معركة تحرير إدلب .. بين الحل السياسي والحسم العسكري
بهدوء وحذر شديدين، يقترب الشمال السوري، ولا سيما محافظة إدلب، البؤرة الأكثر خطورة فيه، من أن تدخل في مرحلة تحوّل ميداني، من شأنها أن تمهّد لتحوّل أشمل يضع الحرب السورية قاب قوسين أو أدنى من الحسم العسكري، تمهيداً لتسوية سياسية شاملة.
على هذا الأساس، فإنّ الكل يترقّب مجريات الحراك العسكري–السياسي–الأمني في محيط محافظة إدلب، التي باتت آخر العقد في الحرب السورية، منذ تحقيق الحسم العسكري على الجبهات الأخرى، والتي يمكن وضعها ضمن المستوى نفسه من الأهمية الاستراتيجية، بعد حلب، التي شكّلت استعادتها من أيدي المسلحين، نقطة التحوّل الأكبر في الحرب السورية.
بانتظار أمر العمليات
كل المؤشرات الميدانية والسياسية، تشي بأن «ساعة الصفر»، المضبوطة على إيقاع الكرملين، قد باتت قريبة، خصوصاً بعد توافر الظروف الملائمة للبدء بعملية تحرير إدلب.
في الميدان، تبدو الجاهزية العسكرية في أعلى درجاتها فالجيش السوري، مدعوماً بغطاء روسي، بدأ منذ أشهر بتمهيد الأرض للمعركة الحاسمة، سواء بالاستهداف الجوي أو بالسيطرة على الكثير من النقاط الأساسية، التي يمكن أن تشكّل خاصرة رخوة في حال انطلاق العمليات، مثل الإخلاء الجماعي لبلدتي كفريا والفوعة، في وقت تشي فيه المعطيات المتوافرة إلى أن الاستعدادات قد اكتملت، وأن العملية الكبرى باتت رهن «أمر العمليات».
وفي الواقع، فإنّ التمهيد الفعلي لمعركة إدلب المرتقبة، بدأ منذ وقت طويل، وبشكل متدرّج، عبر خطوات متعددة، بدت في الظاهر أنها غير مرتبطة بالعمليات العسكرية مباشرة، وأبرزها «تكديس» المسلحين المتطرفين الذين تمّت الموافقة على انسحابهم إلى المنطقة، في إطار التسويات التي جرت على جبهات أخرى، من حلب إلى الجنوب السوري، مروراً بغوطة دمشق، وصولاً إلى السلسلة الشرقية لجبال لبنان (عرسال ورأس بعلبك)، حتى أصبحت إدلب حاوية كبرى للمسلحين المهزومين في شتى أنحاء الأراضي السورية.
التوقيت روسي
التحضيرات النهائية باتت في مرحلة متقدمة جداً. وإذا كانت الاستعدادات العسكرية واللوجستية قد اكتملت عند الجانب السوري، فإنّ «ساعة الصفر» تبقى رهناً بتحرّكات روسية متعدّدة المستويات، تتراوح بين الشقين الأمني والسياسي، وذلك في ظل التعقيدات التي يمكن أن ترافق المعركة، والتي تتطلب، بطبيعة الحال، حلحلة بعض التفاصيل، ولا سيما أن إدلب باتت واحدة من نقاط الاشتباك الأساسية في المعادلات الإقليمية والدولية.
بهذا المعنى، فإنّ «سيناريو درعا» يبدو الأقرب إلى التطبيق في إدلب، وإن كانت لهذه المنطقة خصوصية دقيقة، تجعل العمل على استعادتها ينحصر بين خيارين: إما عملية عسكرية شاملة تفرض أمراً واقعاً على المجموعات المسلحة، في ظل تبدّل جوهري في ميزان القوى الميدانية لصالح الجيش السوري، وإما عملية متدرجة تؤدي إلى تشتيت المسلحين، وتدفع العديد منهم إلى القبول بـ«المصالحات».
انطلاقاً من ذلك، تعتمد روسيا المقاربة ذاتها التي تبدّت بوضوح في تسوية الجنوب السوري، لجهة فتح قنوات اتصال مع المجموعات المسلحة الأكثر «اعتدالاً» و«المفاتيح» الأساسية على الجبهة الإدلبية، لضمان انخراطها في المصالحات، بما يجعل المعركة في نهاية الأمر محصورة بالجماعات الأكثر تشدداً، مثل «جبهة النصرة» وأخواتها.
هذا الأمر لم يعد خافياً على أحد، فالمعطيات المتوافرة من إدلب تفيد بأن العمل انطلق فعلاً، وبدأ يثير قلق المجموعات المتشددة، وهو ما أمكن رصده، على سبيل المثال، قبل أيام، حين نظمت الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء «الجبهة الوطنية للتحرير»، بالإضافة إلى «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، حملة اعتقالات طالت نحو 100 شخص في ريف إدلب بتهمة «التخابر مع النظام بغية المصالحات».
ووفقاً لما أُعلن من قبل الجماعات المتشددة في هذا السياق، فإنّ «الحملة شُنّت بعد معلومات أمنية بشأن وجود بعض الشخصيات التي تروج للمصالحة مع الحكومة السورية، وتسهّل دخولها إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في محافظة إدلب».
من المؤكد أن حملات كهذه، لن يكون لها أي تأثير في تأخير المسار الأول الذي يسلكه الروس، وهو ضمان حاضنة في البيئة المحلّية لفكرة «المصالحات»، خصوصاً أن حالات مماثلة شهدتها الجبهة الجنوبية، من دون أن يكون لها أيّ تأثير سلبي فعّال على مجريات تنفيذ الخطة الموضوعة.
الدور التركي
ولكن إذا كان الجانب العسكري–الأمني قد نضج، بحسب ما يمكن رصده من معطيات ميدانية، تبقى ترجمته على أرض الواقع مرتبطة بالتفاهمات السياسية. وإذا كانت روسيا قد ضمنت، بحسب ما رشح بعد قمة هلسنكي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، توجه الولايات المتحدة إلى الانسحاب التدريجي من «الصداع» السوري، والتسليم ضمناً بالدور الروسي في سوريا، فإن على موسكو أخذ مخاوف لاعبين إقليميين في الحسبان.
إذ يبقى العنصر الجوهري في حسم ملف إدلب، هو المسار السياسي على خط موسكو–أنقرة، خصوصاً أن المحافظة السورية الشمالية باتت بنظر رجب طيب أردوغان العمق الاستراتيجي التركي في الميدان السوري.
وفي هذا الإطار، لا يخفي الروس والأتراك خلافهم حول ملف إدلب، وإن كانت موسكو تسعى إلى تجنب الصدام مع أنقرة، خصوصاً أن الطرفين شريكان في «مسار أستانا».
وعلى هذا الأساس، أيضاً، فإن ثمة رهاناً روسياً على تكرار تجربة الجنوب السوري أيضاً في ما يخص الاتصالات مع الأتراك، وذلك بالاستفادة من المقاربة ذاتها التي جرى من خلالها التوصل إلى تفاهمات مع إيران، الشريكة أيضاً في «مسار أستانا».
ومع ذلك، فإنّ مسار التفاهمات مع تركيا يبقى أكثر تعقيداً مما هي الحال مع إيران، فعلى سبيل المثال، قامت تركيا بتعزيز مواقعها في إدلب وصولاً إلى إعادة بناء المرافق في بعض البلدات، حتى قبل أن يبدأ الجيش السوري بحشد القوات الرئيسية قرب المناطق التي يحتلها المسلحون.
وبالنسبة إلى روسيا، فإنه من الواضح أن ذلك يمكن أن يصبح مشكلة تتطلب الحل بطريقة لا يخرج فيها أي من الأطراف خاسراً، باستثناء الإرهابيين.
انطلاقاً من تقارير مختلف وسائل الإعلام الأجنبية، بدأت عملية الحل بالفعل، وقد بادرت موسكو إليها، ولكنها تجري ضمن مسار حذر للغاية، من بين مفاصله المهلة التي منحتها روسيا لتركيا –شهر واحد– من أجل التعامل مع الوضع في إدلب. وإذا فشلت أنقرة في الفرز كما ينبغي، فإن إدلب كلها سوف تصبح هدفاً للجيش السوري وحلفائه الروس!
ولكن ثمة من ينظر إلى الأمر باعتباره محاولة ضغط بالسياسة الناعمة، إذ لا يمكن لروسيا وتركيا أن تسمحا لنفسيهما بتناقضات خطيرة بينهما، وإلا فإن صيغة أستانا ستفشل، ولهذا فإنّ الكل يراهن على الاتصالات المكثفة الجارية بين المسؤولين الروس والأتراك على أعلى المستويات، خصوصاً أن ثمة فرصة يسعى الطرفان، إلى جانب إيران لاقتناصها، وهي القمة الروسية–التركية–الألمانية–الفرنسية التي ستعقد في اسطنبول يوم السابع من أيلول (سبتمبر) المقبل، والتي يتوقع أن تكرّس توسيعاً لعملية «أستانا»… ليبقى السؤال: هل تبدأ معركة إدلب قبل ذلك، لكي تفرض إيقاعها على القمة المرتقبة، أم أن الحل السياسي سيسبق الحسم العسكري؟
تمهيد بالمناشير
أسقط الطيران السوري، الأسبوع الماضي، مناشير على ريف إدلب الشمالي الشرقي، حيث خاطب الجيش السوري الأهالي طالباً منهم الضغط على المسلحين من الجنسية السورية للدخول في مصالحات محلية تخلصهم من تحكم وأفعال الجماعات المسلحة وخاصة الأجنبية منها.
وأشارت المنشورات أيضاً إلى أن الحرب على التنظيمات الإرهابية اقتربت من نهايتها، وأنه آن الآوان لوقف سفك الدماء والخراب وأن الجيش طلب من الأهالي التعاون معه لتخليصهم من تحكم الجماعات المسلحة بهم والمحافظة على حياتهم وحياة عوائلهم وإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة والبدء ببنائها.
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) الإرهابية على مناطق في محافظة إدلب وريف حلب الغربي.
وتشهد المحافظة انفلاتاً أمنياً نتيجة الاقتتال الحاصل بين الفصائل المسلحة المتزاحمة داخلها وفي ريفها والتي أسفرت عن مقتل وإصابة مئات المسلحين وسط غضب شعبي عارم من تعدي المسلحين على الأملاك الخاصة.
وتتسم محافظة إدلب بكثافة سكانية، تقدر بأكثر من مليون ونصف المليون نسمة، وخاصة بعدما تم نقل عشرات آلاف المسلحين وعوائلهم من محافظات حلب وحماة وحمص وريف دمشق ودرعا والقنيطرة إليها.
إسرائيل: الجيش السوري أكبر وأقوى من ٢٠١١
تل أبيب – قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يوم الثلاثاء الماضي إن «سوريا عززت حجم قواتها البرية ليتجاوز المستوى الذي كان عليه قبل الحرب الأهلية» رغم التراجع الكبير بعدد أفراده في المراحل الأولى من الحرب.
وتأثر الجيش السوري نتيجة هروب أعداد كبيرة من الخدمة في السنوات الأولى من الحرب التي بدأت عام 2011 وبحلول 2015 أقر الرئيس بشار الأسد بأن نقص «القوة البشرية» أدى إلى عدم تمكن الجيش من القتال في جميع المناطق خوفاً من خسارة أراض مهمة.
وفي خريف ٢٠١٥، تدخلت روسيا عسكرياً بعد صمود أربع سنوات لمؤسسات الدولة السورية، لتحول دفة الحرب لصالح دمشق التي سرعان ما بدأت بتحرير المحافظات واحدة تلو الأخرى، بدعم جوي وتسليح روسي.
وقال ليبرمان للصحفيين خلال جولة في هضبة الجولان المحتلة: «في الجهة المقابلة نرى الجيش السوري، الذي لم يكتف بالسيطرة على كل الأراضي السورية لكنه يبني جيشا برياً جديداً وفضفاضاً سيعود إلى حجمه السابق إن لم يكن أكبر».
أبرز التطورات الميدانية
أطلق الجيش السوري الأسبوع الماضي عملية من خمسة محاور لاجتثاث تنظيم «داعش» الإرهابي من بادية السويداء الشرقية على جبهة بلغ عرضها 75 كيلومتراً.
وتمكنت القوات السورية سريعاً من بسط سيطرتها على منطقة بعمق 30 كيلومتراً، فيما نفّذ سلاحا الجوّ والمدفعية رمايات نارية استهدفت تحركات فلول «داعش» في المنطقة.
كما وثبّت الجيش السوري الأسبوع الماضي مواقعه في النقطة الصفر على الحدود مع الأردن وعلى تماس مع الجولان المحتل، بعد حملة عسكرية توجت الشهر الماضي fNkihV وجود «داعش» في حوض اليرموك ويكمل تأمين محافظتي درعا والقنيطرة.
Leave a Reply