كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يرفع «حزب الله» شعار «الوفاء للحلفاء»، وهو ما اعتمده في انتخابات رئاسة الجمهورية، بدعمه لترشيح العماد ميشال عون الذي لم تعقد جلسة مجلس النواب إلا لإنتخابه، بعد عامين ونصف العام من الإنتظار، وكان «لحزب الله» ما أراد، واضطر الرئيس سعد الحريري، إلى أن ينسج تسوية مع «التيار الوطني الحر»، أوصلت العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن سقط خيار ترشيح «تيار المردة» سليمان فرنجية الحليف الاستراتيجي لـ«حزب الله» أيضاً، وصديق الرئيس السوري بشار الأسد، وحظي بدعم الرئيس نبيه برّي ووليد جنبلاط.
التمسّك «بالنواب السُّنّة المستقلين»
وكما مارس «حزب الله» الوفاء مع العماد عون، الشريك بتفاهم مار مخايل مع أمينه العام السيد حسن نصرالله، فإنه لن يبخل بالوفاء مع «النواب السُنّة المستقلين» الذين يقفون مع المقاومة عن قناعة، ومؤمنين بالعروبة، وملتزمين بقضية فلسطين، وهم بهذا المعنى حلفاء طبيعيون لـ«حزب الله» الذي أعلن أنه لن يترك حلفاءه، وهم لم يتركوه في أصعب الظروف منذ عام 2005، إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حين انقسم لبنان بين خطين ونهجين حيث تجمّعت أحزاب وطنية وإسلامية في ساحة رياض الصلح تشكر سوريا في «8 آذار»، وردّت عليها قوى ما سمي بـ«لقاء البريستول» بتظاهرة ضخمة في «14 آذار»، وكان الفرز بين مَن هو مع المقاومة وحليفتيها سوريا وإيران، ومَن هو في الموقع المضاد بجانب السياسة الأميركية وحلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية.
حتى قيام الساعة
أسفرت الانتخابات النيابية التي جرت في أيار الماضي، وفقاً لقانون انتخاب جديد اعتمد النسبية، عن نتائج صبت في صالح نواب سُنّة من خارج «تيار المستقبل» وبلغ عددهم عشرة. ستة منهم اجتمعوا في «لقاء تشاوري»، وخرجوا بكتلة نيابية وُلدت متأخرة بعد الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلّف، وهو التبرير الذي يستند إليه الحريري في رفضه لتمثيلهم في الحكومة، وهو كذلك ما يوافقه عليه الرأي رئيس الجمهورية الذي اعتبرهم ليسوا كتلة واحدة، علماً بأن أعضاء في لقاء «النواب السُنّة المستقلين» أعلنوا أن الرئيس عون هو مَن دعاهم وشجعهم على أن يكونوا كتلة نيابية، حتى يتم توزير أحدهم، إلا أنه تراجع عن ذلك، مما قوّى موقف الحريري المتصلّب الذي اطمأنّ لتوافقه مع رئيس الجمهورية الذي يمكنه إصدار مراسيم تشكيل الحكومة بمن حضر. لكن «حزب الله» فاجأ الجميع بأنه لم يرسل لقصر بعبدا أسماء وزرائه، قبل إنصاف سُنة «8 آذار»، فرفض الرئيس المكلف وسافر إلى الخارج.
كان رد «حزب الله» في مناسبة «يوم الشهيد»، حيث ألقى السيد نصرالله خطاباً أعلن فيه عن تمسكه «حتى قيام الساعة» بتوزير سُنّي من «8 آذار» وتحديداً «اللقاء التشاوري»، وهو بذلك رفع السقف عالياً، وبات على الرئيس المكلّف أن يسعى إلى حل لهذه العقدة التي تجاهلها لأشهر، متعاطياً معها بعدم جدية.
موقف نصرالله التصعيدي لم يكن مفاجئاً، إذ سبق «لحزب الله» أن أبلغ الرئيس الحريري، بأن عليه أن يأخذ في عين الاعتبار توزير سُني من خارج «المستقبل» لكنه رفض معللاً ذلك، بأن أربعة فقط هم خارج كتل نيابية، وهم: عبدالرحيم مراد، أسامة سعد، عدنان طرابلسي وفؤاد مخزومي، وهؤلاء ليسوا في كتلة واحدة.
أما وأن ستة نواب تجمعوا في كتلة واحدة، يرى الحريري أن ما حصل هو افتعال أزمة يقف وراءها «حزب الله» الذي يحمّله الحريري مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة ومنع صدور مراسيمها، مما يساهم في تدهور الوضع الاقتصادي، وهو الكلام الذي صدر عن جنبلاط الذي حمّل «حزب الله» مسؤولية الانهيار الاقتصادي واقتراب المواطنين من حالة الجوع وليس الفقر، حيث ردّ عليه السيد نصرالله بكثير من الشدة والقسوة، بأن يقرأ جيداً، وأن تكون «انتيناته» تلتقط تطورات الأحداث، فيما يراهن جنبلاط على «حدث ما»، يغيّر المعادلة الداخلية ويخفّف من وطأة «حزب الله» على الساحة اللبنانية.
الحريري لم يصعّد
انتظر اللبنانيون رد الرئيس الحريري العائد من باريس، فبقّ البحصة في مؤتمر صحفي حول تشكيل الحكومة… دون أن يأتي بجديد، سوى تأكيد تمسكه برفض توزير أحد «النواب السُنّة المستقلين»، لأنهم ليسوا كتلة واحدة، وأنه كان ليقبل بهم، لو خاضوا الانتخابات ككتلة واحدة، أو تحالف انتخابي، مؤكداً أنه لا يمارس الأحادية السُنّية، بل هو أعطى الرئيس عون وزيراً سُنّياً، كما أنه لم يمانع من توزير سُنّي من كتلة الرئيس نجيب ميقاتي.
تكرير الحريري لموقفه وعدم لجوئه إلى التصعيد ضد «حزب الله» مردّه إلى تمسكه برئاسة الحكومة التي باتت الحصن الأخير لنفوذه السياسي، كما تعينه على تجاوز أزمته المالية، إضافة إلى أنه يعرف بأن لا أحد يطلب اعتذاره، أو يضغط عليه كي يخرجه من رئاسة الحكومة، وقد سبق له وأن اعتذر عن تشكيلها عام 2009 قبل أن يعود عن اعتذاره ليؤلف حكومة، بعد مصالحة سوريا والسعودية (السين–سين)
فالحريري لن يعتذر هذه المرة، ولا «حزب الله» يدفع باتجاه اعتذاره، وهذا ما يبرر المرونة في الإبقاء على التواصل بينهما.
باب التسوية
عدم لجوء الحريري إلى التصعيد، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الحزب لتسوية حكومية، على غرار التسوية الرئاسية، حيث بدأ الحريري متشدداً في قبول مرشح «حزب الله» أو «8 آذار»، ليتبنى لاحقاً ترشيح سليمان فرنجية ثم العماد ميشال عون، وهو لذلك لم يشأ أن يغلق الأبواب أمام «التسوية» التي لطالما اشتهر بها لبنان، والسياسيون اللبنانيون وغير اللبنانيين، سواء داخلياً أو خارجياً.
فباب التسوية لازال مفتوحاً على تشكيل الحكومة، لاسيما وأن رئيس الجمهورية دخل على خط «الحل الوسط» لما بات يعرف بـ«العقدة السُنّية».
ويحاول الرئيس عون فك عقدة التمثيل السُنّي قبل أن تتحول إلى صراع سُنّي–شيعي، مع دخول «حزب الله» على خط الأزمة التي اعتبرها الحريري مفتعلة، محمّلاً الحزب مسؤولية عرقلة ولادة «حكومة العهد الأولى»، وتاركاً في الوقت عينه لرئيس الجمهورية حلّ هذة العقدة، بحكم علاقته الإيجابية مع «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصرالله.
بناءً عليه، كلف الوزير جبران باسيل بمهمة إيجاد حلول–مخارج، ومنع الإنزلاق نحو فتنة مذهبية من بوابة تمثيل «النواب السُنّة المستقلين». أما الحل المقترح الذي قدمه باسيل، فهو عدم تمثيل سنّة «8 آذار» من النواب المستقلين، على أن يتم التوافق على شخصية مؤمنة بخط المقاومة ولا تستفز الحريري وتحظى بموافقته مع تركيز العمل على التهدئة والحفاظ على الاستقرار واستنباط حلّ لا يُكسر فيه أحد.
لكن في المقابل، يصرّ «حزب الله» على موقفه المؤيّد بتوزير أحد النواب السُنّة، إذ كان في تشكيل الحكومات السابقة يتنازل من حصته أو من حصّة حركة «أمل»، أما في هذه الحكومة فالتمثيل سيكون سُنّياً من «8 آذار»، ولن يحصل العكس… والكرة في ملعب الحريري.
Leave a Reply