الصراع السعودي–الإيراني على النفوذ والسيطرة في المنطقة، ليس بالأمر المستتر، وهو يعود إلى نحو أربعة عقود، مع انتصار «الثورة الإسلامية في إيران» بقيادة الإمام الخميني في العام 1979، وخوف دول الخليج من تصدير الثورة إليها وتحريك الشيعة فيها، فكانت الحرب العراقية–الإيرانية التي اندلعت في العام 1980، وبعد عام من وصول آيات الله إلى الحكم في إيران التي خسرت الحرب وربح النظام العراقي بقيادة صدام حسين، الذي رأى الفرصة مناسبة ليفرض شروطاً على حكام الخليج الذين لم يتجاوبوا معه، فغزا الكويت، ليخرجه منها الأميركيون في العام 1991، ويعود فيخلعونه في نيسان 2003، بعد غزو العراق.
النفوذ في لبنان
ويدخل لبنان من ضمن الدول التي يتصارع عليه كل من السعودية وإيران، التي أنشأت «حزب الله» على يد «الحرس الثوري الإيراني» في العام 1981، ولعب دوراً مقاوماً في أثناء الاحتلال الإسرائيلي عام 1982، حيث برزت «المقاومة الإسلامية»، وهي الذراع العسكرية لـ «حزب الله»، ويعتبره المعادون له، بأنه ذراع إيران في لبنان، وتحوّل إلى قوة إقليمية تشارك في حروب المنطقة من سوريا إلى العراق واليمن وتدعم حركات المقاومة في فلسطين ضمن «محور المقاومة والممانعة»، إذ بات «حزب الله» الرقم الصعب في لبنان، بعد طرد الإحتلال الصهيوني منه عام 2000، وإفشال حربه الثانية عليه في العام 2006، وإلحاق الهزيمة بالجيش الذي لا يُقهر، ويصنف كقوة عسكرية رابعة في العالم ثم في معركته ضد الارهاب في سوريا وتحريرالسلسلة الشرقية لجبال لبنان من الجماعات الارهابية.
وفي مواجهة النفوذ الإيراني وتمدده في لبنان والمنطقة، سعت السعودية إلى أن تثبت وجودها السياسي في لبنان هي الأخرى، فأسهمت في إنجاز إتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وأرسى السلم الأهلي وأعاد توحيد مؤسسات الدولة، وأزال الحدود التي رُسمت بين المناطق لإنشاء كانتونات طائفية.
الرعاية السورية–السعودية
ومع إنجاز إتفاق الطائف، أعطي للنظام السوري، وبقرار أميركي وتأييد سعودي، أن يرعى تطبيق بنوده لجهة إنهاء حالة الحرب، وإزالة التمرد الذي قاده العماد ميشال عون من موقعه كقائد للجيش ورئيس للحكومة العسكرية ضد الإتفاق، لأنه كان موعوداً أن يكون رئيساً للجمهورية، إلا أن الظروف الدولية والإقليمية لم تكن في صالحه، وتأخر وصوله إلى القصر الجمهوري نحو 30 عاماً، وقد شكّل التوافق السوري–السعودي، إلى أن يكون رفيق الحريري رئيساً للحكومة، والذي لعب دوراً في الوصول إلى إتفاق الطائف من خلال موقعه ودوره كموفد ملكي من السعودية، وباتت مشاركته في السلطة كممثل للمملكة، ولإقامة توازن مع الوجود السوري الذي إنفرد بالقرار من خلال نظام أمني أقامه مع قيادات رسمية وسياسية وحزبية لبنانية، وتراجع النفوذ السعودي إلى الوراء، وتقدم دور إيران التي أصبحت حليفاً لسوريا، من خلال «حزب الله» الذي دخل إلى مجلس النواب، وأدخل المقاومة في صلب معادلة الدولة عبر مقولة «الجيش والشعب والمقاومة».
الانقلاب السعودي–الأميركي
وبعد 15 سنة من التوكيل الأميركي–السعودي لسوريا في لبنان، والتي أخلّت به القيادة السورية، لصالح تحالفها مع «الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، قرّرت كل من واشنطن والرياض إخراج سوريا من لبنان، فإتفق الرئيسان الأميركي جورج بوش الإبن والفرنسي جاك شيراك الذي كان صديقاً للحريري، على إصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي، يطالب القوات السورية بالانسحاب، ونزع سلاح «حزب الله»، وقد أصبح الجيش الأميركي على الحدود السورية بعد غزوه للعراق، فكان اغتيال الحريري الذي عجّل بتنفيذ القرار 1559، وانسحب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005، وبات لبنان تحت سيطرة قرار أميركي–سعودي، تمكّنت قوى 8 آذار من إسقاطه بعد ثلاث سنوات، إثر عملية عسكرية حصلت في 7 أيار 2008 دفاعاً عن المقاومة وشبكة إتصالاتها السلكية، حيث جرى التصدي للإنقلاب الأميركي–السعودي الذي حصل في 2005، والذي لم يحقق هدفه بالسيطرة على لبنان، ونزع سلاح المقاومة، وإبعاده عن محور المقاومة والعلاقة المميزة مع سوريا.
تقدم محور المقاومة
ومع تراجع النفوذ الأميركي–السعودي، تقدم محور المقاومة، في أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت والتي تشتعل ثلاثة منها بحروب مدعومة من الرياض وواشنطن كما تتحرك جماعات إرهابية داخلها.
لا يخفي مسؤولون إيرانيون عن أن نفوذهم أصبح قوياً في أكثر من عاصمة عربية، لها حلفاء فيها، وهذا ما أعلن عنه مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خمانئي ومستشاره علي أكبر ولايتي، وهذا ما تسبّب بـ«وجع رأس للحريري» مع القيادة السعودية، التي كانت تسأله عن الآلية التي تحد من النفوذ الإيراني، بعد أن وصل ميشال عون لرئاسة الجمهورية كمرشح «حزب الله» الذي يشارك في كل الحكومات منذ عام 2005، ويعتبر وجوده فيها هي حماية له، منذ أن خرجت القوات السورية من لبنان، وقد أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله صراحة، أن المشاركة في السلطة سواء في مجلس النواب أو الحكومة لتأمين الحماية الرسمية والسياسية للمقاومة، وهو ما دفع بقادة العدو إلى التأكيد بأن لا تمييز بين الجيش والمقاومة، وأن أي حرب إسرائيلية في المستقبل ستستهدف فيها الدولة اللبنانية بكل مرافقها ومرافئها ومؤسساتها، وفي مقدمها الجيش اللبناني.
سليماني والأكثرية النيابية
ولقد عبّر نائب قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني، عن الصراع السعودي–الإيراني في لبنان، فأشار إلى أن الإنتخابات النيابية الأخيرة، أعطت «حزب الله» مع حلفائه 74 نائباً، وحصل على الأكثرية النيابية التي هي 65 نائباً، أو نصف عدد أعضاء مجلس النواب زائداً واحداً، وهو ما يعني أن الحكومة في لبنان ستكون حكومة مقاومة، وهذا ما يؤشّر إلى أن تشكيل الحكومة قد يتعثّر مع تصريح سليماني، الذي يتابع الوضع في العراق أيضاً، ويحاول أن يحشد كل حلفاء إيران في جبهة تكون فيها الأكثرية النيابية لها، لتشكل الحكومة، بعد أن حصد تحالف «سائرون» بقيادة مقتدى الصدر 57 نائباً بما يؤهله مع تحالفات أخرى تشكيل الحكومة، وهو ما تنبّهت له طهران، بأن خسارة ما ستلحقها في بغداد، مع تقدم الشيعة أصدقاء السعودية وفي مقدمهم الصدر، الذي يخوض معركة ضد النفوذ الإيراني في العراق، والذي تنامى بعد سقوط النظام البعثي، إذ يحاول سليماني أن يرمم الوضع في العراق، بجمع حلفاء بلاده، وأن ثمة ربط بين بيروت وبغداد، إذ ردّ الرئيس سعد الحريري على قائد «فيلق القدس» بأنه ربح الأكثرية النيابية في لبنان، وكأنه يثأر لخسارته الإنتخابات في العراق، حيث يشبه الوضع الحالي ما حصل في مطلع عام 2011، عندما فاز إياد علاوي بأكثرية نيابية تؤهله ترؤس الحكومة، وهو الموالي للسعودية، فكان الرد عليه لبنانياً، بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، باستقالة وزراء «8 آذار» منها، ومجيء حكومة برئاسة نجيب ميقاتي، مع تبديل وليد جنبلاط موقفه وقلب المعادلة الداخلية، لكن الإدارة الأميركية آنذاك فضّلت عودة نوري المالكي لترؤس الحكومة في العراق، المدعوم من إيران وخسرت السعودية ترؤس علاوي للحكومة.
تشكيل الحكومة
فهل يكون لموقف سليماني تأثيراً سلبياً على تشكيل الحكومة، التي اعتبر أنها ستكون حكومة مقاومة؟ لن تقبل السعودية بذلك وهي تعلن أنها لا تتدخل في الشأن اللبناني، ولكن الوقائع لا تشير إلى ذلك، إذ سبق لها واستدعت الحريري إلى الرياض، وطلبت منه الإستقالة، واحتجزته لأنه لم ينفذ وعده بتحجيم دور «حزب الله» الذي يقاتل على حدود السعودية، ويساعد الحوثيين، في اليمن، غير أن الضغوط الدولية وتحديداً الفرنسية أنقذت الحريري، كما لبنان من فتنة داخلية.
فموقف سليماني، هو تعبير عن إنجازات محور المقاومة، أما بالنسبة للحريري ومعه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، وقوى سياسية، ومنها «حزب الله»، هو فك ارتباط لبنان بأزمات المنطقة، والخروج بحكومة وحدة وطنية، تشبه الحالية، لحماية لبنان من الحرائق الخارجية وقد حصل الحريري على 111 صوتاً من النواب الذين سموه لرئاسة الحكومة مما يدحض ما أعلنه سليماني التي جاءت الردود عليه من حزب الله وحلفائه والتي، لا توافقه على مواقفه.
Leave a Reply