انتهت الانتخابات النيابية في لبنان، واستقالت الحكومة دستورياً، ليكلّف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومته الثالثة، بعد الأولى التي شكّلها عام 2009، والثانية بعد انتخاب رئيس الجمهورية 2016، بينما حكومة العهد الأولى، كما أعلن الرئيس العماد ميشال عون، فستكون بعد الانتخابات النيابية التي جرت في 6 أيار (مايو) الماضي، وعكست نتائجها صحة التمثيل وفق قانون انتخاب اعتمد النظام النسبي للمرة الأولى مع الصوت التفضيلي.
حكومة العهد الأولى
ويعتبر رئيس الجمهورية، أن دستور لبنان، قائم على نظام برلماني، وليس رئاسياً، وأن السلطة التنفيذية باتت بعد الطائف والدستور الجديد، منوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً، وأن رئيس الحكومة يسمى باستشارات نيابية ملزمة، تقيّد رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة الذي كان هو مَن يسميه قبل دستور الطائف، والمسؤولية تقع على الحكومة في عملها، وليس على رئيس الجمهورية الذي وضعه الدستور في موقع الحَكَم وليس الطرف، وأعطاه حق حضور جلسات مجلس الوزراء ليترأسها عندما يحضر دون أن يصوّت، حفاظاً على موقع رئاسة الجمهورية الذي لا تبعات عليه دستورياً عن أعمال الحكومة، التي له رأي في الصيغة التي يقدمها له الرئيس المكلف بتشكيلها فيوافق عليها، أو يرفضها، أو يجري تعديلات عليها بالتشاور معه، وهو ينطلق من حقه الدستوري في توقيع مرسوم تشكيل الحكومة، ليكون له رأي فيها، لجهة أن تعكس صورة العهد الذي لديه خطاب قسم يلقيه بعد انتخابه، ويرسم فيه معالم وتوجهات ورؤى عهده، دون أن يكون ملزماً للحكومة التي قد تستوحي من الخطاب لمضمون بيانها الوزاري، وهذا ما فعلته الحكومة الحالية، حيث يسعى الرئيس عون إلى تشكيل حكومة عهده لتعكس نتائج الانتخابات النيابية، وتتبنّى توجيهاته.
شكل الحكومة
وفي خضم العمل على تشكيل الحكومة، ظهرت المطالب للكتل النيابية، ومعها العقد الوزارية لجهة الأحجام والحقائب، وهي تبرز مع كل حكومة قبل الطائف وبعده، إنما مع عهد الرئيس عون، فإنه يريدها حكومة وحدة وطنية، وهو متفق مع الرئيس الحريري على ذلك، ولا يعارضها الرئيس نبيه برّي، وتلقى تأييداً من مختلف القوى السياسية، وقدم الرئيس المكلّف صيغة لرئيس الجمهورية، حدّد فيها الأحجام التي لا تختلف كثيراً عن الحكومة المستقيلة، وهي إمتداد لها في بعض الأسماء والحقائب، وهو ما لم يوافق عليها الرئيس عون الذي يريد حكومة فيها وزراء يعملون بإنسجام، وإذا أضطر الأمر، أن لا تضم كل الكتل النيابية إذا قررت أن تعارض من داخل الحكومة، مما يشل عملها، وهذا ما جرى في حكومات سابقة.
جنبلاط المعارض
ولقد شكّلت تغريدة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، عن العهد الفاشل مفاجأة، وفتحت باب حرب كلامية بين «التيار الوطني الحر» ومعه نواب في «تكتل لبنان القوي» الذي يدعم عهد عون، ونواب «اللقاء الديمقراطي» ومسؤولين في حزب جنبلاط من جهة ثانية، مما وتّر الأجواء السياسية، وشحن محازبي وأنصار الفريقين، وكاد التشنج أن ينتقل إلى الشارع لاسيما في الجبل، الذي أعادت تصريحات «برتقالية»، التذكير بما جرى في أثناء «حرب الجبل»، مما يضر بالمصالحة التي حصلت فيه قبل نحو أكثر من 15 سنة برعاية البطريرك الماروني نصرالله صفير، حيث بدأ جنبلاط يقلق من وجود «التيار الوطني الحر» في الجبل، وفوزه بثلاثة مقاعد نيابية مسيحية بالتحالف مع النائب طلال إرسلان، الذي يسعى بتحالفه مع «التيار الوطني الحر»، إلى أن يعيد تعويم نفسه والاستفادة من وجوده كوزير في تعزيز موقعه السياسي والشعبي الذي أظهرت نتائج الانتخابات النيابية تراجعه، وهو ما أقلق جنبلاط، من خلال إحراجه بتوزير إرسلان، الذي يصرّ عليه رئيس الجمهورية، ومن ثم إخراجه من الحكومة، فقرّر الهجوم عليه واتهامه بالفشل، كي يمنع استهدافه السياسي، الذي يطال زعامته الجنبلاطية التي أورثها لنجله تيمور، ولا يريد له أن يدخل ضعيفاً على النيابة والسياسة والزعامة.
إنجازات العهد
ومع إعلان جنبلاط أن العهد فاشل، حتى قامت جبهة تدافع عن رئيس الجمهورية الذي تعتبره الرئيس القوي بما يمثل داخل طائفته المسيحية، وعلى إمتداد لبنان بالتفاهمات التي نسجها تياره السياسي مع «تيار المستقبل»، و«القوات اللبنانية» وقبلهما «حزب الله»، واتفق الثلاثة على انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
وقد أظهر المدافعون عن العهد، الإنجازات التي تحققت، والتي تبدأ بقانون انتخاب جديد اعتمد النسبية وإجراء الانتخابات النيابية على أساسه بعد تمديد لولاية كاملة لمجلس النواب، وإقرار الموازنة بعد 12 عاماً من توقفها، ومعها سلسلة الرتب والرواتب التي أنصفت الموظفين في القطاع العام، إلى تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقية من الجماعات الإرهابية في عملية «فجر الجرود» التي قام بها الجيش اللبناني بمساندة «حزب الله»، إضافة إلى ما جرى من تعيينات في مؤسسات الدولة، ومواجهة العقوبات على «حزب الله»، وإصدار نحو ألفي مرسوم في الحكومة التي كان تعثرها ناتج عن خلافات سياسية، كانت تدور حول وجهات نظر تتعلق بإدارة شؤون الدولة، في وقت كان خصوم العهد يتهمونه أنه لم يحرر الدولة من المحاصصة والمحسوبية، وهي علّة حصول إصلاح إداري أو سياسي، إذ ثمة إتهامات حول صفقات البواخر لتوليد الكهرباء، يتقاسمها نافذون في «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، رغم نفي وزير الطاقة سيزار أبي خليل، لكن إدارة المناقصات كانت تقف ضد الصفقات.
دور باسيل
فالهجوم الجنبلاطي على العهد، تعود أسبابه إلى أن الوزير جبران باسيل يلعب دور «رئيس جمهورية ظل»، ويتّهمه خصومه بأنه هو مَن يسيّر شؤون الدولة، وقد اختاره الرئيس عون لوراثته كرئيس «للتيار الوطني الحر»، دون انتخابات حزبية داخلية، وفرضه على المحازبين مما أدّى إلى خروج مئات من التيار وهم مناضلون فيه منذ عقود، وهو يترك له حرية التصرف في إدارة الدولة، مستقوياً بمقولة الرئيس القوي على الآخرين، وقد تسببت تصرفاته اللامسؤولة إلى إحداث أزمات مع الرئيس نبيه برّي عندما وصفه بـ«البلطجي»، والى إعادة توتير الأجواء، مع «القوات اللبنانية» ومحاولته تقويض مصالحة الجبل، وعدم تناغمه مع «حزب الله» في بعض الملفات لاسيما في الانتخابات النيابية، حيث بات معروفاً أو مشهوراً بأنه أكثر شخصية لها خصوم في لبنان، والذين يتهمونه بأنه استفزازي وفوقي وخطابه ناري تحريضي يحمل لغة طائفية، تحت شعار «حقوق المسيحيين».
رسالة خارجية
وتوقف المراقبون أمام موقف جنبلاط المفاجئ الذي يهاجم فيه رئيس الجمهورية ويتّهمه بالفشل، حيث حمل في تغريدته دفاعاً عن النازحين السوريين الذين يعمل الرئيس عون من خلال الوزير باسيل على «تسليمهم إلى الجلاد»، وفق قول جنبلاط، حيث اعتبر رئيس الجمهورية أن هذه التغريدة موحى بها من الخارج، وهي تلتقي مع قرار دولي وأممي بعدم عودة النازحين من لبنان، وتتفق مع توجهات دول عربية، لاسيما السعودية التي تريد بقاء النازحين في لبنان كورقة ضغط ديمغرافية وأمنية في وجه «حزب الله»، وجاء موقف جنبلاط بعد زيارته إلى المملكة والتي إنقطع عنها نحو ثلاث سنوات، وكأنه فتح معركة العهد في سنته الثانية، ومع تشكيل حكومته لإضعافه وربما إسقاطه، لأنه يغطي سياسياً ودستورياً وشعبياً «حزب الله» الذي يحاول رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» تحييده في الصراع الداخلي، لكنه يتّجه نحو محاصرة العهد ليمنع عليه التقدم نحو ملفين يقول رئيس الجمهورية إنه لن يتراجع عنهما، وهما محاربة الفساد الذي ستطال مكافحته جنبلاط ورموزاً أخرى في السلطة، إضافة إلى موضوع النازحين السوريين الذي قرّر الرئيس عون أن يكون في أول اهتماماته، لأنه ملف ضاغط ومكلف، ولا يستطيع لبنان تحمل أعبائه الديمغرافية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويبدو أن فريقاً في لبنان لا يريد له الحل وفق أجندات خارجية، لأخذ ثمن يبدأ بدمج النازحين في المجتمع اللبناني مقابل مساعدات وقروض تمّ التعبير عنها في أكثر من مؤتمر دولي عُقد في هذا الشأن، وكان الطلب من لبنان الإقامة الدائمة والعودة الطوعية للنازحين السوريين.
فهل هجوم جنبلاط على «العهد الفاشل»، هو دعوة مبكرة لمحاصرته بناء على قرار خارجي، هذا ما سيظهر؟
Leave a Reply