ديربورن – «صدى الوطن»
يشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ، حيث يحتاج أكثر من 22 مليون شخص، أي 60 بالمئة من إجمالي السكان، للمساعدات العاجلة في توفير الطعام والشراب والملبس والمأوى، بحسب الأمم المتحدة.
ومع التصعيد المستمر للصراع المسلح، تزداد أعداد الضحايا والمصابين والمهجرين والمشردين الذين يجدون أنفسهم عرضة للفاقة والأمراض الفتاكة، وفي مقدمتها وباء الكوليرا الذي أودى –العام الماضي– بحياة آلاف اليمنيين، لاسيما من الأطفال وكبار السن، هذا في الوقت الذي تبدو فيه الجهود الدولية عاجزة عن تطويق الكارثة الإنسانية التي تزداد عمقاً واتساعاً بمرور الأيام.
هذا الواقع المأساوي، الذي يبدو عصياً على الاحتمال، وعلى الفهم في بعض الأحيان، دفع بعض المؤسسات العربية والإسلامية في منطقة ديترويت إلى أخذ زمام المبادرة وتكثيف الجهود لمساعدة المنكوبين في اليمن. وما بدت أنها مجرد بداية خجولة ومتواضعة، سرعان ما اتضح من نتائجها أنها فاقت التوقعات.
«رحمة»
البداية كانت مع مؤسسة «رحمة للإغاثة» التي بادرت –قبل نحو ثلاثة أسابيع– إلى إطلاق حملة لجمع الملابس الشتوية وإرسال حاوية شحن واحدة (كونتينر بطول 40 قدماً) لمساعدة ما تيسر من اليمنيين على أبواب البرد القارس، ولكن إسراع أبناء الجالية العربية وإقبالهم الكثيف على مد يد العون لأشقائهم الذين تقطعت بهم السبل، أسفر –وخلال عشرين يوماً– عن تجهيز خمس حاويات من المعاطف والبطانيات والأحذية، إضافة إلى القرطاسية والمعدات الطبية وغيرها من المواد الضرورية الأخرى.
وفي هذا السياق، أشاد مدير مكتب منظمة «رحمة للإغاثة» بديترويت أحمد الحلبي، بكرم المتبرعين الذين فاجأوا المنظمين والمتطوعين، على حد سواء. وقال: «في البداية، أطلقنا مبادرة لإرسال حاوية مساعدات للمنكوبين في اليمن، ولكن الحجم الهائل للتبرعات دفعنا إلى إرسال حاوية ثانية وثالثة ورابعة وخامسة»، مضيفاً: «ونحن الآن بصدد الإعداد لإرسال كونتينر سادس، وكلنا في أمل أن نكون قد ساهمنا ولو بجزء من واجبنا الأخلاقي والإنساني».
منظمة «رحمة للإغاثة» تأسست في 2014 لمساعدة المهجرين السوريين في لبنان والأردن وتركيا، ولكن مع انحسار الأزمة السورية في الآونة الأخيرة، بادر القائمون على المؤسسة الوليدة إلى العمل لمساعدة ضحايا الحرب والحصار في اليمن. وفي هذا السياق، أكد الحلبي: «اليمنيون كالسوريين والعراقيين وباقي الشعوب العربية هم أهلنا، ونحن كمؤسسة إنسانية معنيون بمساعدة المحتاجين بغض النظر عن أصولهم القومية وانتماءاتهم الدينية».
في ظل تعدد الأزمات والكوارث في البلدان العربية، تزداد الحاجة إلى دعم المتبرعين والمحسنين، خاصة في المهاجر الأوروبية والأميركية، غير أن التشكيك بوصول المساعدات إلى الجهات المستحقة، لاسيما في البلدان المحاصرة، دفع الكثيرين إلى التراجع والإحجام عن التبرع.
وفي هذا الصدد، يؤكد الحلبي لـ«صدى الوطن» أن «رحمة للإغاثة» افتتحت مكتباً لها في مدينة المكلا اليمنية لضمان وصول التبرعات لمن يستحقها. ويقوم المكتب بالتعاون مع المنظمات المحلية لإيصال المساعدات إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها، من منطلق المثل القائل: «أهل مكة أدرى بشعابها».
تبرعات سخية
وكانت المؤسسة الإنسانية قد تواصلت مع «الجمعية الإسلامية الأميركية» بديربورن (مسجد ديكس) من أجل التنسيق في جمع التبرعات وتوضيبها قبل شحنها إلى اليمن. وخلال ثلاثة أسابيع تحول المسجد إلى خلية نحل وغدا مقصداً لعشرات المتطوعين والمتبرعين، وكذلك المحسنين الذين تقاطروا من مدن ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك وديترويت، حتى أن البعض أتى من ولاية أوهايو، بحسب ما أكد نائب رئيس «الجمعية الإسلامية الأميركية» خالد الواقدي، الذي أضاف: «كانت الخطة تقتضي مبدئياً تجهيز مستوعب واحد خلال ثلاثة أيام، بدءاً من 10 تشرين الثاني (نوفمبر)، ولكننا تمكننا من إنجاز الهدف خلال أربع ساعات، بسبب الإقبال المنقطع النظير على تقديم التبرعات».
وأشار الواقدي إلى أن المتبرعين كانوا من جميع الأطياف والجنسيات العربية، فكان بينهم «اليمنيون والسوريون واللبنانيون والعراقيون والفلسطينيون، كما كان بعضهم من الأميركيين المسلمين وغير المسلمين».
وأضاف «لقد دفعنا حجم التبرعات الكبير إلى استعمال بعض الغرف والممرات في المسجد» مشيراً إلى أن التبرعات ضمت بشكل أساسي مستلزمات الشتاء من «البطانيات والأغطية والملابس والأحذية»، وأكد أن «معظمها كان جديداً أو مستعملاً نظيفاً».
وقال «إن مجموعة صغيرة من المحسنين تبرعوا بـ600 بطانية جديدة، و500 جاكيت ومعطف، وجميعها من نوعيات جيدة وتحمل ماركات معروفة عالمياً».
ولم يبد الواقدي دهشته للإقبال الكبير على مد يد العون والإحسان للفقراء والمحتاجين، لافتاً إلى أن «شعبنا طيب ومعطاء، ولا يتوانى عن تقديم المساعدة للمحتاجين». وأشار إلى أن «مسجد ديكس» كان على الدوام «مواظباً على أفعال الخير، على مدى العقود الماضية، وحتى قبل اندلاع الأزمة اليمنية، كما كان على الدوام متفاعلاً مع كل الجهود الطيبة في هذا المضمار».
وحول التعاون مع «رحمة للإغاثة»، قال: «نحن نرحب بأية جهود لخدمة الفقراء والمحتاجين بغض النظر عن مصدرها، ومسجدنا هو بالدرجة الأولى مؤسسة دينية ودعوية، وليس منظمة إغاثية، ولكننا كنا على الدوام حريصين على العمل مع المؤسسات الخيرية الأميركية التي لا بد أن تكون قانونية ومرخصة».
تعاون جماعي
من جانبه، أشار مساعد إمام «مسجد ديكس» صالح الحاج إلى أن الحجم غير المتوقع للتبرعات استلزم جمع أموال نقدية لتأمين تكاليف الشحن، حيث يكلف شحن المستوعب الواحد إلى اليمن حوالي خمسة آلاف دولار، مثنياً في هذا السياق على تبرع البعض بالأموال المطلوبة لتأمين تكاليف الشحن.
وعزا الحجم الكبير للتبرعات إلى «حجم المأساة اليمنية التي ساهمت مواقع السوشال ميديا في نشر أخبارها حول العالم، وكذلك إلى تكاتف جهود الناشطين في العديد من المؤسسات العربية والإسلامية في منطقة مترو ديترويت».
تجدر الإشارة إلى أن «المركز الإسلامي في أميركا» كان أيضاً بين المؤسسات التي شاركت في جمع التبرعات العينية لإرسالها إلى اليمن. وفي هذا السياق، أكد صاحب شركة «ميدوست رايسكلينغ» عبدالله (آبي) هاشم أنه قام بمساعدة «المركز» عبر توفير الشاحنات لجمع المساعدات، مشيراً إلى أن التبرعات شملت 1000 بطانية و7000 زوج من الأحذية، إضافة إلى 3000 قطعة من الملابس الشتوية، و3000 قبعة صوفية، وكذلك حفاضات للأطفال، وعكاكيز وأدوات لمساعدة مصابي الحروب. وقال: «نتوقع أن ترسل هذه التبرعات خلال الفترة القليلة القادمة».
الناشطة الأميركية ماريا قباني، ساهمت أيضاً بتقديم شحنة (باليت) من مواد القرطاسية لإرسالها إلى الطلاب اليمنيين الذين يفتقرون إلى الأدوات المدرسية بكافة أشكالها، من كتب ودفاتر وأدوات وحقائب وغيرها، بحسب ما أكدت لـ«صدى الوطن».
قباني التي أطلقت قبل عامين مؤسسة خيرية باسم «أيتام الحروب» في ديربورن، اشتلمت جهودها على مساعدة المهجرين في البلدان العربية وكذلك اللاجئين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة.
وبحسب ما أشارت، فإن التبرعات التي قدمتها عبر «مسجد ديكس»، كان قد تبرع بها شخص سوري من مدينة شيكاغو من أجل إرسالها للأطفال السوريين المهجرين، ولكن بسبب عدم قدرتها على استصدار تصريح من السلطات الأميركية لإرسالها إلى سوريا، فقد ارتأت تقديم تلك التبرعات إلى أطفال اليمن. وقالت: «المهم، أن تصل المواد إلى من يحتاجها، وإلى من لا يستطيع الحصول عليها».
ودعت قباني، المؤسسات والمنظمات العربية والإسلامية الأميركية في منطقة ديترويت الكبرى إلى التنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات الإنسانية سواء في الولايات المتحدة أو في العالمين العربي والإسلامي، مشيرة بهذا الصدد إلى أن منظمتها غير الربحية تتكفل بحوالي 150 طفلاً مسلماً، بينهم سوريون وعراقيون وأفغانيون إضافة لأطفال من ميانمار.
وأشارت إلى أن «أيتام الحروب» أطلقت حملة لجمع التبرعات لمساعدة الأطفال المسلمين في منطقة مترو ديترويت، لافتة إلى أنه يمكن التبرع للمنظمة مباشرة، أو عبر الموقع الالكتروني: orphansofwarusa.org
Leave a Reply