كمال ذبيان – «صدى الوطن»
قبل عام مرّ الرئيس سعد الحريري في محنة لا يحسد عليها حين تمّ استدعاؤه إلى المملكة العربية السعودية، ليقدّم استقالته من الحكومة في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٧، بذريعة أنها حكومة «حزب الله» في لبنان، وأن إيران استفادت منها في صراعها الإقليمي ضد الرياض، حتى أن مسؤولين إيرانيين صرحوا بأن بيروت هي من العواصم العربية الأربع التي للجمهورية الإسلامية الإيرانية نفوذ فيها.
جاء استدعاء الحريري إلى الرياض يومها، عقب لقاء جمعه في السراي الحكومي مع مستشار المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، الذي صرّح بأن القرار في لبنان هو لـ«حزب الله»، بالتزامن مع تقارير من حلفاء المملكة في لبنان، أبرزهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي استعجل قبول استقالة الحريري من الرياض، ومنسق قوى «14 آذار» سابقاً فارس سعيد، إلى رضوان السيد وغيرهم ممن حمّلوا الحريري مسؤولية سيطرة «حزب الله» على القرار والسماح له بانتخاب مرشحه العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية الذي استمر على موقفه المؤيّد للمقاومة وسلاحها.
مقتل خاشقجي
وبعد عام على استدعاء الحريري واحتجازه في السعودية التي أخرج منها بقرار دولي–إقليمي حرّكه الرئيس ميشال عون برفض استقالة رئيس الوزراء، فإن حدثاً ببصمة مماثلة، حصل في القنصلية السعودية في اسطنبول مطلع أكتوبر الماضي، بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، جاء ليؤكد مدى تهور أصحاب القرار الجدد في المملكة، ويذكر بحراجة موقف الحريري عندما كان محتجزاً في الرياض.
غير أن هذا الحدث الذي نال ضجة إعلامية كبرى، حشر هذه المرة، القيادة السعودية بالزاوية، وألحق بها وصمة يصعب إزالتها بسهولة، إذ أن المصير الذي آل إليه خاشقجي، كان يمكن أن يصل إليه الحريري في الرياض لولا احتفاظه بصفته الرسمية وتدخل الغرب لإنقاذه.
استياء من الحريري
وبالرغم من استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس الحريري الأسبوع الماضي في الرياض، أثناء مشاركته في مؤتمر «دافوس الصحراء» للاستثمار، ولقائه بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، فإن في المملكة استياء من الحريري الذي انتظر «جثة عدوه على ضفة النهر»، كما كان يتمنى وليد جنبلاط للنظام السوري في بداية الأزمة عام ٢٠١١، وهو ما كان ينتظره الحريري الذي لن يقدر على نسيان ما فعله محمد بن سلمان ومعاونوه به، بعد وصوله إلى الرياض العام الماضي، إذ تكشف التقارير المتواردة عن إذلال وضرب تعرّض لهما رئيس حكومة لبنان، من مسعود القحطاني المعاون الأمني لولي العهد إضافة إلى اللواء أحمد العسيري الذي يشغل منصب نائب مدير المخابرات السعودية، إذ بقّ الأوروبيون البحصة، قبل الحريري الذي لم يشأ أن يتحدث عن موضوع احتجازه، وتركه للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي أكّد بأن الحريري كان معتقلاً في السعودية، وأنه هو من أنقذه.
عتب على الحلفاء في لبنان
ولا يقتصر الغضب السعودي على الحريري الذي غاب عن التضامن مع السعودية في محنتها، بل يطال أيضاً الحلفاء في لبنان من قوى «14 آذار»، وعلى رأسهم سمير جعجع الذي نأى بنفسه عن قضية خاشقجي، وحيّد جنبلاط نفسه أيضاً عنها، وبقيت المملكة وحيدة من أي حليف لبناني يدافع عن فعلتها، ويقوم بزيارة سفارتها في بيروت ولقاء القائم بالأعمال وليد البخاري، النشيط عادة في العلاقات العامة، لكنه افتقد إلى الأصدقاء والحلفاء في الأيام الأخيرة، سوى من زيارة قام بها وزير الداخلية نهاد المشنوق وأعلن فيها عن تضامنه مع السعودية وملكها وولي عهدها وشعبها في المحنة التي تمر بها، لربما رأت فيه الرياض حليفاً شجاعاً لها، وهو نفسه الذي وقف ضدها خلال أزمة احتجاز الحريري.
ثلاثة أصناف
برأي مسؤولين سعوديين من أصحاب القرار، في لبنان ثلاثة أصناف من الحلفاء، الأول هو الصنف الذي يساير المملكة ليقبض فلوسها، ويعمل في السياسة لصالح أميركا، وصنف ثانٍ ينتظر التطورات ليعلن موقفه، أما الصنف الثالث فهو الذي بنى رهانه على «ربيع سعودي» يطيح بالحكام الحاليين، وهذا الصنف يقع اليوم في خانة الأعداء. ولا يدرك هؤلاء، أن المملكة –بما حصل مع مقتل الخاشقجي– تشبه سيارة تعرضت لحادث سير، فتضررت وأصيب ركابها بجروح، لكنها لم تنقلب وتتدهور ويفن ركابها، وما حصل مع المملكة وفق مسؤولين فيها، هو أنها أصيبت بأضرار جسيمة تعمل جاهدة على تضميدها، ولكنها ليست في العناية الفائقة أو في غيبوبة، كما يظن البعض.
السعودية أمام العاصفة
السعودية تعرّضت لعاصفة قوية فعلاً، وهي تنحني أمامها، وعلى الأرجح ستخرج منها وقد كشفت حلفاءها وأصدقاءها في لبنان. إذ فقط بعد أن أقرت المملكة بمقتل الخاشقجي، بدأت أصوات ومواقف تظهر دفاعاً عن المملكة التي توقعت تحركاً أكبر, من حلفائها، بالرد على الحملات التي تعرضت لها في كل أنحاء العالم، فلم تلقَ أحداً، بينما كان الجميع بانتظار ما تنقله وكالات الأنباء والمحطات العالمية.
يصف مسؤولون سعوديون, هؤلاء بأنهم «خفيفو العقول» وهو ما باحوا به إلى زوارهم من اللبنانيين، إذ كانوا ينتظرون من «تيار المستقبل» مثلاً أن يحرّك محازبيه وأنصاره، لا لتأييد مقتل الخاشقجي الذي أدانته المملكة وشجبته، وقرّرت محاسبة الفاعلين، بل للتصدي للحملة الإعلامية، حيث كان بإمكان الحريري أن يستفيد من صداقاته الدولية وتوظفيها إلى جانب المملكة في محنتها، حيث يُعرف الإنسان في الشدائد، ويظهر العدو من الصديق في المحن. وفي الساحة اللبنانية لم تكتشف المملكة حلفاء أوفياء لها في لبنان.
مواقف إيجابية من الخصوم
وبقدر ما يتحدث مسؤولون سعوديون عن أسفهم من حلفائهم في لبنان، فإنهم توقفوا أمام موقف خصومهم فيه، وفي مقدمهم «حزب الله» الذي لم يحرك «حملة إعلامية» ضد المملكة، وكان باستطاعته الانضمام إلى الجوقة العالمية. وقد رأى السعوديون في ذلك موقفاً إيجابياً، وهو ما لمسته المملكة أيضاً من سوريا التي ضخت السعودية فيها أموالاً طائلة لتجنيد المجموعات المسلحة وإسقاط النظام. لكن في أزمتها، تعاطت دمشق بعقلانية، ولم تشن حملة منظمة ضدها.
إعادة حسابات
ستعيد السعودية حساباتها في لبنان، فهي خرجت بقناعة أن لا حلفاء حقيقيين لها، يقفون معها في الشدة بل تركوها عند أول محنة حقيقية تتعرض لها، وهذا ما سيفتح باب تغيير العلاقة مع الأطراف اللبنانية، وفق ما يقرأ مطلعون على السياسة السعودية التي بدأت تشهد تراجعاً لها في المنطقة عموماً وفي لبنان خصوصاً.
إذ لا يمكن للمملكة إلا أن تقرأ في التغيرات الجيوسياسية التي حصلت سواء في سوريا أو العراق أو اليمن كما في لبنان الذي حصدت القوى الحليفة لإيران أو محور المقاومة 74 نائباً في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو ما أشار إليه قائد فيلق القدس في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني قبل أشهر، في إشارة واضحة للمملكة، بأنها لن تستطيع الاستئثار بالقرار في لبنان، فإما المشاركة فيه أو الانكفاء عنه، وقد جرى التعبير عنه بعد زيارة الحريري للرياض وعودته منها، وإقناع «القوات اللبنانية» بقبول ما يعرض عليها بعد تقديمها تنازلات، وهو ما قبل به جنبلاط أيضاً، ليصبح الحريري متحرراً من الضغط السعودي وهو ما سيترجم بحل آخر عقد تشكيل الحكومة بتوزير سنّي من «8 آذار».
Leave a Reply