منذ انتهاء الانتخابات النيابية، تتجه الأنظار إلى «حزب الله» لمعرفة طبيعة الـ«لوك» الجديد الذي سيطل من خلاله على الحياة السياسية اللبنانية بعد الفوز الكبير الذي حققه وسمح له بانتزاع كتلة نيابية وازنة، إلى جانب انه ربح مروحة واسعة من النواب الحلفاء، على الرغم من كل التدخلات الخارجية في مسار انتخابات 6 أيار، وما رافقها من ترهيب وترغيب، بهدف اختراق البيئة الحاضنة وكسب ولو مقعد نيابي شيعي واحد، يمكن أن يستند إليه خصوم المقاومة في الداخل والخارج للإيحاء بأن جمهورها يتراجع وخيارها يضمر.
وليس أدل على غضب بعض الخارج مما آلت إليه نتيجة الانتخابات من رزمة العقوبات الأميركية والخليجية التي استهدفت قيادات بارزة في الحزب (وفي طليعتها أمينه العام السيد حسن نصرالله إضافة إلى عدد من أعضاء شورى القرار) وذلك مباشرة بعد اتضاح صورة التوازنات المعدلة في المجلس النيابي الجديد، وهو ما كان الحزب يتحسب له ويتهيأ لمواجهته منذ أن بدأ يخوض حملته الانتخابية على قاعدة أن 6 ايار سيكون يوم الاستفتاء على خيار المقاومة في مواجهة الضغوط الخارجية.
تعديل استراتيجي
وإذا كان «حزب الله» في الماضي قد تعاطى بكثير من التواضع مع معادلة السلطة إلى حد القبول بحضور عادي في الحكومات السابقة والاكتفاء بتدخل ناعم في سياساتها، لحساب أولوية التفرغ للمقاومة وللصراع الكبير في الإقليم، فإنه قرر تعديل هذه الاستراتيجية في المرحلة المقبلة، في اتجاه تحقيق التوازن بين الاهتمام بالشأن الاستراتيجي ومتابعة الشأن الداخلي من موقع الشراكة بعد سنوات طويلة من التهميش الطوعي.
بالنسبة إلى الحزب انتهت أيام الزهد الداخلي والتقشف السلطوي، وحان الوقت لاكتساب دور وازن في الدولة يتناسب مع حجمه النيابي والشعبي، أولا لتحسين موقعه في معركة مكافحة الفساد التي قرر خوضها حتى النهاية، وفقاً لما تعهد به السيد نصرالله، وثانياً لتعزيز مناعته في مواجهة القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى الانقضاض عليه.
ماذا سيطلب الحزب؟
وبناء عليه، تفيد كل المؤشرات بان الحزب سيطلب الحصول على ثلاثة حقائب وزارية بعدما كان يكتفي في الماضي بحقيبتين ويتخلى عن واحدة لحليف له، كما أنه سيطلب على الأرجح منحه حقيبة خدماتية أساسية.
ويبدو أن الرئيس نبيه بري سيقف إلى جانبه في هذا المسعى، وقد نُقل عنه تأكيده أن الحزب يستحق حصة دسمة في الحكومة المقبلة، كما يستحقها أي طرف داخلي فاعل، لافتاً الانتباه إلى أن «حزب الله» يشكل جزءاً من نسيج مؤسسات الدولة اللبنانية وليس عضواً في الكونغرس الأميركي حتى يفترض البعض في الخارج أن من حقه وضع شروط أو فيتوهات عليه.
ولعل الرئيس سعد الحريري الذي أعيد تكليفه بتشكيل الحكومة بأكثرية 111 صوتاً، سيكون أمام اختبار صعب، حين سيحاول إمساك العصا من الوسط والتوفيق بين مفاعيل العاصفة الخارجية على «حزب الله» والإصرار المتوقع من الحزب على تمثيل وزاري لائق. وصعوبة مهمة الحريري تكمن في حاجته إلى مسايرة السعودية بعد إعادة ترميم علاقته معه، وقناعته في الوقت ذاته باستحالة تجاهل الشراكة مع الحزب.
شركاء اضطراريون
وهناك في أوساط خصوم الحزب الداخليين مَن بدأ يروج منذ الآن لضرورة أن يعتمد الحزب المرونة والليونة في طلباته من أجل تسهيل مهمة الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن. ويعتبر أصحاب وجهة النظر هذه أن الحزب يجب ألا يتمسك بالحصول على أي حقيبة أساسية حساسة، تضعه على تماس مع المجتمع الدولي، لأن منحه حقيبة من هذا النوع قد يورط الدولة اللبنانية بمآزق وأزمات هي في غنى عنها، وسط العقوبات الدولية المفروضة على الحزب بعد تصنيفه منظمة إرهابية وبالتالي رفض الكثير من العواصم التعاطي معه.
في المقابل، تؤكد مصادر سياسية مقربة من «حزب الله» أن الحزب سيتمسك أكثر من أي وقت مضى بحضور نوعي في الحكومة المقبلة، مشيرة إلى أن العقوبات الأخيرة ستساهم في تشبثه بهذا القرار المفصلي وليس تراجعه عنه، لاسيما أن تعزيز موقعه في الدولة سيكون جزءاً حيوياً من شبكة الأمان إزاء ضغوط الفريق الاقليمي والدولي المعادي.
والارجح، أن خصوم الحزب في لبنان لن يتمكنوا من التماهي كلياً مع التصعيد الخارجي المستمر، كونه يفوق طاقتهم على محاكاة سقفه المرتفع، وإن كانوا سيحاولون قدر الإمكان استثماره لتحسين شروط التفاوض مع الحزب ودفعه إلى تقديم تنازلات، تحت شعار تجنب الاصطدام بالمحيط العربي والمجتمع الدولي.
وما يزيد مهمة خصوم الحزب في الداخل والخارج صعوبة وحراجاً هو أن «حزب الله» ربح جولة الانتخابات النيابية باللعب النظيف، وفق الأصول الدستورية والقواعد الديمقراطية، بحيث لا يوجد مبرر لرفض الجلوس معه في الحكومة أو لتجاهل حقه في تمثيل وزاري مناسب، خصوصاً أن شركاءه الاضطراريين في السلطة يعلمون أن أي محاولة للانقلاب على الشراكة قد تؤدي إلى خسارتهم كل شيء في نهاية المطاف.
Leave a Reply