى الجامع الكبير للتأكيد على مطالبهم، وفي مقدمتها الاعتذار للجالية ومحاسبة المشرفين على البرنامج.
وحاول المدير التنفيذي قاسم علي منع الحضور من التعبير عن احتجاجاتهم داخل المصلى بدعوى أنه «مكان للتعبد والصلاة فقط»، ما حدا بمئات المحتجين إلى الاجتماع في إحدى قاعات المركز التي سادها الهرج والمرج لعدة دقائق قبل أن ينضبط الحضور ويفسح المجال أمام الحاضرين للأسئلة أو التعليقات.
وقد استهل اللقاء رئيس «المجلس اللبناني الاغترابي» الدكتور نسيب فواز الذي أكد للحاضرين أن أعضاء هيئة الأمناء لم يكونوا على علم بوجود إسرائيليين ضمن الوفود العسكرية التي استقبلها الجامع الكبير خلال السنوات السابقة، واستدرك «ربما واحد أو اثنان منهم يعرفون، وقد تعهدنا في البيان الأخير بعدم استقبال أي إسرائيلي داخل المركز في المستقبل.. لا أحد في المركز يقبل بهذا الأمر.. ومن قال إنكم أكثر وطنية من الآخرين».
وعند تلك اللحظة، دخل الناشط الدكتور صالح الأمين على الخط، وقال مقاطعاً: «ليس من أدخل إسرائيليين إلى المركز.. يقول لنا من هو الأكثر وطنية!»، وقد استجرت هذه العبارة تصفيقاً مدوياً من الحاضرين الذين بدوا أنهم ليسوا بوارد أن يتم التعامل مع المسألة على مبدأ «مسك العصا من المنتصف».
فواز، اعتبر التظاهر والاحتجاج الجماعي طريقة غير مناسبة وغير مثمرة لإصلاح المشكلة، مقترحاً تشكيل لجنة من الحاضرين للاجتماع مع هيئة الأمناء والوقوف على رأيهم في هذه المسألة. وذهب الاقتراح أدراج الرياح بسبب إصرار بعض المحتجين «على تسمية الأشياء بأسمائها»، إذ قال طبيب مشارك في التجمع «إذا كان هناك أحد ينزف لا نجري له عملية تجميل.. كل من تآمر على دماء الشهداء يجب أن يُحاسب.. لا يكفينا البيان.. هذا أقل شيء.. وكل واحد شارك باستقبال الإسرائيليين لا يجب أن يكون مؤتمناً على الجامع أو عضواً في البورد».
المصلى للصلاة
ورداً على احتجاج أحد المتداخلين على منع الحاضرين بالتواجد داخل المصلى، قال فواز «المصلى للصلاة.. وجميعكم يحملون تلفونات ويصورون وبعض المصلين لا يحبون ذلك ولا يريدون الظهور في التسجيلات.. هنا في هذه القاعة نحن مستعدون لسماعكم.. لكن لا يجوز إدانة جميع الأمناء، القائم على برنامج حوار الأديان في المركز هو المسؤول.. الوفود التي استقبلناها بينها ضباط لبنانيون وأردنيون ومصريون وسعوديون وغيرهم من 67 دولة يتمنى الجميع استقبالهم.. يأتون إلينا وهم يرتدون بزات عسكرية متشابهة ولا نسأل أحداً عن جنسيته، وهذه الفعالية ليس المقصود منها تكريم أحد، وإنما تثقيف العسكريين حول الإسلام».
وأضاف «إننا في كل عام نعيّن خمسة أعضاء جدد داخل البورد، ومن لديه المؤهلات منكم، فأهلاً وسهلاً فيه». ورداً على سؤال حول المؤهلات التي يجب أن يتحلى بها الأمناء، قال «أن يحضروا دورياً وأن يشاركوا في نشاطات المسجد وأعماله وبرامجه». ومرة ثانية، قاطعه أحد المتداخلين: «ها نحن قد حضرنا.. وغاب جميع أعضاء البورد».
وتعليقاً على منع قاسم الحضور من الاحتجاج داخل المصلى، قال أحد النشطاء: «البعض يرى أن هذا المسجد بني من أجل العبادة فقط.. ونحن نرى أنه بني أيضاً من أجل الحق والعدالة، نحن في تحركنا أصحاب حق وننشد العدالة».
وفي السياق ذاته، قال الأمين: «منذ قليل أخرجونا من المصلى.. الإسرائيليون رحّب بهم في المصلى.. أما نحن فلا».
عاصفة من التصفيق أثارتها مداخلة إحدى المحتجات، حين خاطبت الحضور قائلة: «هذا البورد لن يفيدكم بشيء.. 11 سنة يستقبلون الإسرائيليين وحضرة جنابه (في إشارة إلى فواز) يقول إنه لا يعرف إن كان بين العسكريين إسرائيليون.. إذن ماذا تعرف في هذا الجامع؟» وتابعت «أمانة برقبتكم.. أرجوكم أن تستلموا أنتم الأمور».
وتساءَل الناشط مهدي بلوط مخاطباً فواز: «قلت إن بعض الأمناء يعرفون والبعض لا يعرف أن الوفود بينها إسرائيليون.. لماذا لم يقدموا على الأقل اعتذاراً مباشراً.. ما الذي يمنعهم من ذلك؟».
وفي مداخلة للزميل الصحافي علي منصور، أشار إلى أن الزعيم المصري الراحل كان قد وضع اللبنة الأساسية لبناء المركز الإسلامي من هبة تقدم بها لمساعدة المسلمين الأميركيين، مشدداً على هوية الجامع الكبير هي «هوية عربية إسلامية»، رداً على أن مزاعم بعض القائمين على إدارة المركز بأنه مؤسسة إسلامية غير معنية بالصراع العربي الإسرائيلي.
وأضاف «الدكتور فواز يحاول حل المشكلة على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، مضيفاً أنه «تكفيراً عن الذنب، أقترح تسمية إحدى قاعات المركز باسم: شهداء قانا، حتى نتأكد فعلاً أنهم (المسؤولون) يحترمون دماء الشهداء.. خاصة وأن المركز يستضيف منذ سنوات ذكرى المجزرتين اللتين ارتكبهما العدو الإسرائيلي».
تمسك بالاعتذار
ودحض الأمين، الأقوال التي تدعي بأن أعضاء البورد يجهلون وجود إسرائيليين ضمن الوفود العسكرية المستضافة، وقال «على الأقل منذ 3 سنوات، رفع بعض الشيوخ الصوت، وتكلموا مع أعضاء البورد صراحة وأخبروهم بأنه لا يجوز شرعاً استقبال هؤلاء في المركز».
وحول اقتراح ضم بعض الشباب إلى البورد، أضاف «حتى لو تم ضمكم فسوف تكونون أعضاء من الدرجة الثانية ولن يُستشار أحد بالقرارات.. إذ يبدو في البورد الحالي أن هنالك أعضاء هم مجرد ديكور لا يعرفون شيئاً ولا يتم اطلاعهم على أي شيء».
وأكد «مطالبنا ليست تعجيزية.. هنالك جالية شعرت بأن كرامتها أهينت فلماذا لا يعتذرون لها».
وأشار إلى أن بعض مسؤولي المركز يحاولون التنصل من مسؤولياتهم مدعين بأن المحتجين «لديهم أجندات خاصة». وقال: «ليس لدينا أية أجندة.. حرصنا على هذا المركز أكبر من حرصنا على أية مؤسسة أخرى في الجالية لأنه ذو قيمة معنوية كبيرة بالنسبة لنا».
وقال: «البعض هددنا بأنهم سوف يتصلون بـ«أف بي آي».. ولهؤلاء أقول هذه الجالية هي جالية حية.. الجيل الذي انبطح وقرر الجلوس بالزواية ليس جيلنا.. سوف نستمر بالمراقبة وإذا أهاننا هذا المركز فسوف نقف ضده.. لسنا خائفين من أحد ونقولها بالفم الآن: إسرائيل شر مطلق.. والتعامل معها حرام».
وأضاف: «بعض الأمناء اجتمعوا مع المسؤول عن برنامج حوار الأديان عيد علوان منذ سنوات وأخبروه بوجود إسرائيليين ضمن الوفود لكنه تجاهل الموضوع، ويصر على الاستمرار في هذا البرنامج حتى أنه قال للبعض: «سوف أستضيف هذه الفعالية ما دمت حياً».. ونحن نرد عليه بما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين»، مؤكداً على أن الجالية لن تلوذ بالصمت حيال الأخطاء التي يرتكبها بعض المسؤولين في مؤسساتها.
Leave a Reply