ساكرمنتو – محمد العزير
أضافت «الجمعية الطبية الأميركية» AMA مؤخراً تعريفاً جديداً إلى القاموس الطبي المتداول أطلقت عليه اسم «تشوّه سناب شات» Snapchat dysmorphia في أول توثيق علمي لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على رؤية الناس لأشكالهم وسعيهم إلى تغيير صورتهم عبر جراحة التجميل لتصبح مطابقة لصور «السلفي» التي يلتقطونها ويجرون عليها تغييرات فورية على ملامحهم تجعلهم يبدون أكثر جمالاً أو أصغر سناً عبر استخدام الفلتر، خصوصاً على خدمتي «سناب شات» و«انستغرام».
وقالت الجمعية وهي أبرز مؤسسة طبية أميركية في دراسة نشرتها في العدد الأخير من مجلتها المتخصصة الصادر في الثاني من آب (أغسطس) 2018، إن استخدام تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي غيرت نظرة الناس إلى الجمال. وجاء في مقدمة المقال «نعيش الآن في عصر الصور الشخصية المعدلة تحريرياً والتغير اللامتناهي لمواصفات الجمال. لقد وضع انتشار وشعبية وسائل التواصل الاجتماعي القائمة على الصورة الشخصية تطبيقات «فوتوشوب» و«الفلتر» في متناول أي شخص. بضع لمسات على «سناب شات» يمكن أن تزيد على الصورة إكليلاً من الورد أو أذني جرو. تعديل بسيط على تطبيق «فايستون» يمكنه أن ينعم الجلد، أو يجعل الأسنان أكثر بياضاً والعيون والشفاه أكبر. مشاركة سريعة على «انستغرام»، وتتدفق إشارات الإعجاب (اللايكات) والتعليقات. أصبحت هذه التعديلات وتنقيات «الفلتر» هي السائدة، مغيرة مفهوم الناس للجمال في العالم».
ويأتي التعريف الجديد ليضاف إلى التعريف السابق المسمى «اضطراب تشوه الجسم» Body dysmorphia disorder المصنف كحالة صحة ذهنية يصبح المصاب بها مهووساً بما يعتبره انعدام الكمال في جسمه. وتكون هذه الرؤية مقتصرة على الشخص نفسه ولا يلاحظها الآخرون، ما يعني أن أشخاصاً مظهرهم جيد لكنهم مهووسون لأنهم يعتقدون أن شيئاً خطأ فيهم.
«الرتوش» للجميع
وتتابع الدراسة أن تقنيات تعديل الصور كانت متوفرة على نطاق واسع في أوساط الفنانين والمشاهير وعارضات الأزياء الذين كانوا يظهرون بمنتهى الجمال الكامل على غلاف المجلات وفي الإعلانات، لكن الناس العاديين لم تكن لديهم القدرة على الوصول إلى ذلك لتغيير مظهرهم، وبالتالي كانوا يكتفون بالإعجاب وتقديس الجمال الذي يرونه في الإعلام بدل السعي إلى تغيير مظهرهم، مع أنهم كانوا يعلمون في معظمهم أن هذا الجمال نتاج تعديلات ورتوشات. أما اليوم وبوجود تطبيقات مثل «سناب شات» و«فايستون» أصبح مستوى الجمال الكامل نفسه متاحاً للجميع. لم يعد الأمر مقتصراً على نجوم السينما والتلفزيون، بل صار في متناول رفاق الدراسة وزملاء العمل والأصدقاء، وصار لانتشار الصور المعدلة وقع على ثقة الشخص بنفسه فيشعر بأنه غير مطابق لمواصفات الشكل الذي يريده في العالم الحقيقي وقد يؤدي إلى الإصابة بـ«اضطراب تشوه الجسم».
وتعتبر الدراسة أن المصاب بهذه الحالة يصبح مهووساً بشكله ومظهره إلى درجه الوسواس القهري، فهي أكثر من مجرد الشعور بعدم الأمان الشخصي وانعدام الثقة بالنفس، فالمصاب بهذه الحالة يبذل قصارى جهده لإخفاء «عدم الكمال» الذي يتخيله مما يولد عنده عادات لا إرادية مثل تنقيب جلده أو تسريح شعره بشكل متواصل أو القيام بزيارات متكررة إلى أطباء التجميل لإجراء عمليات لتغيير شكله. وأشارت إلى دراسة إحصائية أظهرت أن المدمنين على نشر صورهم المعدلة تكون لديهم في الغالب صورة غير صحيحة عن وزنهم أو مظهرهم، وأنهم يلجأون إلى وسائل التواصل الاجتماعي أكثر لتثبيت الصورة التي يعتبرونها أكمل لهم، وأن لدى معظمهم معاناة أكبر مع ما يعتبرونه غير جميل فيهم.
لا مشكلة أصلاً
يقول جراح التجميل الأميركي المعروف ماثيو شولمان إن حالة «تشوّه سناب شات» تنطبق على أشخاص –أكثريتهم من النساء في سن الشباب– يسعون إلى إجراء عمليات تجميل تجعل أشكالهم أقرب إلى صورهم المعدلة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. ويضيف في مقابلة إذاعية مع راديو «بي بي أس» أن جراحي التجميل لا يقتصر تدريبهم على الجراحة وحسب، وإنما في القدرة على تشخيص حالات «تشوّه سناب شات»، «فنحن نحاول تجنب أصحاب هذه الحالات لأن المرضى لن يشعروا بالرضى نتيجة العمليات التي يريدونها لأنه أساساً لا شيء غير سليم فيهم». ويشير إلى أن المشكلة ليست مع الذين يريدون تركيب أنف وأذني أرنب لأن من السهل تشخيص وضعهم فوراً وإنما عمن يريدون تنعيم بشرتهم أو تصغير أنوفهم أو تكبير عيونهم وشفاههم. هؤلاء المرضى يجلبون إلينا معهم صورهم على سناب شات أو انستغرام ويطلبون تعديل شكلهم ليطابق الصورة. في بعض الحالات هذا أمر جيد يسهل على الجراح معرفة طلب المريض، لكن المشكلة تبدأ عندما يأتي شخص لا يعرف أن الجراحة غير قادرة على تغيير شكله على النحو الذي يريده لأن ما يطلبه غير عقلاني، ولأنه أساساً لا مشكلة لديه.
ويقدّر الدكتور شولمان نسبة الذين يقصدون جراحي التجميل دون سبب أو حاجة بحوالي 55 بالمئة وأن الجراحين يحيلون عدداً كبيراً منهم إلى العلاج النفسي بدلاً من إجراء جراحة لهم.
يميز شولمان بين مرحلة ما قبل طفرة التواصل الاجتماعي حيث كانت حالات «اضطراب التشوه الجسدي» قليلة وأساسها نفسي، وبين الحالة الراهنة حيث أدى انتشار التطبيقات السهلة إلى ازدياد هائل في عدد المصابين بهذه الحالة، لافتاً إلى أن اعتماد «الجمعية الطبية الأميركية» للتعريف الجديد (تشوّه سناب شات) يهدف إلى توعية الناس من مخاطر استسهال تغيير صورهم عبر التقنيات الحديثة، والى الإسراع في اكتشاف هذه الحالات مبكراً لمساعدة أصحابها قبل تفاقمها، مشيراً إلى أنه يحيل حوالي 25 بالمئة من مراجعيه إلى أطباء نفسيين لمساعدتهم.
Leave a Reply