رغم إعلان استعداده للقاء روحاني
واشنطن – سعيد عريقات
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم، بإعلانه الاثنين 30 تموز (يوليو) 2018 بأنه مستعد للقاء القادة الإيرانيين «من دون شروط مسبقة» و«في أي وقت يريدون»، وذلك بعد أسبوع من ارتفاع منسوب التوتر بين واشنطن وطهران في أعقاب تهديدات ترامب الواضحة لإيران، ورد إيران الذي لا يقل عنترية عن أسلوب ترامب.
وقال ترامب في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في البيت الأبيض «سألتقي الإيرانيين إذا أرادوا. لا أعلم ما إذا كانوا مستعدين لذلك.. لا شروط مسبقة. إذا أرادوا أن نلتقي سألتقيهم. في أي وقت يريدون».
بدورهم اعتبر مسؤولون إيرانيون، أن لا قيمة لعرض التفاوض الذي اقترحه الرئيس الأميركي ترامب، وقالوا إن قواتهم جاهزة عسكرياً ومعنوياً للتصدي لأي اعتداء أميركي على بلادهم. واعتبر رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، كمال خرازي في لقاء مع وكالة «فارس» الأخبارية، أن طهران لا ترى أية قيمة لعرض الرئيس الأميركي، لقاء نظيره الإيراني خاصة وأنه «استناداً إلى تجاربنا السيئة في المفاوضات مع أميركا، واستناداِ إلى انتهاك المسؤولين الأميركيين لالتزاماتهم وتعهداتهم، فمن الطبيعي ألا نرى أية قيمة لعرض ترامب».
من جهتها أوضحت وزارة الخارجية الأميركية أنه لم يتغير أي شيء في الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران التي حددها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأسبوع الماضي والتي ارتكزت على شروطه الـ 12 التي حددها تحت شعار «تغيير سلوك النظام» وليس تغيير النظام.
وفيما استبعد الخبراء أن تكون إدارة ترامب تتطلع (على الأقل في المدى المنظور) إلى غزو إيران واحتلالها، إلا أن لديها هدفاً واضحاً يتمثل في تغيير النظام. إذ يدعو بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون وشخصيات رئيسية أخرى في دائرة ترامب، بما في ذلك جمهوريون بارزون في الكونغرس، علانية إلى الإطاحة بـ«نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحاكمها الفعلي، علي خامنئي».
إلا أن هذه الدعوات تلقى مقاومة من المؤسسة العسكرية التي ترفض بدء حرب أخرى واسعة النطاق في الشرق الأوسط، والتي يدرك القادة العسكريون تكاليفها الحقيقية أفضل من نظرائهم في المؤسسات الأخرى، و«لذلك، أصبحت الإستراتيجية الأميركية تركز على جعل الشعب الإيراني يتولى مهمة إسقاط حكومته، نيابة عن الولايات المتحدة، حيث ترى الولايات المتحدة أن العقوبات والعزلة والحملات الدعائية المناهضة لطهران تمكِّن الشعب الإيراني من الإطاحة بالجمهورية الإسلامية» بحسب قول مايكل شير وريك غلادستون في صحيفة «نيويورك تايمز».
ويقول الكاتب «لكن الحقيقة هي أنه من الصعب مواصلة الادعاء بأن الإدارة الأميركية تعبأ برفاهية الإيرانيين وازدهارهم بينما تتخذ تحركات تؤذيهم بشكل مباشر. وعلاوة على ذلك، تبدو الفكرة القائلة بأن الإيرانيين يتطلعون إلى إسقاط النظام ويرحبون بالمساعدة الأميركية في التعجيل بهذا السقوط مشابهة لنفس الهراء الذي آمنت به إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش قبل حرب العراق بأنها ستستقبل (من قبل العراقيين) استقبال المحررين».
وحذر الكاتب قائلا: «قد يرغب الإيرانيون في التغيير، ولكن انهيار اقتصادهم ومجتمعهم ومؤسسات دولتهم ليس بالتأكيد نوع التغيير الذي يدور في خلدهم» لافتاً إلى أن «الجانب الآخر لإستراتيجية إدارة ترامب في إيران يستند إلى تعزيز التحالف القائم مع الدول السنية المعادية لإيران في العالم العربي، والذي يُعرف باسم «الناتو العربي» موضحاً «إن قدرة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبالطبع إسرائيل على التأثير في إستراتيجية إدارة ترامب في إيران تقدم دليلاً إضافياً على أن هدف هذه الخطة ليس دفع إيران لإجراء إصلاح داخلي وحوار خارجي، وإنما إسقاط حكومتها بالكامل حتى لا تكون قادرة على تهديد مصالح هذه الدول».
ويحذر خبراء من أن خطة كهذه تنطوي على مخاطر جسيمة، «فحتى إذا نجحت، فان انهيار دولة تضم أكثر من 70 مليون نسمة وتسيطر على قوة عسكرية واسعة وممولة جيداً ومتعصبة، ستنتج عنها بالضرورة فوضى صادمة بالنسبة لإيران وللمنطقة» بحسب غولدستون.
ويعتقد خبراء استراتيجيون في واشنطن أن خطة ترامب لتغيير النظام بأقل تكلفة ممكنة «هي خطة فاشلة» كون إيران تمتلك بالفعل وسائل لإلحاق الأذى بالولايات المتحدة وحلفائها في حال نشوب حرب، ومن بينها وسائل لا تتوفر لدى خصوم آخرين مثل كوريا الشمالية، إذ يمكنها أن تزيد من أنشطتها الجارية في مجال التجسس الإلكتروني والحرب السيبرانية، واستخدام وكلاء إقليميين لمهاجمة مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط وتأجيج الصراعات الجارية في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
ويقول غولدستون «لكن ورقة إيران الرابحة، التي ألمح إليها مسؤولوها الأسبوع الماضي، هي قدرتها على إغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره 18 مليون برميل من النفط يومياً، وهو ما يمثل 20 بالمئة تقريباً من إنتاج العالم. ويمكن حتى لأي إغلاق جزئي لهذا الممر المائي الاستراتيجي أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية بشكل هائل. وستكون مثل هذه الخطوة كارثية اقتصادياً بالنسبة لإيران أيضاً، ولكن النظام في طهران قد يقرر في مواجهة أي تهديد وجودي أنها تستحق هذا الثمن».
ويعتقد غولدستون «إن إيران لم تسقط حتى الآن» في شَرَك الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال اتخاذ إجراءات تصعيدية، ولكنها تتخذ خطوات للاستعداد لحصار أميركي، إذ تواصل البلاد الالتزام بالاتفاق النووي حتى بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، وتحاول الاحتفاظ بالتجارة مع دول الاتحاد الأوروبي ومنع الشركات الأوروبية من سحب استثماراتها –رغم أن تهديد ترامب بتدمير العلاقات التجارية لهذه الدول مع الولايات المتحدة إذا لم يشاركوا في العقوبات يجعل هذه المهمة شاقة للغاية.
كما تحاول الحكومة الإيرانية التودد للمستثمرين المحليين العاملين بالقطاع الخاص لتولي مشروعات الحكومة، وإعادة السيولة إلى الاقتصاد مع فرار الأموال الأجنبية من البلاد، فيما تتحرك إيران، عن طريق الدبلوماسية مع كل من دمشق وموسكو، لحماية مصالحها في سوريا في حال أجبرتها الضغوط الأميركية والإسرائيلية على تقليص أنشطتها العسكرية هناك.
Leave a Reply