نتنياهو يجهز الذرائع .. وقرار الحرب أميركي
وقف رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يحمل صوراً لمواقع يزعم أنها مصانع لصواريخ قرب مطار بيروت، كما وقف وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول في العام 2003 أمام مجلس الأمن الدولي، يعرض أدلة مفبركة عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في عراق صدام حسين، قبل أن يعترف بعد سنوات قليلة بأن ما قدمه لم يكن صحيحاً وأن «عاراً» لحق به وبسمعته وهو يعتذر للعالم وللعراقيين الذين تسبب لهم بالحرب والدمار.
مزاعم نتنياهو
شجاعة باول في الاعتراف بجريمته، لا شك أنها تنقص نتنياهو الذي اعتاد على الكذب، ويحاول أن يلصق التهمة بوزير الخارجية جبران باسيل وبـ«حزب الله» الذي لم ينكر مرةً أنه يمتلك الصواريخ، لا بل يؤكّد على جهوزيته التامة لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان، وهو ما أقلق رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي لجأ إلى عرض صور عن أماكن وجود مخازن ومصانع للصواريخ في أماكن قريبة من مطار بيروت في منطقة الأوزاعي التي تبعد نحو 3 كلم عن العاصمة، وهي مكتظة بالسكان القادمين من الأرياف، وتُعتبر من الضواحي الفقيرة، أو ما كان يسمى «حزام الفقر» حول بيروت.
فالأماكن التي أشار إليها نتنياهو وزعم أنها مواقع أو مصانع لـ«حزب الله»، ليست إلا ملعب نادي «العهد» الرياضي الذي يرعاه الحزب، إضافة إلى «ملعب الغولف»، والثالث هو المرسى، أي مرفأ الصيادين في المنطقة، وهو ادّعاء كاذب له هدف آخر… هو مطار بيروت.
الردع الدبلوماسي
مقابل أكاذيب رئيس الحكومة الصهيونية، تحركت الدبلوماسية اللبنانية، لردع نتنياهو حيث لم يتمكّن وزير الخارجية جبران باسيل، من أن يرد عليه من على منبر الأمم المتحدة، لأنه كان في طريق العودة إلى بيروت، فاستدعى سفراء الدول العربية والأجنبية، إلى لقاء في قصر بسترس، مقر وزارة الخارجية، ودحض أمامهم مزاعم نتنياهو، بأن الأماكن التي أشار إليها، ليست عسكرية ولا توجد فيها مصانع ولا منصات لصواريخ، ولا وجود لمخازن أسلحة، بل هي ملاعب خالية من أي سلاح، وأحياء يقيم فيها مواطنون فقراء، ولا بدّ من معاينة الأمر ميدانياً. فقام باسيل باصطحاب الدبلوماسيين إلى الأماكن التي زعم نتنياهو بوجود سلاح فيها لـ«حزب الله»، ليتبيّن من الجولة، أن لا صحة لما قاله، لا بل أن الوضع طبيعي جداً، ولا شيء يؤشر إلى وجود مصانع أو مخازن أو منصات للصواريخ.
المطار مستهدف
وقد لاحظ السفراء بأن الأحياء التي جالوا فيها مدنية بامتياز، ولا تمتّ إلى أن المنطقة عسكرية، ولأن وجود معامل لتصنيع الصواريخ مفترض أنها تكون بعيدة عن المناطق الآهلة، إنما قد يكون المستهدف مطار بيروت الذي أشار إليه الوزير باسيل، وهو المرفق الذي اعتدت عليه إسرائيل في نهاية عام 1968، بتدمير طائرات شركة «طيران الشرق الأوسط»، تحت ذريعة استخدام فصائل فلسطينية، المطار لخطف طائرات، كما تم استهدافه في عدوان تموز 2006، بقصف مدرجه وتعطيله.
وتأتي مزاعم نتنياهو عقب أزمات عانى منها مطار رفيق الحريري الدولي خلال أشهر الصيف، من ازدحام المسافرين، وتعطيل جهاز استلام الحقائب، ثم الخرق الأمني لطائرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أثناء سفره إلى نيويورك واضطراره إلى استخدام طائرة ثانية كانت من المفترض أن تقلع إلى القاهرة.. أضف إلى ذلك تضارب الصلاحيات بين أجهزة الأمن في المطار، ودعوة الإدارة الأميركية إلى عدم استخدامه، وكذلك طلب وزارة الخارجية الأميركية من رعاياها عدم السفر إلى لبنان.
حرب نفسية
وقد وضع خبراء عسكريون، تصريحات نتنياهو ومالمسؤولين الإسرائيليين، في إطار الحرب النفسية أكثر منها العسكرية، لمواجهة الحرب النفسية التي يشنها «حزب الله» على المستوطنين الصهاينة، الذين يعرفون أن الأمين العام السيد حسن نصرالله، هو من يحدد ما سيكون عليه مستقبلهم في الدولة العبرية التي جاؤوا إليها من كل أصقاع الأرض، فإذا بهم أمام مشروع هجرة معاكسة بدأت تظهر معالمها، كما تزداد معدلات الفرار من جيش الاحتلال والتهرب من تأدية الخدمة العسكرية، وتحديداً في الألوية البرية، إلى جانب الأزمات النفسية التي يعاني منها الجنود الذين كانوا من ضمن قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان.
فعندما يسمع المستوطنون الصهاينة في الجليل الأعلى، أن المعارك المقبلة إذا ما شُنّت على لبنان، ستكون على أرضه، تجدهم يتركون مستوطناتهم إلى «أماكن أكثر أمناً»، ليأتيهم السيد نصرالله، بأن تل أبيب نفسها في مرمى صواريخ المقاومة التي يمكن أن تغطي كامل الأراضي المحتلة، وتضرب مناطق حساسة وخطيرة مثل مفاعل ديمونا وحاويات الأمونيا وغيرها.
في المقابل يأتي الرد الإسرائيلي، بأن الحرب المقبلة ستكون أكثر تدميراً مما سبقها، وستعود بلبنان إلى العصر الحجري، وأن الضاحية الجنوبية ستمحى من الوجود تحت شعار «عقيدة الضاحية»، وأن العاصمة بيروت أيضاً ستكون تحت القصف هذه المرة، بعد أن باتت في صف «حزب الله»، حيث أغاظ رئيس الجمهورية في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إسرائيل وحليفتها أميركا ودولاً أخرى، عندما تحدث عن حق الشعب اللبناني بالمقاومة.
برّي حذر
بموازاة الحملة الدبلوماسية للوزير باسيل التي هنّأه عليها الرئيس نبيه برّي، دعا رئيس مجلس النواب اللبناني إلى الحذر من غدر إسرائيل، وعدم الاستخفاف بكلام نتنياهو، الذي يهيء العالم لتقبل عدوانه، الذي دونه محاذير، حيث يرى خبراء عسكريون أن أية مغامرة عسكرية قد يقدم عليها رئيس حكومة العدو بعد الحرب النفسية هذه، تغرض إلى الإيقاع بين اللبنانيين، وتحريضهم على «حزب الله»، فإن أي عمل عسكري ضد لبنان، سيكون مكلفاً لإسرائيل، التي ردعتها روسيا الأسبوع الماضي عن سوريا بتسليم دمشق أنظمة صواريخ «أس–300» المتطورة، فإن محاولة العدو الإسرائيلي تطوير المعركة إلى مواجهة شاملة مع «حزب الله» وإيران وسوريا، تحت عنوان تحجيم «حزب الله» ومنع تثبيت أقدام إيران على الجبهة الشمالية، فإنه بإعلانه عن مصانع صواريخ قرب المطار تمهيداً للجوئه إلى العدوان، سيفتح الباب، للرد المباشر من المقاومة على كل الساحل الفلسطيني من حيفا إلى ما بعدها، وقد تتوسع الحرب، لتدخلها سوريا من الجولان، وإيران عبر صواريخها الباليستية التي كانت آخر دفعاتها على منطقة «البوكمال» عند الحدود السورية–العراقية. كما حذرت روسيا إسرائيل من أي عدوان على لبنان.
القرار الأميركي
لكن الحرب الإسرائيلية على لبنان، لا تكون إلا بقرار أميركي، وهو ما حصل في الحروب التي شُنّت في 1978 و1982 و1993 و1996 و2006، وكانت لأسباب أميركية–إسرائيلية، تتعلق برسم مستقبل المنطقة بالحديد والنار ثم بمفاوضات السلام، التي عادة ما تتزامن مع الحروب، ابتداء من مشروع كيسنجر للسلام الذي أنتج اتفاقية كامب دايفيد بتحييد مصر، ومبادرة رونالد ريغان، ثم مؤتمر مدريد للسلام، واتفاق أوسلو مع السلطة الفلسطينية، وبعده اتفاق وادي عربة مع الأردن، وصولاً إلى مشروع جورج بوش الابن «للشرق الأوسط الجديد».
وكان لبنان ساحة صراع دائمة لهذه المشاريع، وإذا كانت جهود الرئيس دونالد ترامب لتحقيق «صفقة القرن» قد وضعت على نار قوية، فإن حرباً إسرائيلية تشن على لبنان، بذرائع جاهزة مثل وجود مصانع أسلحة وصواريخ، قد تغير من المعادلات الإقليمية التي تميل كفتها بوضوح لصالح محور المقاومة.
القرار الأميركي بالحرب على لبنان، لا يبدو واقعياً بعد، وغياب السفيرة الأميركية عن اجتماع السفراء مع باسيل، وجولتهم في ضواحي بيروت، له دلالاته، بأن واشنطن، لم تتّخذ قرارها بشأن لبنان، مكتفية إلى الآن بتشديد العقوبات المالية على «حزب الله»، لمزيد من الضغط الاقتصادي على لبنان.
ماذا قال باسيل للسفراء؟
فتح وزير الخارجية جبران باسيل معركة دبلوماسية مع الإسرائيليين، معتبراً أن كلام بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة «استباقي يمهّد لعدوان جديد على لبنان»، واصفاً الكلام بالكذب. وقال باسيل أمام السفراء إن «إسرائيل لا تحترم المنظمات الدولية ولا تنفذ القرارات الأممية، بل خرقت أكثر من 28 قراراً دولياً، كما خرقت هذا العام الأجواء والأراضي والبحر اللبناني 1417 مرة خلال 8 أشهر، أي أكثر من 150 مرة في الشهر».
واعتبر أن «إسرائيل تعودت على ممارسة خروقات غير مبررة»، مشيراً إلى «أننا اخترنا اليوم القيام بهذه المبادرة لنتوجه إلى سفراء الدول، ضمن الحملة الدبلوماسية». واعتبر أن المعلومات التي استند إليها نتنياهو هي معلومات غير دقيقية ودون دليل وصورة لا تحتوي على برهان. أضاف: «صحيح أن حزب الله يملك صواريخ، ولكنها ليست قرب المطار. نحن نحترم القرارت الدولية، لكننا لا نلتزم النأي بالنفس عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن أرضنا وشعبنا»، جازماً أن «لنا الحق الشرعي في المقاومة حتى تحرير الأراضي المحتلة كلها».
Leave a Reply