ديترويت – «صدى الوطن»
أقامت الجالية العراقية في منطقة ديترويت وقفة احتجاجية بالقرب من «قاعة الفيحاء» بمدينة ديترويت، يوم الأحد الماضي، تعبيراً عن تضامنها مع المتظاهرين في وطنهم الأم ضد الفساد وتردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات العامة.
عشرات المتظاهرين رفعوا الأعلام العراقية والأميركية، مطالبين حكومة بغداد بالاستجابة السريعة لمطالب المحتجين المشروعة والمتمثلة في توفير الخدمات الأساسية وفرص العمل، ووضع حد لممارسات الفساد التي نخرت بلاد الرافدين و«أعادتها إلى دائرة البطالة والتخلف والفاقة» بحسب أحد المتظاهرين.
وحذر المتحدثون خلال الوقفة الاحتجاجية من أن مصير الأحزاب السياسية الحاكمة في العراق، سيكون كمصير النظام السابق، إن لم تتدارك الأخطاء وتسعَ إلى تنفيذ برنامج إصلاحي شامل.
كما انتقد المتظاهرون طريقة تعاطي القوات الأمنية والعسكرية مع المتظاهرين السلميين التي أسفرت عن قتل عدد من المتظاهرين وإصابة آخرين، منددين بـ«الطريقة الهزلية» التي تتبعها الحكومة في الرد على مطالب المتظاهرين والتي تفتقد للخطط الاستراتيجية في مختلف قطاعات التعليم والتربية والصحة والخدمات العامة، شاجبين الفشل الذريع للحكومات المتعاقبة في إعادة إعمار العراق بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على سقوط النظام السابق، إذ لم يشهد العراق أية جهود حقيقية للإعمار والتنمية، رغم الثروة الهائلة التي يمتلكها، وفقاً لبعض المتحدثين خلال التظاهرة.
وعزا أحد المتظاهرين مشاهد الغضب والاحتجاج التي تجتاح معظم أرجاء العراق ولاسيما في الجنوب، إلى كونها نتاج «نظام سياسي فاشل اعتمد المحاصصة وتبنى مصالح حزبية وفئوية ضيقة ولم يتبن مشروعاً وطنياً شاملاً يتطلع إلى إنقاذ البلاد من آثار الحروب والحصار والحكم الديكتاتوري».
وللأسبوع الثاني على التوالي، شهدت مدن جنوب العراق احتجاجات متواصلة تخللتها اشتباكات بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين استهدفوا مقرات حزبية وحاولوا اقتحام دوائر إدارية وحكومية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
ولم تقتصر الاحتجاجات التي بدأت شرارتها في البصرة يوم 8 تموز (يوليو) الجاري على العاصمة الاقتصادية للبلاد، بل امتدت إلى معظم المدن العراقية، مثل بغداد والعمارة والنجف وكربلاء والكوت والنجف والزبير وغيرها، حيث يطالب المتظاهرون بتوفير فرص عمل للشباب وتأمين الخدمات، خصوصاً المياه والكهرباء، كما يحملون حكومة رئيس الوزراء العبادي مسؤولية تفاقم الأوضاع وعجزها عن إيجاد حلول للمشاكل العالقة منذ قرابة عقدين من الزمن.
وفي 13 تموز الجاري، استجاب العبادي للتظاهرات بزيارة البصرة للوقوف على مطالب السكان، واعداً بحلول عاجلة للمشاكل العالقة، كان بينها رصد 3 مليارات دولار لتحسين الخدمات، وتوفير 10 آلاف فرصة عمل لأبناء المدينة التي يقدر عدد العاطلين عن العمل فيها بأكثر من 40 ألف شاب من خريجي الجامعات.
تضامن
الناشط العراقي عماد جاسم، وصف موقف الحكومة من المظاهرات بـ«المضحك والمخجل»، وقال: «لقد نالت حكومة العبادي تأييداً إقليمياً ودولياً ومع ذلك فقد فشلت خلال السنوات الأربع الماضية في إصلاح الأوضاع المتردية»، مؤكداً على أن الحكومة العراقية غير جادة في الاستجابة لمطالب العراقيين، لافتاً إلى أن «الحلول المرتجلة هي مجرد محاولات لامتصاص نقمة المتظاهرين وسخطهم».
وأضاف «لقد دعونا إلى الوقفة الاحتجاجية (في ديترويت) للتعبير عن التضامن مع أهلنا في العراق ودعم حقوقهم المشروعة»، مؤكداً على «واجب الجيش والقوى الأمنية العراقية بحماية المتظاهرين بدلاً من قمعهم».
وفيما يخص بعض أعمال الشغب وإحراق المقار الحزبية والحكومية، قال: «نحن ندعم التظاهرات السلمية.. قد تكون بعض الأطراف المنخرطة في التظاهر مدعومة من أطراف خارجية، ولكن المطالب الشعبية هي في العموم مطالب مشروعة ومحقة».
بدوره، رأى الزميل الإعلامي جعفر الموسوي أن الاحتجاجات التي تعم مختلف مدن العراق «مبررة.. وأنها خطوة في الاتجاه الصحيح»، مشيداً بجهود المحتجين التي أجبرت الحكومة على الالتفات إلى مطالبهم المعيشية وإطلاقها الوعود لتحسين الخدمات.
ولفت الموسوي في حديث مع «صدى الوطن»، بأن معظم الأميركيين العراقيين لم يكونوا يتوقعون ما حدث، مشيراً إلى أن البعض منهم «سافر إلى مدينة النجف ولم يتمكن من العودة، لأن المحتجين هاجموا المطار، ما أوقف حركة الطيران».
طفح الكيل
من جانبه، أعرب محمد باقر محي الدين عن مخاوفه من أن تقود المظاهرات إلى «الفوضى.. مما يسهل على بعض الدول مثل إسرائيل والسعودية الإيغال بتدهور الأوضاع».
محي الدين الذي يعمل كمتدرب سياسي في السفارة العراقية لدى واشنطن، أكد أن معظم أبناء الجالية العراقية في الولايات المتحدة يتعاطفون مع مطالب المتظاهرين السلميين، لافتاً إلى ضرورة أن تستجيب الحكومة العراقية لمطالبهم، وقال: «نحن نتطلع إلى التغيير والإصلاح في واحدة من أكثر الحكومات فساداً»، مضيفاً «بعد 15 عاماً (على سقوط النظام السابق) ماتزال مليارات الدولارات مفقودة.. الناس لم تعد تحتمل».
وأشار إلى أن الانقطاع المتواصل لشبكات الهاتف والانترنت والكهرباء يزيد من معاناة الناس في الصيف القائظ حيث تكاد تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية، وقال «إنني على تواصل دائم مع أصدقائي وأقاربي في البصرة والنجف ولكن الانقطاع في خدمات الاتصالات غالباً ما يعيقنا»، مستهجناً عجز «واحدة من أغنى الدول النفطية» عن إصلاح شبكة الكهرباء التي تقتصر حالياً على ساعتين يومياً»، وقال بالنسبة لدولة غنية بالنفط، يجب أن تكون الحكومة قادرة على إصلاح شبكة الكهرباء، هذا أقل واجب».
وقال الشيخ هشام الحسيني: «إن معظم العراقيين في الوطن الأم –وكذلك العراقيين الأميركيين– متفقون على أن الهيكلية الحكومية يجب أن تتغير وأن تصبح أكثر ديمقراطية وشفافية، مع مزيد من الاستقرار الاقتصادي»، مستدركاً «لكن هناك انقسام حول طريقة هذا التغيير».
إمام «مركز كربلاء الإسلامي»، عزا الاحتجاجات إلى وجود «الكثير من البيروقراطية وإساءة استخدام السلطة وإدارة ثروات البلاد، وكذلك الممارسات القمعية» مشيراً إلى وجود احتقان وغضب شعبي «خاصة في مجتمعات العراق الجنوبية التي أهملت إلى حد كبير من قبل الحكومات القديمة والحديثة».
ولفت الحسيني إلى أن بعض العراقيين قلقون من أن توفر المظاهرات بيئة مضطربة «تستغلها السعودية التي تقوم بتمويل تنظيم داعش ودعمه ليعود إلى العراق بشكل آخر»، مشيراً إلى أن إسرائيل يمكن أن تستفيد أيضاً من انحلال عرى العلاقات العربية عبر انتزاع الجولان السوري.
ونفى الحسيني وجود أي دور للنفوذ الإيراني في تأجيج الساحة العراقية، معتبراً أن اتهامات كهذه تأتي من «بعض العراقيين في منطقة مترو ديترويت الذين ما زالوا يتوقون إلى وجود نظام كذلك الذي كان يقوده صدام حسين».
Leave a Reply