د. عبد الإله الصائغ
نشرت الكاتبة العالمية من اصل جزائري أحلام مستغانمي مقالة بعنوان «دافعوا عن وطن هيفاء وهبي» جاء فيها ما نصه «وصلتُ إلى بيروت في بداية التسعينات، في توقيت وصول الشاب الجزائري (خالد) إلى النجوميّة العالميّة. أُغنية واحدة قذفت به إلى المجد كانت أغنية «دي دي واه» شاغلة الناس ليلاً ونهاراً. على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى مشاغلها صباحاً.
كنت قادمة لتوِّي من باريس، وفي حوزتي كتاب «الجسد»، أربعمائة صفحة، قضيت أربع سنوات من عمري في كتابته جملة جملة، محاوِلةً ما استطعت تضمينه نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا. لكنني ما كنت أُعلن عن هويتي إلاّ ويُجاملني أحدهم قائلاً: «آه.. أنتِ من بلاد الشاب خالد».
قلت لنفسي مازحة، لو عاودت إسرائيل اليوم اجتياح لبنان أو غزو مصر، لَمَا وجدنا أمامنا من سبيل لتعبئة الشباب واستنفار مشاعرهم الوطنية، سوى بث نداءات ورسائل على الفضائيات الغنائية، أن دافعوا عن وطن هيفاء وهبي وإليسا ونانسي عجرم ومروى وروبي وأخواتهن… فلا أرى أسماء غير هذه لشحذ الهمم ولمّ الحشود. إ. هـ».
وأصدقك القول أيها القارئ الكريم أنني أحب كتابات أحلام مستغانمي جداً ومعجب بها كلَّ الاعجاب، ومنذ أول ديباجة نشرتها شعرت، أنني أمام موهبة عظيمة. ثم حلّلت لاحقاً رواياتها في كتبي ودرَّستها لطلبتي في البكالوريوس فالماستر والدكتوراه، والتقيتها مرة واحدة في أحد المؤتمرات فازددت إعجابا بها، ومازلتُ معجباً بها حتى هذه الساعة: مبدعةً كبيرةً وإنسانةً كبيرة ومناضلة كبيرة ومُحْسنة كبيرة (هي تتكفل بشكل كامل بمعيشة عشرين يتيماً ورعايتهم فتمنحهم مالها ووقتها واهتمامها وحبها) لكنها ليست محقة فيما كتبته حول الشاب خالد والمغنية هيفاء وهبي، بل كانت قاسية على غير عادتها ولا أعرف لذلك سبباً. فالشاب خالد مغنٍ وليس أكذوبة وهيفاء وهبي مغنية وليست أكذوبة، كذلك نانسي عجرم سواء أحببناهم أو كرهناهم! وهؤلاء لاعلاقة لهم البتة بجراحاتنا المعمقة المعتقة في فلسطين والعراق واليمن وسوريا وليبيا ولا… ولا… ولم ينسقوا مع المحتل. هؤلاء مطربون وحسْب!
أنا شخصيا لدي اعتراضاتي الأكيدة على هؤلاء المغنين الثلاثة وغيرهم ممن يُحسبون على الموجة الشبابية كما لدي اعتراضاتي على جمهورهم المتماهي معهم، ولكنني منتبه إلى فارق الاجيال والفجوة بين الحساسيات الجمالية بينهم وبيننا.
إن نجومية راسخةً كنجومية أحلام مستغانمي لا خوف عليها من المغنين الشباب وجمهورهم. فمازالت روايات مستغانمي بالعربية والفرنسية هي من جملة الأكثر مبيعاً في السوق الكتابي العالمي ومازالت الدنيا تسمي الجزائر بلد المليون شهيد ومفدي زكريا، ومصر بلد رفاعة طهطاوي وطه حسين، ولبنان بلد جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي، وتسمي العراق بلد الجواهري والسياب (رغم المصائب والنوائب).. وخاتمة مقالتي كلمات وجودية مونقة تقول «دع مئة وردة تتفتح ثم اخترْ الوردة التي تناسبك».
Leave a Reply