تنبئك صورة الغلاف بأنها تعبّر عن امرأة صاحبة أقدار تصنعها بنفسها. لوحة رسمتها أنامل ابنة الكاتب محمد العزير لروايته الأولى «تغريبة وطن». لوحة نسائية، ليست المرأة–الزينة، بل لوحة الحب والحياة والشغف والحرية بامتياز ومزيج يتآخى فيها التصور التشكيلي مع الموقف الأخلاقي والقيمي للمرأة باعتبارها الكائن الأعلى، حسب رأي الكاتب.
منذ الصفحات الأولى للكتاب تدرك، أن لبنان نهى المندور، بطلة الرواية، هو وطن لا يراعي، لا يلاطف، لا يوارب، لا يخفف الوطأة. هو لبنان عنيف، ناقم، عاقد الحاجبين، لا يريد لمواطنيه أن يلملموا جروح الماضي وغسل عار الحروب وأن يتحرروا من أغلال العادات وطقوس المعابد، كانت الهجرة إلى أميركا، وتحديداً إلى ديربورن.
في لغة العزير نضجٌ مرعب. لغة مغلفة بأناقة ومكر وبلاغة تشطح أحياناً نحو فظاظة مبررة ومسائل شخصية مثل العادة السرية والاغتصاب والمثلية الجنسية والبرود العاطفي، يعاني منها كل أبطال الرواية، وكلها مسائل شخصية قد لا تهم القارئ ولكن الكاتب استفاض بسردها، هذه المسائل، كان يجب أن تبقى تحت قناع الصبر والمعالجة وألا يدخل أبطال الرواية في منافسة من يعاني أكثر من تبعاتها.
يعيش العزير في كتابه رحلة المهاجر العربي إلى مدينة ديربورن، يروي بلاده وكسوره وبشاعته وجماله وجنونه، معتمداً أسلوب التشويق والإثارة بغية شد القارئ لما سوف تقول شخصيات الرواية عما حدث.. أو ما تظن أنه حدث من وجهة نظرها، بدون تساهل عن الحقائق المتعلقة بمحطات الحروب الدامية وقسوة القرار لمغادرة الوطن واقتناع البطلة –نهى– بعد زيارتها لوطنها بعد عدة سنوات بانعدام الأمل للعودة إليه، بسبب اليأس المعربد والتدين الخانق الذي يجتاح كل شيء وينتصب يومياً في وجه من يحاول زراعة وردة في صحراء لبنان العقيمة، ولا يغفل الكاتب معاناة الغربة والتعب ضد التأقلم في هذا المغترب والقناعة بأنه الوطن.
تنتهي الرواية بمقتل ربيع، ابن البطلة نهى، في ظروف غامضة، لا أدري هل هو قتل الحلم العربي هنا، وأن الإنسان العربي مهزوم هناك ومهزوم هنا، وإننا جميعاً نطارد خيط دخان؟
يستحق محمد العزير التهنئة على باكورة أعماله، رواية «تغريبة وطن»، ولو تعب قليلاَ في اختصارها كما تعب في وضعها لكانت رواية رشيقة بعيدة عن الترهل والزوائد غير المرغوب بها.
Leave a Reply