مؤسف جدَّاً ما حدث في الأسابيع الماضية من فوضى وضجّة في «المركز الإسلامي» بمدينة ديربورن.
بدا للجميع وكأن هناك «ربيع عربي» ضد المركز. علا الصوت وارتفع سقف المطالب بتنحية أمناء المركز بعد الكشف عن حضور ضباط إسرائيليين إلى المركز الرمزي في إطار فعالية سنوية يحضرها ممثلون من الأديان جميعاً.
هاجت تفاهة التافهين وعلا صوت المتربصين والغوغائيين مطالبين بالويل والثبور وكأن «المركز الإسلامي» صار كنيساً يهودياً والقائمين عليه من عبدة العجل.
الكثير من هؤلاء لا يهمهم إلَّا إثارة النعرات وبث حماسة الجاهلين والبذاءة بين البسطاء الأبرياء، متى يعلنون إفلاسهم بالسكوت؟ ومتى يفهمون أن«جادلهم بالتي هي أحسن» وأن هناك أسلوباً اسمه الحوار بدلاً من «الدق والنق» ورمي التهم والشائعات.
نسوة حملن اللافتات احتجاجاً يوم السبت الماضي، ماذا يفهمن وماذا يعرفن عن قانا والقدس وإسرائيل؟ بعض الفتية الثائرين بحماسة يهرفون بما لا يعرفون، هل هم مؤهلون للكلام والحوار؟ أين هم مما يحصل في الأراضي المحتلة؟ ولماذا لا نراهم يتحركون لنصرة الشعب الفلسطيني؟
في الزمن الماضي لم تكن هناك محاكم ولا محامون. في كل قرية كان رجل حكيم يتحلَّى بالتعقل وسعة الصدر والهيبة وكان كلامه مسموعاً ورأيه مطاعاً في كل خلاف أو إشكال بين الفلاحين.
المجتمع لا يحتاج إلى تنظيرات بل إلى قدوات، والقدوة الحكيمة العاقلة غير موجودة في ديربورن هذه الأيام. تقول صديقتي: «كل واحد شاكل براسو ريشة وعامل زعيم». ديربورن مليئة بالزعماء والنشطاء، ولكن هل من قدوة؟ هل هناك من يستطيع أن يقول لهؤلاء: عيب! كفى! ارحمونا.. من الخلاف والشقاق والنفاق وانتبهوا إلى أعمالكم وأسركم وحياتكم وأخلاقكم.
عند الانتخابات نختلف، في المناسبات نتشاجر، وفي الأعياد نفترق. نفس الحزازات ونفس التعقيدات ونفس التفاهات وكل عُقد النقص لا نزال نعاني منها. لا جامع بيننا، مثل «الكبة النعسانة» كل ما حاولت جمعها تفرط.
يا جماعة دعوا هذا المركز يجمعنا، اتركوه. تفضلوا اعملوا بدلاً من حمل شواكيش الهدم. حاوروا بالمنطق والعقل بدل الاعتباط والجدل والدجل والتعمية.
إن ما حدث في المركز الإسلامي، ليس مسألة ضباط إسرئيليين، بل قلوب مليانة ضد المركز. وهي ليست المرة الأولى التي يسعى بعض المتوترين إلى زعزعته وخرابه، فيما العديد من الأوادم في ديربورن خائفون من «خريف عربي» قد يكون سبباً في خسارة الجميع.
لا يكفي أن نرث الإرث الحسن، بل يجب أن لا نورِّث العار والتفاهة. في ديربورن أكبر تجمُّع عربي إغترابي، ناجح إقتصادياً وعلميَّاً وفاشل جماعياً.كلما ارتفعت فيه أصوات تدعو إلى التعقل والحكمة والعمل بإخلاص لأجل المصلحة العامة، توصف بالخيانة وتخنق خنقاً. كل الأمل أن يخرج من هذه الجالية عظماء العقل لا عظماء الكلام. روَّاد صقلتهم الأيام والخبرة لتوضيح الحد الفاصل بين الخطأ والصواب وتوعية الجيل العربي الناشئ بثقافته وقيمة وأخلاقه وبلاده الجميلة.
أما من رجل رشيد؟ هل هذه المناكفات والاحتجاجات والاعتصامات هي مثل صالح نقدِّمه لأولادنا؟ ومن المستفيد إذا ما خربت البصرة؟
Leave a Reply