لو أننا تعلمنا شيئاً بشأن الرئيس دونالد ترامب فهو أن كلماته ليست واضحة على أقل تقدير، ولأنه نجم سابق في تلفزيون الواقع، فهو يحب أن يكون في قلب العرض، مدركاً أن الأمور التي سيتحدث عنها ستجد ردود أفعال. وفي مناسبات كثيرة، يقول أشياء تُحدث صدمة، آخذاً في الحسبان أنها تسبب تشويشاً يشتت الانتباه عن شيء آخر. لذا، عندما أسمع ترامب يدلي بتصريح مثير للغضب، أو أقرأ له تغريدة على «تويتر»، أو أتابعه وهو يكشف عن شيء جديد في مؤتمر صحافي.. فبدلاً من أن أكتفي بالمعنى الظاهري لتصريحاته، أسأل نفسي: «لماذا يقول ترامب ذلك؟». وهكذا كانت الحال عندما سمعته الأسبوع الماضي يشير مرتين إلى حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلم أشعر بالإثارة، كما حدث لبعض المعلقين الإسرائيليين من اليمين واليسار، ولم أصدّق كل ما قيل، محاولاً اكتشاف مقصوده من وراء تلك التصريحات.
وأول ذكر لحل الدولتين جاء أثناء تصريحات صاحبت اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وفي رده على سؤال حول ما إذا كان يؤيد حل الدولتين، أجاب: «إنني أفضل حل الدولتين.. أفضل حلّ الدولتين»، مكرراً التصريح مرتين، كما لو كان للتأكيد.
ثم نظر إلى نتنياهو وقال مرة أخرى: «إنني أفضل حل الدولتين، وبالطبع، هذا ما أعتقد أنه الحل الأفضل، وليس عليّ أن أتحدث إلى أي شخص، فهذا ما أشعر به، والآن ربما يكون لديكم شعور مختلف، لكنني أعتقد أن حل الدولتين هو الأفضل».
وتحدث عن حل الدولتين لاحقاً في مؤتمر صحافي آخر، لكن تصريحاته بدت غير متسقة، إذ قال: «أعتقد أننا سنمضي قدماً على طريق حل الدولتين، وأنا سعيد لأنني أقول هذا. وإذا سألتم الناس في إسرائيل، فسيوافقون، لكن لا أحد يعبر عنه علانية، وهو أمر مهم أفصحت عنه، والآن إذا أراد الإسرائيليون والفلسطينيون دولة واحدة، فأنا أوافق، وإذا أرادوا دولتين، فأنا أوافق أيضاً، وسأكون سعيداً إذا كانوا سعداء، لأنني وسيط، وأعتقد أن حل الدولتين هو الأكثر ترجيحاً».
ويحق لكم أن تتساءلوا ماذا يقصد ترامب؟ فهو لم يعط دلالة على أن ما يؤيده يمكن أن يُفسّر باعتباره تحقيق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ومثلما أوضح نتنياهو، بعد تصريحات ترامب بوقت قصير: «كل شخص يعرف مصطلح دولة بصورة مختلفة، فأنا أرغب في أن يكون للفلسطينيين سلطة حكم أنفسهم من دون قدرة على الإضرار بنا». وتماشياً مع ذلك، أصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن إسرائيل لن تتنازل أبداً عن السيطرة الأمنية على كافة الأراضي «غرب نهر الأردن»، وهو من التخوفات التي قال نتنياهو إن الرئيس الأميركي يتفهمها.
وفي اليوم التالي، قال السفير الأميركي لدى إسرائيل «ديفيد فريدمان»: «حيثما يتعارض الحكم الذاتي الفلسطيني مع الأمن الإسرائيلي، فإننا نقف إلى جانب الأمن الإسرائيلي».
وإذا كان إطار حل الدولتين الغامض الذي تحدث عنه ترامب يشي بأي شيء فهو يُذكّرنا بخطة مناحم بيجن حول حكم ذاتي فلسطيني يحكم فيه الفلسطينيون أنفسهم واحتياجاتهم المحلية، لكنهم لن يسيطروا على الأرض أو الموارد أو الحدود أو الأمن، لأنها أمور مقصورة على الإسرائيليين!
وفي ضوء ذلك، لم يكن مقصد ترامب تقديم طرح جديد، وإنما محاولة إعادة نهج قديم سيئ السمعة وإنعاشه بوصفه «حل الدولتين».
Leave a Reply