عماد مرمل – «صدى الوطن»
نجا «مخيم المية ومية» الفلسطيني، المتاخم لمدينة صيدا في جنوب لبنان، من كمين أمني كان يهدد بأن يلقى مصير «نهر البارد» الذي دُمّر بالكامل. وقد استطاع «حزب الله» إخراج المخيم الجنوبي من النفق بفضل تسوية دقيقة، حُبكت خيوطها جيداً، وأفضت إلى خروج الأمين العام لحركة «أنصار الله» جمال سليمان من المية ومية، برفقة أقرباء زوجاته وأبنائه ومرافقيه، متوجهاً إلى بقعة لبنانية بقيت طي الكتمان، مع ترجيح أن تكون في محيط مدينة بيروت، وذلك كمرحلة انتقالية تمهد لانتقاله في وقت لاحق إلى سوريا.
وقد أصرت «حركة فتح» خلال مراحل الوساطة التي قادها «حزب الله» على ترحيل سليمان، بعدما اتهمته بتحمل المسؤولية عن الارتكابات المتراكمة في المخيم وصولاً إلى التسبب في اندلاع الاشتباكات مؤخراً بين «أنصار الله» و«فتح» التي خسرت عدداً من عناصرها نتيجة المعارك، ما زادها تصلباً في المطالبة بمغادرة سليمان، كشرط إلزامي للتهدئة وتثبيت وقف إطلاق النار.
دَين قديم
وكانت «فتح» قد فرضت حصاراً قاسياً على سليمان ومجموعته، في مربع ضيق، داخل المخيم بعدما تمكنت خلال المعارك من قضم بعض مواقعه، لينحصر تواجده في حيز جغرافي محدود، رُسمت حوله خطوط حمر، بعدما أبلغت قيادة «حزب الله» كل من يهمه الأمر، أن القضاء على جمال سليمان ممنوع وأنها لن تسمح بتصفيته بتاتاً.
وأتى موقف «حزب الله» الحاسم من باب رد الجميل لسليمان الذي كان قد وقف إلى جانب الحزب ورفده بالإمدادات أثناء فترة محاصرته في إقليم التفاح في أواخر الثمانينيات، متمرداً على قرار معاكس لـ«فتح» التي كان منخرطاً فيها آنذاك برتبة رائد، ففصلته من صفوفها لاحقاً، ليبادر في ما بعد إلى تشكيل حركته، مستظلاً برعاية الحليف اللبناني.
ولكن «حزب الله» بات يشعر مع مرور الوقت أن سليمان آخذ في التحول إلى عبء عليه، نتيجة تورطه في الكثير من الحوادث الدامية وصدور مذكرات توقيف بحقه من القضاء اللبناني، بحيث أصبح مطلوباً للجيش المتمركز حول مخيم المية ومية، ثم أتت المواجهة الأخيرة بين «فتح» و«أنصار الله» لتُفاقم الشعور بالحرج لدى الحزب الذي اتخذ قراراً بمعالجة متوازنة لظاهرة سليمان على قاعدة إخراجه من المخيم مع الإبقاء على وجود فصيله فيه، إنما بقيادة ابن شقيقته ماهر عويد المقبول من «فتح».
حل يرضي الأطراف
حظي هذا الحل بموافقة جميع القوى المعنية التي شعرت جميعها بأنها مستفيدة منه، إذ أن «فتح» تكون قد ظهرت منتصرة على الأرض، وحركة «أنصار الله» تكون قد ربحت استمراريتها، والفصائل الأخرى وفي طليعتها «حماس» تكون قد منعت تهجير سكان المخيم الذي يريد البعض حصوله في سياق السعي إلى تنفيذ «صفقة القرن»، والدولة اللبنانية تكون قد أعادت الاستقرار إلى المخيم وجواره اللبناني الممتد من بلدة المية ومية المسيحية إلى مدينة صيدا القريبة، و«حزب الله» يكون قد تمكن من إنقاذ سليمان وحماية فصيل فلسطيني حليف يشكل إزعاجاً لأكثر من جهة تعادي المقاومة.
تحت هذا السقف التسووي، تمت فجر الثلاثاء الماضي عملية إجلاء سليمان والمقربين اليه من داخل المخيم الذي دخلته مجموعة من السيارات عبر ممر يقع عند أطراف بلدة المية والمية، حيث جرى إنجاز المهمة بسلاسة، تحت إشراف مباشر من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا الذي كان على تنسيق مستمر مع الأجهزة الرسمية اللبنانية و«حماس»، إلى حين اكتمال رحلة الخروج.
الكرة في ملعب «فتح»
مع طي صفحة سليمان، تدحرجت الكرة إلى ملعب «فتح» التي يُفترض أن تلجأ تباعاً إلى تخفيف الظهور المسلح، وتسهيل عودة المهجرين، وتمكين مؤسسات «الأونروا» من إعادة فتح أبوابها، وإزالة مخلفات الاشتباكات من عبوات وقذائف غير منفجرة، وأبعد من كل ذلك ترميم الثقة بينها وبين «أنصار الله» لتحصين الاستقرار الفلسطيني.
ولعل الأهم في الاتفاق المطبق، يكمن في مردوده الإجمالي على القضية الفلسطينية، إذ أنه حال دون التمادي في بعثرة اللاجئين المقيمين في مخيم المية ومية ودفعهم نحو الهجرة إلى خارج لبنان، أسوة بمئات العائلات الفلسطينية التي غادرت المخيمات باتجاه دول أوروبية. ولو استمر النزف البشري في المية ومية لكان المخيم قد بات مسرحاً للأشباح، ما يخدم المخطط الرامي إلى تنفيذ صفقة القرن التي يتطلب تهريبها, تفتيت تجمعات اللجوء الفلسطيني، بغية إضعاف إحدى الرموز الحيوية للقضية وتسهيل تصفية الحقوق المشروعة.
Leave a Reply