إرباك في إسرائيل
نبيل هيثم – «صدى الوطن»
استقالة أفيغدور ليبرمان، زوبعة في فنجان انتخابي. هكذا يقارب الإسرائيليون الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها وزير الدفاع الإسرائيلي بانسحابه، وحزبه المسمّى «إسرائيل بيتنا»، من الائتلاف الحكومي بقيادة حزب «الليكود» وزعيمه بنيامين نتنياهو.
ثمة جانب من الحقيقة في هذا التقدير. فالائتلاف اليميني الحاكم لا يزال قادراً على الصمود أمام دعوات الانتخابات المبكرة والفوز بها في حال تقررت إقامتها، فانسحاب النواب الخمسة التابعين لحزب ليبرمان، لا يفقد نتنياهو الغالبية البرلمانية في الكنيست (61 نائباً من أصل ١٢٠)، وإن كان سيظل محكوماً بضغوط الأحزاب اليمينية الأخرى، وعلى رأسها «البيت اليهودي» الذي يطالب زعيمه نفتالي بينيت بمنصب وزير الدفاع.
في مطلق الأحوال، سيسعى «الليكود» للحفاظ على الائتلاف الحكومي القائم. صحيح أن الأجواء العامة في إسرائيل تشي بأن ثمة محاولات جدية يبذلها رئيس الحكومة الإسرائيلي لتجنّب الذهاب من «دلفة» ليبرمان إلى «مزراب» بينيت، عبر تسوية تسمح لنتنياهو بالجمع بين منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، تجنّباً لصراع «الصقور» الذي يسعى لتجنّبه، قبل عام من موعد الانتخابات العامة.
ومع ذلك، ثمة في إسرائيل من يتحدث عن أسوأ الخيارات، وهو الخضوع للمطالب الابتزازية، والقبول بإسناد حقيبة وزارة الدفاع لنفتالي بينيت، والسعي، خلال ما تبقى من عمر الحكومة الإسرائيلية الحالية، لاحتوائه، تماماً كما جرى خلال السنوات الماضية مع ليبرمان الذي لم يتمكن من ترجمة خطابه الشعبوي في التوجهات الحكومية التي تتجاوز حيثياتها صراعات الداخل.
وأيّاً تكن حال السياسة داخل الأراضي المحتلة، فإنّ ثمة حقيقة راسخة، أقرّ بها الكل في إسرائيل، وهي أنّ المقاومة الفلسطينية هزمت ليبرمان ومعه خطابه التصعيدي.
غزة تحرج اليمين
خروج وزير الدفاع الإسرائيلي من الحكومة، بعد التهدئة التي تمّ التوصل إليها بين الفصائل الفلسطينية ودولة الاحتلال بوساطة مصرية الأسبوع الماضي، كان مؤشراً واضحاً على أن غزة باتت قادرة في فرض معادلتها على الداخل الإسرائيلي.
كان واضحاً منذ اللحظة الأولى أن التصعيد الإسرائيلي تجاه القطاع المحاصر، لن يكون على مستوى الخطاب الشعبوي لشخص مثل أفيغدور ليبرمان. فالتقديرات العسكرية والأمنية لم تكن تقبل بالذهاب إلى مغامرة عسكرية جديدة يريدها صقور الائتلاف الحاكم، فلا الظرف العسكري ملائم، ولا المناخ الدولي مؤاتٍ لإشعال نيران لن تقتصر ألسنتها على المستوطنات في «غلاف غزة».
في الواقع، تبدو غزة اليوم أكثر جرأة وقدرة على المواجهة من أيّ وقت مضى.
على المستوى العسكري، بدا واضحاً أن سنوات الحصار والخنق لم تكسر المقاومين. ولا أدلّ على ذلك من «هجوم العلم» الذي استدرجت فيه المقاومة الفلسطينية جنود الاحتلال إلى كمين محكم، نُفّذ بأعلى درجة من الاحترافية، وكان مؤشراً أولياً على ما يمكن أن تؤول إليه الحال في حال اختارت القيادة الإسرائيلية الذهاب بعيداً في التصعيد، فيما كانت مئات صواريخ فصائل المقاومة تخترق القبة الحديدية ومستوطنات الغلاف.
أما على المستوى السياسي، فإنّ ثمة نقاطاً عدّة يبدو أن المقاومة الفلسطينية قد أحسنت قراءتها للتركيز على أوراق القوة في المواجهة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي.
أول تلك النقاط، المناخ السائد في إسرائيل بشأن خطورة الانجرار نحو مواجهة عسكرية غير متوقعة النتائج، قبل عام على إجراء الانتخابات العامة، خصوصاً أن التجارب السابقة في شن الحروب البرية على غزة، وقبلها على لبنان، جرّت هزائم متتالية لمتخذي قرار الحرب في تل أبيب.
هذا الأمر هو جوهر الهواجس السياسية الداخلية التي تمنع نتنياهو من الذهاب إلى مغامرة كتلك التي ذهب إليها في السابق إيهود أولمرت أو إيهود باراك أو شمعون بيريز، علماً بأنّ هذه الهواجس تكتسب أهمية خاصة لدى نتنياهو بالذات، الطامح إلى كسر الرقم القياسي لديفيد بن غوريون نفسه، في عدد سنوات الحكم.
غير أن سلوك أفيغدور ليبرمان طريق «الشعبوية» في استقالته، التي يمكن استثمارها في الانتخابات المقبلة، خصوصاً عبر العزف على وتر مشاعر الجمهور الإسرائيلي في المستوطنات الجنوبية الغاضبة على الحكومة، لعدم توفير الأمن لها، قد يكون له تأثير محدود على الكتل.
أما على النطاق الأوسع، لا يبدو نتنياهو راغباً في أيّ تشويش على ما يعتبره انتصارات لسياساته الاقليمية، والتي تمثلت خلال الفترة الماضية بقطار التطبيع الذي قاده شخصياً إلى سلطنة عمان، وقاد وزراءه إلى دول خليجية أخرى.
ماذا عن واشنطن؟
في السياق ذاته، لا يبدو أن ثمة ضوءاً أخضراً، ولا حتى أصفراً، من قبل الولايات المتحدة للذهاب إلى تصعيد كبير، خصوصاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال راغباً في اختبار سياسة العقوبات الاقتصادية، وهي سياسة يتماهى معها نتنياهو، لا بل إنه أكثر المحرّضين عليها، علاوة على أنّ سيّد البيت الأبيض، الخارج للتو من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، يقترب من أن يفتح معركته الرئاسية الجديدة، ولا يبدو بالتالي راغباً في الانجرار وراء أيّ صداع خارجي يمكن تفاديه.
يضاف إلى ما سبق أن التنافس الروسي–الأميركي في الشرق الأوسط، وما حققته روسيا من مكاسب جيوسياسية في المشرق العربي خصوصاً خلال الفترة الماضية، يجعل أية مغامرة عسكرية، محكومة باعتبارات كثيرة، سواء تعلق الأمر بتهديد مباشر من قبل القيادة الروسية لما تعتبره مساً بالأمن الإقليمي، أو رغبة من قبل واشنطن في عدم إعطاء تمريرة جيوسياسية جديدة لموسكو، تمكّن الأخيرة من لعب دور الوسيط الفاعل في النزاعات المقبلة، طالما أن الولايات المتحدة أخرجت نفسها من دور الوساطة، بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وامتداداً لما سبق، فقد يكون خروج ليبرمان من الحكومة الإسرائيلية مخرجاً لبنيامين نتنياهو لترميم علاقته المتصدعة مع روسيا، بعد حادثة إسقاط طائرة «إيليوشين» في السماء السورية، خصوصاً أن وزير الدفاع المستقيل كان من بين أكثر المحرّضين على التصعيد في الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، لا بل إن كثيرين يرون أنه المسؤول المباشر عن الخسائر التي تكبّدتها إسرائيل في سياساتها الخارجية خلال الفترة الماضية.
من المؤكد، والحال هكذا، أن ما جرى على جبهة غزة، قبل أيام، سينسحب على باقي الجبهات خلال الفترة المقبلة، بما في ذلك على لبنان، حيث يفترض أن تمارس الولايات المتحدة وإسرائيل أقصى الضغوط ضد «حزب الله»، من خلال سياسة العقوبات حصراً، بصرف النظر عن التهديدات بالقيام بعمل عسكري، يدرك القاصي والداني أن قراره لم يعد بيد واشنطن وتل أبيب وحدهما.
إلا في حال الذهاب إلى انتخابات مبكرة،يمكن توقع استمرار هذه السياسة حتى انتخابات الكنيست المقبلة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، التي بدورها يمكن أن تفضي إلى نتيجتين، إما التجديد لبنيامين نتنياهو، لتتجه الأمور بالتالي في فترة شد وجذب، مع بدء العد العكسي لانتخابات الرئاسة الأميركية، وإماّ فوز ليبرمان، على رأس تحالف الشعبويين–المستوطنين، فتصبح عند ذلك في إسرائيل حكومة حرب، لتبدأ معها قواعد اللعبة في التغير على نحو أكثر تهوّراً، خصوصاً أن القرار الإسرائيلي لن يكون حينها في أيدي نخبة سياسية–عسكرية، بل في أيدي بلطجيين، على رأسهم من اعتلى المنصب من بوابة «بلطجة» الأندية الليلية في لاتفيا.
جولة غزة المقتضبة: صمود المقاومة .. و«استسلام» إسرائيل
غزة – استقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان احتجاجاً على قبول هدنة لإنهاء يومين من القتال مع الفصائل الفلسطينية في غزة التي نجحت في فرض توازن عسكري بإمطارها لمستوطنات، بمئات الصواريخ وتصديها لتوغلات برية إسرائيلية.
وأدان ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، وقف إطلاق النار ووصفه بأنه «استسلام للإرهاب».
وانتقد ليبرمان أيضاً مساعي التوصل لهدنة طويلة الأجل مع «حماس». وأضاف «ما نفعله الآن كدولة هو شراء الهدوء على المدى القصير، لكننا سندفع على المدى البعيد ثمناً ونتكبد ضرراً بالغاً على مستوى الأمن القومي».
وتابع أن حزبه سينسحب كذلك من الائتلاف الحاكم، مما يعني أن حكومة بنيامين نتنياهو ستكون لديها غالبية بمقعد واحد في البرلمان.
وكان يفترض أن تجرى انتخابات الكنيست في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، لكن استقالة ليبرمان ستزيد من احتمال إجراء انتخابات مبكرة.
وشهدت الجولة العسكرية المقتضبة التي اندلعت مساء الأحد الماضي مع قطاع غزة، إطلاق الفصائل الفلسطينية 460 صاروخاً صوب إسرائيل فيما قصف قوات الاحتلال 160 هدفاً في غزة، التي سجلت ظهوراً جديداً لصاروخ «الكورنيت» المضاد للآليات والكفيل بالتصدي لأي توغل بري في القطاع المحاصر، بعدما استهدف صاروخ موجّه حافلةً كانت تقل جنوداً إسرائيليين موقعاً إصابات في صفوفها.
ودافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قرار وقف إطلاق النار وقال إنه «في وقت الطوارئ، عندما نتخذ قرارات حيوية للأمن، لا يمكن للرأي العام دوماً أن يكون مطلعاً على الاعتبارات التي يجب ألا يطلع عليها العدو».
عمت البهجة، القطاع، بعد استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي التي أربكت الائتلاف الحاكم في إسرائيل.
وشاركت أعداد كبيرة من الفلسطينيين الأربعاء الماضي في مسيرات تشييع الشهداء والابتهاج باستقالة ليبرمان، بعد يوم من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وأصدرت فصائل المقاومة، ومن بينها حماس التي تدير القطاع المحاصر، بياناً مشتركاً في وقت سابق أعلنت فيه الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية. وقالت حماس إنها ستلتزم بوقف إطلاق للنار، إذا التزمت به إسرائيل.
Leave a Reply