أنت مثلي عزيزي القاريء، تقرأ وتسمع من يُدلِّل بالآية الكريمة من قول الله تعالى في سورة لقمان، أن الموسيقى حرام. الآية هي: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» (سورة لقمان الآية 6).
قد تصيبك اللوعة والحيرة، لأن الآية تتحدث عن الكلام (لهو الحديث) وليس اللحن. والفرق واضح وصريح بين اللحن والحديث. ولكن لو فتحت «للقائلين» طريقاً في السماء فسلكوه، ولو بنيت لهم سلماً إلى السماء فصعدوه، ولو خرقت لهم الأرض وكلَّمهم الموتى لما اقتنعوا ولقالوا إن هذا لسحر مبين. ومنذ الأزل، لم يوصِل الجدل إلى الحقيقة قط، إنما كان في أحيان كثيرة يزيد شحنة الكراهية.
علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي، في رأيه أن من يتحدث عن النزاهة، هناك شك في نزاهته. ومن رأيته يتحمس للحق، فانساه، ومن يتحدث عن المنطق فتأكد أنه داس المنطق تحت نعله. وهذا يعني أن النقاش مع بعض رجال الدين والمتدينين الجدد في أمر الغناء والموسيقى، هو جدل عقيم.
كتيبات عديدة وفتاوى شديدة، لا تعد ولا تحصى في الاستنجاء والاستبراء والزواج والطلاق والحيض، لكن لم أجد حديثاً أو فقيهاً دلَّ على حديث أو أثر واحد صحيح ومقنع في تحريم الغناء والموسيقى. أعود وأقول لجنابك أيها القارئ العزيز، إن كنت نشأت مثلي في القرى، حيث كنَّا نسمع القرويون يغنون ويتبارون في «المواويل» و«القراءة»، وكانوا يرقصون ويدبكون في الأعراس وفي المواسم فرحاً وبهجة، بصوت شجيّ يبكي الحجر، وكانت الرسائل بين العشاق تحملها كلمات الأغاني في الكروم وعلى البيادر ودرب العين، يعني الغناء لم يكن عيباً أو حراماً أو لهواً.
الغناء الراقي والموسيقى الجبيلية هي حياة الروح، هي استراحة من ضجيج هذا العالم وصخبه. وبحكم عملي أتواجد في مهرجانات صيفية وفي مدن عديدة، وأرى الناس فرحون نشطون وهم ينصتون إلى الموسيقى الجميلة، فأنظر إلى السماء وأقول لك الحمد يا الله على نعمة السمع إنك أنت السميع البصير.
Leave a Reply