كانت لحفلات الأعراس نكهة خاصة لا يمكن نسيانها، تلك التي كانت تُقام أيام الجيل الذي عشناه ووعينا تفاصيل حياته البسيطة، حيث تتداخل معها العفوية والانهماك المنبعث من طغيان الفرح الجماعي، كما كانت تدار من قبل أهل العروسين يعاضدهما أهل الضيعة أو الحي، فترى الجميع في حالة استنفار محبّب أليف وتطوّع وجدانيّ عميق، حتّى لتصبح حفلة العرس هالة تنثر أضواءها فوق الجميع فتبقى راسخة في الذاكرة الجمعية.
لم تكن تتطلب العروس سوى بضعة ثياب زهيدة الثمن، أما بدلة العرس فكانت تدور على عرائس البلدة بآلية روتينية، يرتدينها متزيّنات بها تحفهن البهجة وهن متألقات بها دون تأفّف أو حرج، بل شاكرات لصاحبتها التي وفرت عليهن وعلى أزواجهن مصاريف تُثقل الكاهل دون طائل أو جدوى.
أمّا وليمة العرس فكانت تُعدّ من قبل النسوة اللواتي كنّ تتكاتفن بتحضيرها وهنّ في غاية البهجة والسرور، على عكس ما نراه اليوم، حيث تبدأ معاناة الشاب العريس منذ لحظة التفكير بالزواج. إذ أن متطلبات أعراس اليوم تستدعي المزيد من الأحمال والتكاليف، فيما تتفنن العروس بانتقاء أنواع الورود التي ستزين حفل الزفاف، وإذا لم تعجب صديقاتها أو خالاتها أو عماتها فيتوجب تغييرها حتى ولو عند آخر لحظة دون اكتراث لثمنها، ذلك لأن العريس هو الضحية (خليه يدفع).
أما فريق الصبايا والشبان المرافقين للعروسين فيجب أن يكون لباسهم موحدا وعلى حساب (الخاروف) العريس المسكين الذي بلا حول ولا قوة، إرضاء لصاحبة الجلالة (العروس).
وإذا تداعت قائمة الطعام فإن أم العروس غالباً هي التي تتحكم بتحديدها، «لترفع رأسها أمام الناس» بكرم حاتمي يليق بابنتها صاحبة الصون والعفاف.
وإزاء كل ذلك نجد أن العريس يتخبط لاهثاً وراء «الكردت كارد».
أما الفرقة الموسيقية فيجب أن يصاحبها مطرب معروف يجيد الفقش والنقش والنطنطة على المسرح بشرط أن يتقن أيضاً أداء جميع الأغاني الهابطة.
سقى الله أيام زمان الجميلة العفوية الخالية من التصنع والبذخ المبالغ فيه.
كان يُحيي العرس رجل واحد بربابة أو مجوز، وأحياناً تصاحبه صبية تتقن الضرب على الطبلة، كما أذكر. كان الجميع يرقصون ببهجة منقطعة النظير ويقيمون حلقات الدبكة الشعبية التي يجيدها أهل القرى ويتفننون في أدائها.
ربما كان ذلك نوعاً من الذكاء الفطري الذي اكتسبوه من الأرض الطيبة المعطاء فعاشوا حياة طبيعية نفتقدها اليوم أشد الافتقاد في عصر التقدم والتكنولوجيا والاستهلاك… أما الفاتورة فعلى حساب العريس الذي يدخل دوامة ديون سرعان ما تهدد استمرارية عائلته الصغيرة.
إن تخفيف تكاليف الزواج تتيح للعريس فرصة بداية حياة زوجية وعائلية أكثر متانة وتدبراً. فلا شك أن أقل عرس في قاعات ديربورن يفوق ثمن دفعة أولى لشراء منزل جديد، وقد قيل في الأمثال: «الذي يتزوج بالدَّين يأتي أولاده بالفائدة»، فرفقاً بالعريس الذي إن كانت حفلة عرسه بالتقسيط فإن الصداع المزمن يأتيه بالنقدي.
Leave a Reply