ربما هي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين سفير لبناني في واشنطن واضح الانتماء وخالص الولاء لرئيس الجمهورية مع ما يمثله هذا الرئيس بتحالفاته السياسية المعروفة وبمواقفه الصلبة والمتشددة تجاه ضمان الحقوق اللبنانية. ربما هي معادلة الرئيس القوي بنسختها الخارجية التي أنتجت السفير القوي أيضاً!
في المرات السابقة، كان يتم الاتفاق بين ممثلي السلطة في لبنان على اسم السفير الذي من المفترض أنه يمثل ويرعى المصالح العليا للدولة اللبنانية، نظراً لحساسية الموقع ولأهميته البالغة في عاصمة القرار والتحكم في العالم. وغالباً ما كان يأتي الخيار «التسووي» بنتائج عكسية على المصالح اللبنانية في العاصمة الأميركية بسبب ضياع الهوية السياسية –بتعريفها الوطني– في أتون الخلافات بين أهل السلطة والتسلط، فيتحول أهم موقع في سلك السفراء إلى موقع لا طعم له ولا رائحة، ويفقد دوره وفعاليته وتتحول السفارة معه حصراً إلى دائرة نفوس لتجديد جوازات السفر وللتصديق على معاملات اللبنانيين.
لكن هذه السُنَّة يبدو أنها تغيّرت مع سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى الذي أوجد دينامية مميزة وأحدث حيوية استثنائية منذ توليه منصبه الجديد الذي قضت الأعراف الدبلوماسية تخليه عن جنسيته الأميركية من أجل تمثيل لبنان. وكما كان لمعادلة الرئيس القوي وقعها الداخلي على الساحة اللبنانية، فقد كان للسفير القوي وقعه وتأثيره في الأوساط الأميركية، حيث ينطلق عيسى من فهم عميق للثقافة الأميركية وللعقل السياسي الأميركي كونه عاش لفترة طويلة في الولايات المتحدة وعمل في مجال العلاقات العامة والترجمة مع ما توفره هذه المهنة من شبكة علاقات واسعة، استطاع عيسى الاستفادة منها وتسخيرها لخدمة المشروع «العوني» إباّن المنفى الفرنسي لـ«الجنرال» في فترة التسعينيات من القرن الماضي وحتى تاريخ عودته في ٧ أيار من عام ٢٠٠٥، والتي بدأت معها مرحلة جديدة من حياته السياسية حيث فاجأ الجميع بإحداث نقلة نوعية في الممارسة السياسية انعكست إيجاباً على الوضع الداخلي ولكنها كان لها آثاراً سلبية على «الأذرع» الخارجية للتيار البرتقالي، وفي مقدمتها «رجُل الجنرال» في أميركا غابي عيسى، عندما عوقب التيار الوطني في الخارج وتم التضييق على مناصريه وشُنّت الحملات السياسية عليه من قبل بعض اللبنانيين في أروقة الإدارة الأميركية على خلفية خياراته السياسية الجديدة وتحالفاته الوطنية.
لم يكن في بال عيسى أنه سيصبح يوماً سفيراً لوطنه الأم في بلاده الأميركية، وجلّ ما كان يطمح له هو أن يقدم الدعم والمساعدة والمساندة لفريقه السياسي. أما وقد صار سفيراً فقد أثبت في فترة قياسية مستوى عالياً من الكفاءة والحنكة والدراية وهو الذي لم يتمرس بالسلك الدبلوماسي ولم يخضع لسلّم ضوابطه ولا لتراتبية ولاءاته المتعبة.
وعندما وجد أن هناك محاولة من بعض اللبنانيين للتأثير سلباً في دوائر القرار الأميركي من خلال الدعوات الوقحة لوقف تسليح الجيش اللبناني بزعم خضوعه لنفوذ «حزب الله»، خلع عيسى قفازاته الدبلوماسية وانبرى مدافعاً بشراسة عن الجيش اللبناني كاشفاً ومهاجماً أصحاب الدعوات من المسؤولين والمنتمين إلى أحزاب لبنانية في الولايات المتحدة.
لم يعبأ بكل ما قيل، بل أثار الموضوع وسمى الأشياء بأسمائها، متوجهاً «لمن يحرض واشنطن ضد الجيش اللبناني: لا حظوظ لكم بوجودنا .. ارحموا حالكم واستتروا».
وفتح صفحته على موقع «فيسبوك» للنقاش والتعليق في سابقة لم تعهدها الدبلوماسية اللبنانية من قبل، لكنها أتت أكُلها وأثمرت نتائجها، فلُجِمت تلك الأصوات وانكفأت عن مسرح التصريحات ووُضِعت أحزابها أمام الوقائع والمسؤوليات ثم واصل عيسى جهوده وتحضيراته لاستقبال قائد الجيش العماد جوزيف عون –في 25 الشهر الجاري– في مبنى السفارة اللبنانية بواشنطن، في إطار زيارة يقوم بها للولايات المتحدة لرفع مستوى الدعم العسكري للجيش اللبناني.
Leave a Reply