مقتل زبون أسود في محطة وقود يفاقم أزمة عمرها عقود
في 13 أيار (مايو) الماضي، أطلق شاب عربي أميركي النار على زبون أسود وأرداه قتيلاً داخل محطة وقود على شارع ماكنيكلز، غربي ديترويت. ووفقاً لتقرير الشرطة، تطور نقاش بين ديريك روبرتس (34 عاماً) ورامي علي جابر (26 عاماً) إلى شجار دفع الأخير إلى الخروج من خلف الزجاج العازل وإطلاق النار على الزبون الإفريقي الأميركي الذي فارق الحياة رغم محاولات إسعافه.
وتحت وطأة الاحتجاجات الغاضبة لسكان الحي، اضطر مالك المحطة –وهو من أصل لبناني ووالد المتهم– إلى إغلاق محطته، لتعود إلى الأذهان حوادث مماثلة في تاريخ طويل من العلاقات المتوترة والدامية بين الأفارقة الأميركيين والعرب الأميركيين، لاسيما بين أصحاب المحطات والعاملين فيها من جهة، والزبائن السود من سكان الأحياء في ديترويت من جهة أخرى.
علاقة متوترة
عقود طويلة من التجاور والمصالح المشتركة بين السود والعرب لم تفلح في إصلاح سوء الفهم الذي بين الفينة والأخرى يصل إلى حد الغليان بسبب سقوط قتيل عربي هنا أو أسود هناك.
القاصي والداني يعلم بأن محطات الوقود كانت ولازالت عصباً اقتصادياً مهماً للعرب الأميركيين الذين يملكون الكثير من المحطات المنتشرة في كافة أنحاء ديترويت، رغم عقود من الانحدار الأمني والاقتصادي الذي عاشته المدينة، فكانت محطات الوقود الملاذ الأخير لتوفير احتياجات سكان ديترويت بعد إغلاق المتاجر الكبرى لأبوابها منذ سنوات طويلة.
ولا شك في أن الاحتكاك اليومي –وعلى مدار الساعة– بين الزبائن، ومعظمهم من السود الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل، وبين العرب كعاملين وأرباب عمل، ولد كثيراً من التشجنات العرقية وسوء الفهم نتيجة الفوراق الطبقية والثقافية بين الطرفين، والتي غالباً ما أججتها شرارة حوادث قتل ذهب ضحيتها عرب وسود على حد سواء.
وعلى مرّ العقود، دفعت الجالية العربية ثمناً باهظاً من دماء أبنائها في محطات الوقود التي لم تسلم من السرقة والنهب والتخريب والبلطجة. ورغم ذلك، تمسك العرب الأميركيون بمصالحهم التجارية في المدينة التي هجرها الجميع، ابتداءً من السبعينات. بالمقابل لم يسلم الزبائن السود من الأذى والغطرسة والاحتقار، حيث مازال الكثيرون من أبناء الجالية العربية يصفون السود بـ«العبيد»، وهو وصف يعكس –بلا أدنى شك– عنجهية وعنصرية، يتعرضون لها هم أنفسهم في هذا البلد.
اجتماع طارئ
في أعقاب جريمة محطة ماكنيكلز، بادر رئيس «الرابطة الوطنية لتقدم الملونين» القس ويندل أنتوني، إلى عقد اجتماع طارئ تحت عنوان «لنوقف القتل ونبدأ الحوار» في كنيسة «فلوشيب تشابل» بديترويت، في الأول من حزيران (يونيو) الجاري.
طاولة الحوار ضمت رجال أعمال عرب وسود وناشطين ومسؤولين وأعضاء في مجلس ديترويت البلدي وممثلاً عن شرطة ديترويت، للبحث في سبل تحسين العلاقة بين الأعمال التجارية في أحياء ديترويت والمجتمع المحلي عبر جعلها أكثر إسهاماً في توفير مناخ آمن ومتفهم بين شرائح سكان المدينة.
وطرح الجانب الإفريقي الأميركي عدة مقترحات على الحاضرين من رجال الأعمال العرب لتحسين العلاقة، عبر «تصحيح العلاقات» من خلال تعزيز الحساسية تجاه التباينات الثقافية، وأن يكونوا «جيراناً أفضل»، عبر «رد الجميل للمجتمعات التي تزدهر أعمالهم فيها».
كما تقدموا إلى رجال الأعمال العرب الحاضرين الذين كانوا في معظمهم من مالكي محطات الوقود بحزمة مطالب، بينها دفع تكاليف جنازة روبرتس، والالتزام بمعايير السلامة والنظافة وتدريب العاملين في المحطات وتثقيفهم حول الفوراق الثقافية والاجتماعية، وكذلك تقديم اعتذار علني عن اقتراف الجريمة.
كما اشتملت المطالب على ضرورة توقف المحطات والمتاجر العربية عن بيع السجائر المفردة (لوسي) وأدوات استعمال المخدرات، وتوظيف الأفارقة الأميركيين، وبناء شراكات وتقديم تبرعات سنوية إلى المنظمات المجتمعية والشبابية المحلية.
رئيس منظمة «نيو إيرا ديترويت» نيغوس فو، دعم مطالب الأفارقة الأميركيين مشدداً على مشروعيتها، وقال: «في كثير من الأحيان نرى الأعمال التجارية تأتي إلى المجتمع وأصحابها ليسوا بالضرورة منه ويستفيدون مادياً ولكنهم في الواقع لا يتفاعلون مع المنظمات المجتمعية أو الكنائس في ذلك المجتمع».
وقد رفع البعض سقف الشروط إلى حد مطالبة صاحب المحطة التي وقعت فيها الجريمة، ببيعها لرجل أعمال إفريقي أميركي، وهو ما أثار امتعاض الحضور من الجانب العربي.
من ناحيته، أشار رئيس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» ناصر بيضون، الذي كان حاضراً في الاجتماع، إلى أن الهدف من اللقاء هو «الوصول إلى اتفاق»، وليس الاستماع إلى إملاءات، لافتاً إلى أنه وزملاءه من رجال الأعمال الحاضرين يحترمون زبائنهم والمجتمع الإفريقي الأميركي على وجه العموم.
بيضون، الذي يملك محطة وقود في ديترويت، أكد أن معظم مالكي المحطات العرب يلتزمون بالقوانين والقواعد، لافتاً إلى أنه وآخرين شكلوا النواة الأولى لـ«مشروع الضوء الأخضر».
وأضاف «لقد بدأنا بمشروع الضوء الأخضر واستثمرنا أموالنا لأننا شعرنا بأن الدوانتاون والميدتاون تحصلان على كل شيء فيما لا تحصل الأحياء الأخرى على أي شيء»، مؤكداً على فعالية المشروع في كبح معدلات الجريمة في المدينة التي صنفت لعقود كأخطر مدينة أميركية.
ويوفر «مشروع الضوء الأخضر» خدمة البث المباشر للأحداث داخل المتاجر إلى مركز الشرطة عبر كاميرات عالية الدقة.
واستدرك بيضون بالقول إنه حان الوقت لحث جميع أصحاب محطات الوقود والمتاجر إلى الالتزام بالقوانين والقواعد. وأضاف «مع تمتع العرب بالنجاح والريادة في ديترويت، فإن لديهم مصلحة ثابتة في بناء علاقات وثيقة مع السكان، والمساعدة في دعم المجتمع الذي يستفيدون منه.. وذلك يعني توظيف المزيد من الأفارقة الأميركيين ودعم المنظمات المحلية»، مشدداً «على أن المجتمع الإفريقي الأميركي يتطلع للاستفادة من النهضة التي تشهدها ديترويت في الوقت الحالي».
من جانبه، انتقد موسى بزي بعض أصحاب المحطات الذين يوظفون أشخاصاً غير مؤهلين ولا يتقنون اللغة الإنكليزية، وقال «العديد من العرب الأميركيين يقفزون إلى العمل في المحطات بلا أدنى خبرة أو معرفة بطباع وثقافة زبائنهم، وفي معظم الأحيان يتم توظيف أشخاص قادمين حديثاً من الشرق الأوسط ممن لا يتقنون الإنكليزية ويجهلون كيفية التعامل مع الأفارقة الأميركيين تماماً.
بزي –وهو شريك في ملكية ثلاث محطات بشرقي ديترويت منذ ثلاثة عقود– أهاب بأصحاب المحطات العرب أن يخضعوا عمالهم وموظفيهم لدورة تدريبية في كيفية التعامل مع الزبائن، وقال «بعض العرب الأميركيين.. هم الأسوأ في مجال خدمة الزبائن.. نحتاج إلى توظيف أشخاص يفهمون طبيعة المجتمع الذي يعملون فيه».
تراكم
وخلال الاجتماع، أعرب فو عن تقديره لمساهمات رجال الأعمال العرب، ولكنه أكد أن جريمة ماكنيكلز لم تكن حادثاً معزولاً، وإنما كانت نتيجة لنمط من السلوك العنصري تجاه الزبائن.
وأشار إلى أنه تلقى نحو 30 اتصالاً من الجيران يشتكون فيها من السلوك السيء لعمال المحطة الآنفة الذكر، وقال إن أحد العاملين فيها بصق وشتم الزبائن الشباب وكبار السن على حد سواء.
في الإطار ذاته، شدد أحد الحاضرين السود على أن أصحاب الأعمال العربية لا يستعينون بالموظفين المناسبين، وقال «هنالك عدم احترام للثقافات بين الأشخاص الذين يجلسون في الغرف الزجاجية وبين الزبائن»، مؤكداً «نشعر بأنهم لا يحترموننا ولا يحترمون نقودنا»، لافتاً إلى أن الموظفين غالباً ما يتحدثون بين بعضهم البعض بلغة أخرى، كما أنهم في بعض الأحيان يقومون برفع الأسعار.
المدير التنفيذي لـ«مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير) –فرع ديترويت، داود وليد أكد على أنه «مع استمرار التوترات الناجمة عن القضايا المشحونة بالعنصرية وحتى التحرش الجنسي ضد الزبائن في محطات الوقود.. فإن التدريب على الحساسية الثقافية سيكون وحده هو الحل».
وأضاف: «العلاقة بين الأفارقة الأميركيين والجالية العربية كانت مضطربة، وعاصفة أحياناً، منذ قدوم العرب بموجات كبيرة في السبعينات»، مؤكداً على أن «عدم التواصل ينبع من الفقر والحواجز الاجتماعية–الاقتصادية المتعددة التي تسهم في ارتفاع معدلات الجريمة وسوء الفهم بين المجتمعات»، لافتاً إلى أن العلاقة بين العرب والسود «كانت مأزومة دائماً.. فهم نادراً ما يتواصلون في الظروف العادية».
وانتقد وليد كلا المجتمعين لعقدهما الاجتماعات فقط عند وقوع الحوادث، بدلاً من إجراء حوارات نزيهة ومتواصلة.
Leave a Reply