مهدي حسن
في لحظات الرثاء المؤثرة لرحيل جون ماكين، ربما يكون الكثيرون قد نسوا بأنه لو لم يترشح سناتور أريزونا لرئاسة أميركا في 2008 لما كان اليوم دونالد ترامب متربعاً على سدة الحكم في البيت الأبيض. قد يبدو مثل هذا الاستنتاج غريباً للوهلة الأولى، لاسيما وأنه تم الترحيب دوماً بالسناتور الجمهوري على أنه معارض صريح للرئيس.. الذي كان يحتقر على الدوام ماكين ويزعم بأن أسير الفيتكونغ السابق «لم يكن إطلاقاً بطل حرب»!
لقد تم تصوير ماكين من قبل الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، على أنه نموذج للكياسة والنزاهة واللباقة السياسية، وبأنه «غير عنصري» و«مناهض لترامب»، كما وصفه السناتور بيرني ساندرز بأنه «رجل مصنوع من الحشمة والشرف»، وامتدحته ألكسندريا أوكاسيو كورتيز بأنه «مثال لا شبيه له من الحشمة الإنسانية».
وهذه الأوصاف ستكون أبعد ما يكون عن الحقيقة، إذا ما علمنا بأن السناتور الراحل قد شتم زوجته علانية ووصفها بـ«العاهرة»، كما نعت اثنين من زملائه الجمهوريين في مجلس الشيوخ بأنهما «غبيين» و«قذرين»، وسخر من تشيلسي كلينتون –وكانت حينها في سن المراهقة– ووصفها بـ«القبيحة»، كما رفض الاعتذار عن سخريته المهينة من الفيتاميين، ووصف مناهضي الحرب بـ«الحثالة».
والأهم.. لنتذكر كيف أنه قدّم للعالم سارة بالين في آب (أغسطس) 2008 عندما انتقاها وسمّاها نائباً للرئيس، وكان بذلك قد منح مكانة ونفوذاً لمنظرين ديماغوجيين لا يعرفون شيئاً، ولامرأة مؤمنة بـ«نظرية المؤامرة» ازدهرت سمعتها بسبب الاستياء العرقي والثقافي وأصبحت فيما بعد، شخصية قيادية في «حزب الشاي» وفي حركة «بيرثر»، التي يزعم أتباعها بأن الرئيس السابق باراك أوباما لم يولد على الأراضي الأميركية.
ولنتذكر.. بأن الكاتبة في صحيفة «واشنطن بوست» دانا ميلبنك وصفت بالين في 2016 بأنها «من الناحية السياسية، هي أم ترامب». حتى أن المذيعة في قناة «أم أس أن بي سي» نيكول والاس اعترفت خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في 2016 بأن «ترامب يركب موجة القلق التي خلقتها بالين، في حملة ماكين الرئاسية»، وأكدت والاس –وهي المستشارة السابقة لماكين– بأن العلاقة بين الحركتين لا يمكن إنكارها.
وإذن، هل هنالك أية غرابة في أن يلاحظ الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» جوناثان مارتن، في مقال نشره مؤخراً عن سناتور أريزونا في أيار (مايو) الماضي، في أن الكثيرين في حزب ماكين نفسه يعتقدون بأن اختيار بالين لمنصب نائب الرئيس في 2008، يحمّل –على الأقل– قدراً صغيراً من اللوم لإطلاق العنان لقوى المظلومية السياسية والعداء للمهاجرين داخل الحزب الجمهوري؟
لنتذكر أيضاً.. أن السناتور الراحل لم يعتذر قط عن اختياره لبالين. وكما أشار مارتن في مقاله الآنف الذكر، فقد أعرب المرشح الرئاسي الأسبق عن أسفه لكونه لم يختر صديقه وزميله السناتور جو ليبرمان، ولكنه استمر في الدفاع عن أداء بالين، ذلك الأداء المثير للقرف.
من السهل إلقاء اللوم على حملته الانتخابية ذات الصبغة الترامبية في 2008 وعلى حاكمة ألاسكا السابقة، إذ كان ماكين هو نفسه من أطلق العنان لسلطاتها وفشل في كبح جماحها أو توبيخها لتحريض الجماهير ضد أوباما. وقد اعترفت والاس بأن «الغضب المتزايد في الحزب الجمهوري، كان شيئاً أخفقنا نحن –كحملة– في معالجته»، لاسيما وأن بالين قد اتهمت بلا خجل، المرشح الرئاسي الديمقراطي بـ«الصداقة مع الإرهابيين» وحرضت الجماهير بدعوى أن السياسي الأسود لم يكن «رجلاً يرى أميركا كما نراها، أنا وأنت». وقد كان ماكين هو نفسه من سمح للمتحدث الرسمي باسم حملته بأن «يذكّر» المراسلين الصحفيين بـ«علاقة أوباما الطويلة الأمد بالإرهاب المحلي».
ثم.. هل تعتقدون بأن الصيحات المتعالية في المسيرات المؤيدة لترامب –مثل عبارتي «اسجنوها» (في إشارة لهيلاري كلينتون) و«سي أن أن مقززة»– هي أمر سيء؟ المسيرات المؤيدة لماكين عام 2008 كانت تضم جمهوريين يصرخون «خائن»، «إرهابي»، «اقطعوا رأسه»، و«اقتلوه».. بمجرد ذكر اسم أوباما، ولكم أن تعيدوا مشاهدة ذلك الفيديو الذي يظهر فيه أحد الأشخاص وهو يصرخ: «إنه إرهابي»، فيما يتغاضى ماكين عن ذلك ويشيح بناظريه بعيداً.
لقد كتب جو كلين في مجلة «تايم» في أكتوبر 2008: «إنه صحيح كفاية بأنه (ماكين) لم يعد يملك شرفه»، وفي 11 أكتوبر 2008، انتقد عضو الكونغرس جون لويس كلاً من ماكين وبالين على «زرع بذور الكراهية والانقسام» ووصف خطابهما بالعنصري.
بعض المحافظين أعربوا أيضاً عن غضبهم من ماكين، واتهمه ديفيد فروم بـ«جلد الجمهوريين والمحافظين بغضب.. سيكون من الصعب تهدئته بعد نوفمبر»، كما حث أندرو سوليفان المرشح الرئاسي على إيقاف الهجمات الخطيرة على شاب ديمقراطي أسود، قائلاً: «حباً بالله.. أوقف يا ماكين تلك الحملة، ولمرة واحدة على الأقل: ضع بلدك أولاً».
والجميع يتذكرون ذلك الفيديو الذي يظهر فيه سناتور أريزونا وهو يرد على سيدة تصف أوباما بـ«العربي»، فيجيبها: «لا يا سيدتي.. إنه رجل عائلة محترم». والكثير من الناس يتشاركون هذا الفيديو –هذه الأيام– على أنه دليل على نزاهة ماكين، ولكن العديد من الأميركيين والعرب لا يرون فيه ذلك، ومن بينهم الممثل بن أفليك الذي رأى فيه إشارة واضحة على الطعن بالعرب، في برنامج «ريل تايم» مع الإعلامي بيل ماهر.
إن الوقائع تقول إنه إذا أردت أن تضع قائمة بأسماء الأميركيين الذين يجب لومهم على ظهور دونالد ترامب، فإن ماكين يجب أن يكون –مع بالين– في رأس تلك القائمة، وذلك لكونه أطلق حملة انتخابية سيئة ومتعصبة ويائسة في 2008، وكان من شأنها أن مهدت الطريق لترامب وللترامبية في 2016.
يقال إن ماكين أوصى أن يتحدث أوباما في جنازته، وفي هذه الحالة، ربما يمكن للرئيس السابق رثاءه بتكرار ما كتبه جوناثان تشيت في مجلة «نيويورك ماغازين» في أكتوبر 2016: «إنني أرى خطاً مستقيماً (يصل) بين إعلان سارة بالين كمرشحة لمنصب نائب الرئيس… وبين ما نراه اليوم في دونالد ترامب».
ترجمة «صدى الوطن» بتصرف
عن موقع «انترسبت»
Leave a Reply