عماد مرمل – «صدى الوطن»
مع خروج العقدة السنية من الظل إلى الضوء، تبين أنها من «الوزن الثقيل»، خلافاً لما كان يفترضه الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تجاهل وجود هذه العقدة منذ البداية، أو قلل من شأنها، معتقداً بأنها لن تكون عقبة حقيقية أمام تشكيل الحكومة.
لكن، وبينما كان الحريري يتهيأ لعرض التشكيلة الحكومية النهائية على رئيس الجمهورية تمهيداً لولادتها رسمياً بعد توصله إلى تفاهم مع «القوات اللبنانية» على حصتها الوزارية، اكتشف أنه أخطأ في حساباته وأن مطلب توزير النواب السنة الستة من خارج «تيار المستقبل» ليس مزحة، بل هو شرط أساسي لإتمام الولادة.
وكانت «كتلة الوفاء للمقاومة» قد طرحت على الرئيس المكلف منذ بدايات تكليفه، وجوب تمثيل النواب الستة المتمايزين عن تياره، وتحديداً خلال لقائها به في إطار المشاورات الأولية التي أجراها في المجلس النيابي، وبالتالي فإن هذا المطلب ليس مستجداً أو مفتعلاً، إلا أن الحزب كان يتجنب المجاهرة به علناً وبصوت مرتفع، كي يسهل مهمة الحريري وحتى لا يُتهم بعرقلة التأليف.
وينطلق الرئيس نبيه بري و«حزب الله» في دعم موقف النواب الستة، من قاعدة أن من حقهم أن يتمثلوا بوزير في الحكومة المقبلة، ترجمة لنتائج الانتخابات النيابية التي أثبتت بالأرقام أنهم يملكون حيثية تمثيلية واضحة في الطائفة السنية لا يمكن تجاوزها، وأن تيار المستقبل لم يعد يحتكر تمثيل هذه الطائفة، «ثم إن مجلس الوزراء الذي هو مركز القرار يجب أن يعكس النسيج السياسي اللبناني استناداً إلى ما أفرزته تلك الانتخابات، وإلا أي معنى وقيمة لها إذا كان المطلوب القفز فوق حصيلتها وعدم الارتكاز عليها عند تكوين السلطة؟».
ولم يكتف «حزب الله» بمنح الغطاء السياسي والمعنوي لمطلب سنة «8 آذار»، بل هو امتنع عن تسليم الرئيس المكلف أسماء وزرائه، في رسالة حازمة وواضحة بأنه لا يمكن تشكيل الحكومة من دون أن تضم وزيراً سنياً مستقلاً عن «المستقبل».
رفض الحريري
يرفض الحريري الاستجابة لهذا الطرح، معتبراً أن النواب الستة ليسوا أصلاً كتلة مستقلة، قائمة بحد ذاتها، بل أن بعض أعضائها ينتمون إلى كتل موجودة أساساً، كالنائب الوليد سكرية المنخرط في «كتلة الوفاء للمقاومة» والنائب قاسم هاشم المنتمي إلى «كتلة التنمية والتحرير» والنائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد المشاركين في «التكتل المستقل» الذي يترأسه النائب طوني فرنجية. وما حصل من وجهة نظر الرئيس المكلف أنه جرى تجميع هؤلاء النواب الستة بعد الانتخابات بطريقة مصطنعة، على قاعدة «من كل وادٍ عصا»، لتبرير حصولهم على وزير وبالتالي إضعافه في الحكومة.
ويؤكد المطلعون على ما يدور في كواليس بيت الوسط أنه من المستحيل أن يبدل الحريري قراره، وأن موقفه حازم وحاسم، وهو قطعاً لن يقبل بتوزير السُنّة المتحالفين مع «حزب الله»، معتبرين أن أحداً لا يمكنه أن يفرض على الرئيس المكلف طريقة عمله، «إذ أن صلاحياته كرئيس مكلف واضحة في الدستور، وليس مقبولاً الانتقاص منها، وبالتالي فإن الرئيس ميشال عون، صاحب التوقيع الإلزامي على مراسيم التأليف، هو وحده من يحق له استخدام حق الفيتو، لا الحزب ولا غيره».
ويعتبر أحد المحيطين بالرئيس المكلف أن المطلوب، القبول بالحريري كما هو، وليس كما يريده البعض، ملاحظاً أن هناك من يتمسك ببقائه في رئاسة الحكومة، شرط أن يكون ضعيفاً ومكبلاً بقيود وزارية.
شركاء في الطائفة
من جهة أخرى، تعتبر مجموعة النواب الستة، أن موقف الحريري يعكس مكابرته ورفضه الاعتراف بالتنوع وبالواقع الجديد في الساحة السنية التي لم يعد «المستقبل» ممثلها الحصري وإنما أصبح له شركاء فيها، وهو ما يُرتب عليه تسديد فاتورة سياسية من جيبه، يسعى إلى تجنب دفعها، حتى لو تطلب ذلك استخدام سلاح التحريض المذهبي.
وتلفت تلك المجموعة إلى أن أرقام الانتخابات تعطيها المشروعية الكاملة لدخول الحكومة، إذ أن «المستقبل» يستحوذ على 17 مقعداً نيابياً من أصل 27 مخصصة للطائفة السنية، بينما نال المستقلون عنه 10 مقاعد توزعت على النواب الستة المتحالفين مع «حزب الله» و«حركة أمل»، وأربعة نواب آخرين هم نجيب ميقاتي وأسامة سعد وفؤاد مخزمي وبلال عبدالله.
وبينما كان يجري التداول باحتمال أن يسمي عون وزيراً سنياً «معارضاً» من حصته، لمعالجة العقدة المستجدة، فاجأ رئيس الجمهورية حليفه «حزب الله» بإعلانه عن تضامنه مع الحريري في اعتراضه على توزير أحد النواب الستة، لأن هؤلاء لا يشكلون كتلة واحدة، مشدداً على وجوب عدم إضعاف رئيس الحكومة وعدم السماح لـ«التكتكة» السياسية بالتغلب على الاستراتيجية الوطنية.
والأرجح، أن هذا الموقف الرئاسي سيعزز أوراق الحريري في مواجهة طرح الحزب، وسيدفعه إلى المزيد من التشدد في قراره بعدم توزير سنة «8 آذار»، علما أن هناك من يعتبر أن «حزب الله» معني بالخروج سريعاً من معممة الأخذ والرد حول هذه المسألة، لأنها تُرتب عوارض جانبية سلبية تضر به، من نوع إعادة استحضار التجاذب السني–الشيعي بحجة أن الثنائي الشيعي يتدخل في شؤون الطائفة السنية ويسعى إلى أن يفرض عليها وزيراً موالياً له.
وإضافة إلى ذلك، ليست لدى «حزب الله» مصلحة في الانزلاق إلى خلاف مع رئيس الجمهورية الذي يشكل حليفاً استراتيجياً للمقاومة ومدافعاً عنها في المحافل الدولية، لاسيما أن العقوبات الأميركية الإضافية والمتوقعة قريباً ضد الحزب تفرض عليه إعطاء الأولوية لتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة الضغوط المتزايدة عليه.
Leave a Reply