شكّلت المجزرة التي ارتكبها فصيل خالد بن الوليد التابع لتنظيم «داعش» الإرهبي بحق أبناء طائفة الموحدين الدروز في محافظة السويداء، من عاصمتها السويداء إلى ريفها الشرقي والشمالي الشرقي، واحدة من أقذع الأحداث الدموية في الحرب السورية منذ العام 2011.
تعددت الأسباب والدوافع وراء هذه المجزرة الرهيبة ومَن المستفيد منها. كالعادة اتّهم المعارضون النظام بالمسؤولية وراء تسهيل دخول «الداعشيين» إلى السويداء من البادية، فيما النظام ومؤيدوه يوجهون الاتهام إلى الأميركيين حيث انطلق الإرهابيون من قرب قاعدة «التنف» لتنفيذ جريمتهم، وبالتنسيق مع العدو الإسرائيلي الذي يخشى تحرير جنوب سوريا ونشوء مقاومة في المنطقة الحدودية مع الجولان المحتل.
لماذا استهداف السويداء
استهداف السويداء التي يشكل الدروز الأغلبية الساحقة من سكانها ويعدون حوالي 600 ألف مواطن، يأتي بعد سنوات من تأييدهم الصريح للدولة السورية ورفضهم الالتحاق بما سمي «ثورة سورية»، بل انخرط أبناء محافظة السويداء إلى جانب الجيش السوري في قتال الإرهابيين بعدما تبين أن «الثورة ليست سلمية»، ولا تطالب بالإصلاح والحرية، بالرغم من دعوات صادقة للإصلاح من البعض الذي سرعان ما تراجع عن دعم «الثورة» بعد أن انكشفت لهم خيوط المؤامرة على سوريا، بإسقاط النظام وتمكين «الإخوان المسلمين» –كما في مصر– من الاستيلاء على السلطة بدعم تركي–خليجي وتأييد أميركي من خلال الدور الذي لعبه السفير الأميركي السابق في سوريا، بالدعوة إلى التظاهرات.
في بداية الأزمة، وقفت السويداء على الحياد، رغم التحريض الذي كان يقوم به معارضو النظام لرفض الالتحاق بالجيش وتأمين وصول «الثوار» من درعا أو من ريف دمشق إليها، لكن مشايخ العقل الدروز، ساندوا الدولة السورية، ولم يستجيبوا لدعوة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى الانشقاق عن الجيش ورفض الخدمة الإلزامية فيه، وتجاوب معه قلة من المعارضين للنظام، أبرزهم الضابط خلدون زين الدين، وعناصر من «حزب العمل الشيوعي» ومن بعثيين منشقين، إضافة إلى مشايخ دروز أسموا أنفسهم «شيوخ الكرامة»، وقتل أحدهم الشيخ وحيد البلعوس في آب من العام 2015 بتفجير سيارة، وكان الهدف هو تحريض أهالي محافظة السويداء على طرد مؤسسات الدولة من المنطقة لاسيما الأجهزة الأمنية وقوات الجيش، وقد أحبطت هذه المحاولات، بعد أن شهد أهالي المنطقة ما حلّ بمحافظات أخرى نتيجة خطوات عاطفية من هذا النوع.
وبالنسبة للكثيرين كان المخطط مكشوفاً: تدمير سوريا وتقسيمها وإخراجها من محور المقاومة وإبعاد روسيا عنها، رغم المعاهدات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تعود إلى بداية السبعينات من القرن الماضي (قاعدة عسكرية في طرطوس).
الدروز مع النظام
فشلت محاولة تأليب أهالي محافظة السويداء ضد النظام، واستبسل ضباط من الدروز في الجيش السوري، ومن أبرزهم العميد عصام زهرالدين الذي حوصر ثلاث سنوات مع ضباطه وجنوده في دير الزور، واستطاع بمؤازرة الجيش السوري فك الحصار وطرد الارهابيين، قبل أن يستشهد فيما بعد.
ولمع اسم زهرالدين، كضابط مقاتل وأعطى لأبناء طائفته موقعاً متقدماً في الدفاع عن النظام، لا مواجهته كما كان مأمولاً من قبل البعض بأن تسقط السويداء بيد الإرهابيين، بعد درعا والقنيطرة، تمهيداً لإسقاط العاصمة دمشق. لكن المخطط فشل بسبب احتضان الدروز في السويداء للجيش السوري، وإجهاض محاولات خلق صدام معه، إذ حصلت إشكالات عدة، عبر تحريض الشباب على رفض الخدمة الإلزامية، واشتراط الخدمة العسكرية في السويداء، وهو ما كان محل خلاف بين بعض أبناء السويداء والقيادة السورية التي كانت تعالج الوضع بالحكمة والتعقل والاتصالات مع العقلاء من مشايخ الدروز، لاسيما مشايخ العقل الثلاثة الذين أصدروا بيانات تأييد للدولة السورية، لأن خروجها من السويداء، سيستبيحها التكفيريون، ويلزمون أهاليها على ترك مذهبهم، كما حصل في جبل السماق بريف إدلب.
مجزرة «قلب لوزة»
سبق مجزرة السويداء وريفها الشرقي والشمالي الشرقي، حصول مجزرة مماثلة عام 2014 في عدد من بلدات وقرى ما يُعرف بجبل السماق الذي يقع في ريف إدلب وتسكنه عائلات درزية يصل عددها إلى حوالي 30 ألف نسمة يتوزعون على 18 بلدة وقرية، حيث قام تنظيم «جبهة النصرة» باحتلال جبل السماق وقتل العديد من الأهالي الذين لم يتمكنوا من الفرار، وفرض «الإسلام» على الدروز الذين يعتبرونهم من «المشركين»، ودعا قادة التنظيم الإرهابي إلى «أسلمة الدروز»، أي عودتهم إلى الإسلام الصحيح كما يدّعون، بعد أن خرجوا عليه مثل مذاهب أخرى، حيث انشق الدروز عن الطائفة الإسماعيلية، واعتبروا أنفسهم من أتباع «الفاطميين»، وقد جاؤوا إلى لبنان وسوريا وفلسطين والأردن مع القرن العاشر الميلادي.
تحريض إسرائيلي
العدو الإسرائيلي لم يكن بعيداً عما حصل من مجازر في محافظة السويداء، إذ يقلقه ما يجري في جنوب سوريا بتحريرها من الإرهابيين الذين تغطوا أيضاً بما سُمي «الخوذات البيض»، وهم من جنسيات مختلفة ادّعوا أنهم حضروا إلى سوريا لشأن إنساني، ليتبيّن أنهم عناصر من تنظيمات إرهابية، كما كشفت الوثائق، وتمّ تهريب المئات منهم عبر إسرائيل إلى الأردن لنقلهم إلى كندا وأوروبا، حيث طالبت هذه الدول بنقلهم إليها وتوطين السوريين منهم فيها.
ويوصول الجيش السوري إلى القنيطرة وريفها، وتحرير كامل محافظة درعا حتى معبر نصيب، فإن الكيان الصهيوني ينتابه قلق متزايد من التواجد الإيراني وعناصر من «حزب الله» بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة في الجولان، والمتواصلة مع جنوب لبنان لجهة شبعا ومزارعها. إذ تبيّن للعدو الإسرائيلي، أن مقاومة بدأت تنشأ منذ سنوات في جنوب سوريا، وقد حاولت منعها باغتيال جهاد مغنية نجل القائد العسكري السابق لـ«حزب الله» عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في شباط عام 2008. ولذلك، تعمل القيادة الإسرائيلية عبر روسيا إلى إخراج القوات الإيرانية و«حزب الله» من سوريا، تحت عنوان العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل انفجار الأزمة في سوريا عام 2011، بإعادة تمركز قوات الأمم المتحدة (الأندوف) في الجولان المحتل.
ومع عدم تمكن إسرائيل من فرض شروطها، فإنها رأت في الطائفة الدرزية فرصة لجرّها نحو التحالف معها وتغيير قواعد اللعبة المتغيرة في الجنوب السوري، عبر ارتكاب مجزرة مدوية بحق أبنائها، فيطلبون حماية إسرائيل ويتهمون النظام السوري بالتقاعس أو التآمر، كما فعل جنبلاط الذي طالب بتسليح دروز سوريا للدفاع عن «الأرض والعرض»، وهو ما رفضه مشايخ الطائفة بالإجماع، مؤكدين معارضتهم للحماية الإسرائيلية لاستخدام كـ«حزام أمني» كما فعلت في جنوب لبنان.
رفض «الدولة الدرزية»
والرفض الذي واجهته إسرائيل من دروز سوريا، في محافظة السويداء بطلب حمايتها، وبتحريض من بعض دروز فلسطين المحتلة، إنما يصب أيضاً في رفض «الدولة الدرزية» المزعومة التي تدعو إسرائيل لإنشائها «حمايةً للدروز» كدول جارة لـ«الدولة اليهودية»، وهو ما سعت إليه إسرائيل في لبنان مع «الدولة المسيحية» التي طالب بها زعماء لبنانيون تحالفوا مع إسرائيل، بينهم بشير الجميّل، لكن المشروع سقط، وكذلك الأمر مع الدولة الدرزية التي عُرضت على كمال جنبلاط إبان الحرب الأهلية اللبنانية ولم يقبل بها.
الانقسام الدرزي في لبنان
مجزرة السويداء، كان لها صداها في لبنان، في ظل الانقسام السياسي داخل الطائفة الدرزية، بين فريقين الأول يمثله جنبلاط الذي يظهر عداءه للنظام السوري، وقد أكّد في أكثر من مناسبة أنه سامح النظام على اغتيال والده كمال جنبلاط، لكنه لم ولن ينسى، وينتظر جثة عدوّه على ضفة النهر ويقصد بشار الأسد، لكن رهانه فشل، وهو ينتظر ماذا سيحل به بعد انتصار دمشق وحلفائها، وعلى رأسهم روسيا التي ابتعد عنها زعيم المختارة بعد أن كان حليفها تاريخياً، ليربحها خصومه من النائب طلال إرسلان إلى فيصل الداوود ووئام وهاب الذين وقفوا ضد جنبلاط باتهامه النظام السوري بالمجزرة، وأقاموا العزاء للشهداء، بينما يستعدون للمواجهة السياسية في ملف تشكيل الحكومة المتعثر.
Leave a Reply