أصبحت الهجرة وطلب اللجوء إلى البلدان التي تسمح قوانينها بذلك، سمة بارزة في حياة العديد من أبناء الشعوب الفارين من أخطار الحروب والكوارث الاضطهادية أو الاقتصادية وفقدان الأمان، خاصة في البلدان العربية وبقاع ملتهبة أخرى من العالم.
ونادراً ما تسنح لهؤلاء فرصة التقدم بطلب لجوء دون معاناة في المخيمات التي تغصّ هي الأخرى بقسوة العيش ومرارة اجتياز الوقت يوماً بعد يوم، بانتظار نتيجة التدقيق الأمني الذي قد يستغرق سنوات أحياناً.
ثم إذا حالفهم الحظ وتم قبولهم كلاجئين في دول التوطين يصطدمون بأمور لا قِبَل لهم فيها من دراية أو معرفة بقوانينها، فأميركا مثلاً تؤمّن لهم سكناً مدفوع الإيجار لمدة ثلاثة أشهر وبعدها تنقطع عنهم المساعدات، وعليهم أن يتدبروا أمورهم بأنفسهم فينزلون إلى معترك الحياة دون إلمام باللغة أو القوانين التي تحدد ما لهم وما عليهم خصوصاً العوائل التي لديها أطفال، وذلك ما يتطلب من منظمات اللجوء والمؤسسات الاجتماعية الالتفات إليه بالسرعة القصوى عبر إقامة دورات تثقيفية تشرح للاجئين الجدد الضوابط والمحاذير القانونية التي تتوجب معرفتها في وطنهم الجديد قبل أن تقع الفأس في الرأس.
قبل أيام صادف مروري وأنا أقود سيارتي قرب إحدى المدارس في ديربورن، طفلة لفتت انتباهي وهي بعمر الثماني سنوات، واقفة عند زاوية الشارع، فرجعت إلى الوراء لأستفسر عن سبب وقوفها لوحدها هناك، فسألتها عن أهلها ولماذا لم يكن أحد ذويها بصحبتها؟ فأجابتني بأنها تنتظر شقيقتها (ست سنوات)، حيث يقلّها باص مدرسة ثانية، إذ أوضحت لي بأن والدها في المنزل وأمها خارج البلد، فأخذتني الحيرة حقاً من أمرها.. هل أتركها لوحدها في الشارع وهي بهذا العمر الصغير؟
خفت عليها من أن تتعرض لأي خطر داهم أو حتى أن تمر دورية شرطة وتجدها وحيدة على الرصيف فتفتح تحقيقاً قد لا ينتهي إلا بمأساة تفتيت أسرة بتهمة إهمال الأطفال.
ناولتها هاتفي وطلبت منها أن تتصل بوالدها، وحالما ردّ من الطرف الآخر تناولت الجهاز فقرّعته على ترك طفلته في الشارع لوحدها، معقّبة له بالسؤال: ألم تعرف بأن هذا التصرف ممنوع وخطر على حياة طفلتك؟ فأجابني بأنه لاجىء جديد قدم إلى هذه البلاد ولا يعرف شيئاً عن قوانينها، فأخذت الطفلة بسيارتي وأوصلتها إلى منزل أبيها وسلمتها له بعد أن نبهته إلى عدم تكرار مثل هذا الخطأ ثانية.
وإزاء مثل هذه الحالة التي صادفتني، أقترح على المنظمات الاجتماعية –وما أكثرها– تنظيم ورش تثقيفية للمهاجرين الجدد تعرّفهم بقوانين البلد والمخاطر التي من الممكن أن تواجه أطفالهم في الشارع، إذ أنه من الممكن سلخهم عن أهلهم وإعطاؤهم إلى عائلات غريبة لتتولى تربيتهم، مثلما حصل مع العديد من الأسر العربية في ولاية ميشيغن على مر العقود الماضية.
إن أوفر طريقة لمنع تكرار مثل هذه المآسي، ربما في توزيع نشريات باللغة الأم على المهاجرين الجدد تشرح لهم قوانين البلد لاسيما المتعلقة برعاية الأطفال.
أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض، ومن أجلهم هاجرنا إلى أصقاع الأرض، فرفقاً بهم لأنهم أمانة في أعناقنا تستوجب المحافظة عليهم، متعكم الله بفرحة مستقبلهم.
Leave a Reply