• مريم شهاب
هذا هو عنوان كتابٌ آخر، استمتعت بقراءته، للصحافي والكاتب المميَّز فواز طرابلسي. يتحدث فيه عن بلدة مشغرة وما حولها من قرى، وعن تاريخها وزعمائها منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين من خلال رواية عن حياة عائلة آل طرابلسي وكيف تحولوا إلى كبار ملّاك الأراضي والكروم وقرى بكاملها من خلال سلسلة طويلة ومتعرِّجة ومعقَّدة من عمليات الإقراض والرهن والشراء والترهيب والترغيب للإستيلاء على البيوت وأماكن العمل التي كان يديرها ويملكها البسطاء من الفلاحين والعمَّال.
إنها قصة حياة الوجيه الأكبر سليمان طرابلسي. زعيم العائلة وقيدومها الذي يدير علاقاتها والعائلات الحليفة في مشغرة والبلدات المحيطة ضد العائلات المنافسة، ويربط بينها وبين الوجهاء والساسة والنواب وسلطات الإنتداب. كما كانت الزعامات القديمة تدير علاقاتها بين الفلاحين والعموم والسلطات التركيَّة والفرنسية.
يقال إن التاريخ لا يعيد نفسه، لكن اللافت مدى قدرته على إعادة تمثيل أحداث ومشاهد سابقة، لأجل استجلاء وخدمة الحاضر.
رواية يا قمر مشغرة هي قصة كل بلدة وكل قرية في عموم لبنان وفي جنوبه تحديداً، حيث عشت شخصياً فيها ووعيت عليها، مثل من هم من جيلي في العمر يتذكر الوجيه أو البيك الذي يرفع من يشاء ويضع من يشاء وتتجاوز قدراته وقدرات محسوبيته على قدرات الفلاحين والعامة من الناس، وحين يلبس غطاء القانون ليستولي على أرزاقهم وممتلكاتهم بطرق ملتوية من تراكم أموال الربا والسمسرة.
قراءة هذا الكتاب أعاد لي صوراً وأحداثاً سمعتها وبعضها عشتها حين كان يمارس وجهاء وزعماء العائلات الكبرى طغيانهم للإعتداء على المرحوم أبي وغيره من الفلاحين الضعفاء وسلبهم تعبهم والاستيلاء على أرزاقهم.
يسرد فواز طرابلسي في آخر كتابه، النهاية المأساوية لزعامة آل طرابلسي، مثلما أغلب الزعامات والبكوات والوجهاء، انقضت زعامات قريتنا ومن ورث بعدهم باعوا الأملاك وتركوا الأرض لليباس واليباب. بقيت الأرض ومضى زعماء تلك الأيام، وجاءت من بعدهم زعامات هزيلة وجاهلة، لم تتعلم من الماضي، تفعل أسوأ مما فعله السابقون وهمهم الأكبر مصالحهم الشخصية والزعامة الفارغة والاستيلاء على الأملاك والمشاع العام بالسمسرة والزعبرة.
Leave a Reply