مريم شهاب
أشكر الله أني تربيت في بيتٍ قروي بسيط وعلى ضوء السراج البسيط ورائحة الكاز والفتيلة والطبلية الخشبية.
هناك تعلمت فك الحروف وتجميعها من خلال الكتب القليلة وورق الجرائد. تعلمت الأرقام والعمليات الحسابية البسيطة، حيث كنت «البوك كيبر» للمرحوم أبي، حين يحاول تدوير المدخول والمصروف المالي الشحيح. شيئاً فشيئاً أصبحت القراءة نعمتي الكبرى التي فقدها الجيل الحديث، حيث أصبح الكتاب في متناوله ولا يمد يده إليه، لأن الآيفون جعل حواس القراءة تضمر كما جعل الذاكرة تعتمد على الشاشة الضوئية.
أشكر الله أيضاً على أنني عشقت في زمن كان الأدب والشعر مبشراً بأحلام واسعة، حتى ولو فشلت على أرض الواقع، لكن كان مشحوناً بعذوبة وصدق وحقيقة. كانت الستينات سنوات مدّ ثوري شمل العديد من أنحاء العالم البائسة، وأيقظ ملايين البشر فعلا زئير حناجر الشعوب المقهورة: «يا كل العالم فلتسمع».
أشكر الله على أيضاً، أنني وعيت على مثقفين حقيقيين كانت مهمتهم هدم الموروث البالي وإعادة بناء عقل ووجدان الأمة العربية وإضاءة السبل أمامها. الآن ممنوع أن تقول الأمة العربية. ربما كانت مهمة مستحيلة، ربما كانت حلماً. اشتغل الكثيرون لأن يكون عملاً محسوساً يولد بشراً ذوي كرامة.
أشكر الله أنني عشت في زمن كان فيه الفن راقياً. الفن بكل أشكاله؛ سينما ومسرح وغناء. حتى المراثي والأذكار والمدائح النبوية والدينية. كان المولد النبوي الشريف الذي نعيشه هذه الأيام، مناسبة للاحتفال بسموّ ورقيّ تتجدد معه نفحة الإيمان بالله وبحب الرسول الذي أخرج العرب من الظلمات إلى النور، بالتمسك بمبادىء الأخلاق والرحمة.
أشكر الله لأنني أنسانة مسلمة، أؤمن بالله إيماناً غامراً يمنحني القوة للمحبة والتسامح بالرغم من صعوبة الأحوال التي نعيشها من اختلاط القيم وانهيار المفاهيم تحت سطوة الإعلام الليبرالي من جهة والديني المتعصب من جهة أخرى في زمن الفن المبتذل في عالم تعمه فوضى الاستهلاك…
لا لن أفقد الأمل بأن أمتنا حقيقة قائمة، وأن فيها مخلصين قادرين على التضحية والمزيد من العطاء. أتمنى للحبايب جميعاً عيد مولد مبارك وعيد شكر سعيد!
Leave a Reply