سارة كومينك – «صدى الوطن»
اُختيرت مدعي عام مقاطعة وين كيم وورذي إلى جانب الطبيبة العربية الأميركية منى حنا عتيشا للانضمام إلى «قاعة مشاهير نساء ميشيغن» بالعاصمة لانسنغ، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وورذي، المعروفة بعلاقاتها الوطيدة مع الجالية العربية الأميركية في منطقة ديترويت، كانت أول إفريقية أميركية تتولى منصب المدعي العام في تاريخ مقاطعات ميشيغن، عندما انتخبت عام 2004 لتولي المنصب خلفاً لرئيس بلدية ديترويت الحالي مايك داغن.
خلال سنوات خدمتها، نالت وورذي سمعة مرموقة وشهرة وطنية وعالمية بعد إصدار الفيلم الوثائقي I Am Evidence (أنا الدليل) الذي تتركز قصته حول أربع نساء تعرضن للاغتصاب، وبقيت قضاياهن طي الإهمال لسنوات عديدة، قبل أن يعاد فتحها بمبادرة، قادتها وورذي إثر الكشف عن أكثر من 11 ألف ملف أدلة مهملة في أحد مخازن شرطة ديترويت عام ٢٠١١، والتي يعود تاريخ بعضها إلى عدة عقود مضت.
«صدى الوطن»، التقت وورذي في أعقاب اختيارها لدخول «قاعة مشاهير نساء ميشيغن»، حيث أعربت للصحيفة عن سعادتها البالغة بهذا التقدير، مؤكدة أن «من بين جميع الجوائز التي حصلت عليها، هذه الجائزة هي الأكثر تأثيراً عليّ».
كما قدمت وورذي تهانيها للطبيبة –العراقية الأصل– حنا عتيشا التي لعبت دوراً ريادياً بالكشف عن أزمة تلوث مياه مدينة فلنت بمادة الرصاص، وساهمت من خلال جهودها المكثفة في زيادة مستوى الوعي العام حول مخاطر تسمم الرصاص على الأطفال.
قدوة
وورذي تقول إنها تشعر بأن جزءاً منها دخل قاعة مشاهير النساء عام 1993، عندما تم تكريم قدوتها ومشرفتها جيرالدين فورد التي كانت أول إفريقية أميركية تنتخب لمركز قضائي في الولايات المتحدة. وقالت: «إنني أشعر بأنني جزء من ذلك (الإنجاز)». وأضافت «عندما جئت إلى هنا في المرة الأولى، كانت في مقدمة الأشخاص الذين تطلعت إليهم.. وعندما بدأت عملي كنت أذهب إليها لكي توجّهني. لم نكن نتحدث في الاستراتيجيا ولكنها كانت تتحدث –بشكل أساسي– حول تجارب المرأة في المحكمة، وكيفية التعامل مع الآخرين أثناء المحاكمات الجنائية».
وأعربت وورذي عن بالغ تثمينها لنصائح فورد، وقالت: «كانت أفضل نصيحة أسدتها لي، هي أن أتعامل مع كل قضية بنفس الرزانة والأهمية، وهذه النصيحة أسديها اليوم للمساعدين الشباب».
وأضافت «عند الادعاء في قضية ما، سواء كانت سرقة سيارة أو جريمة قتل عمد، عليك أن تعامل الجميع بنفس الطريقة، وأن تجعلهم يشعرون وكأن قضيتهم هي القضية الأهم التي بين يديك، وتبدي لهم القدر نفسه من الاحترام، بغض النظر عن موضوع القضية»
وتابعت «عليك أيضاً أن تُشعر هيئة المحلفين التي تتحدث إليها بأنها القضية الأهم التي تتولى الادعاء فيها».
فيلم وشهرة عالمية
أنتجت قناة «أتش بي أو» فيلم I Am Evidence في العام 2017، وهو عمل توثيقي تدور حبكته حول التحقيقات في قضايا الاعتداءات الجنسية المهملة في دوائر الشرطة في أنحاء الولايات المتحدة، ويركز في أحد محاوره على آلاف ملفات أدلة الاغتصاب المهملة والتي بادرت وورذي إلى فحصها عقب العثور عليها في أحد المخازن المهجورة لشرطة ديترويت عام 2009.
وحول الفيلم الذي نال ثلاث جوائز عالمية عن فئة «أفضل فيلم وثائقي»، أشارت وورذي إلى أنه «طُلب منها أن تكون جزءاً من هذا الفيلم، عندما سافرت إلى نيويورك لحضور حفل تبرعات لمؤسسة «جويفول هارت فاندويشن». واصفة الفيلم بأنه «مؤثر فعلاً».
من بين الـ11 ألف قضية، أخضعت الدفعة الأخيرة من الأدلة المهملة للفحص في شهر آذار (مارس) الماضي، ولم تصدر نتائجها بعد. في حين تم حتى الآن التعرف على حوالي ٨٠٠ متهم بارتكاب جرائم اغتصاب متسلسلة بعد فحص أدلة الحمض النووي.
ثقافة الاغتصاب
وورذي تعتبر من أشد منتقدي «ثقافة الاغتصاب» وسياسات وكالات إنفاذ القانون في التعامل معها، مشيرة إلى أن معظم ضحايا جرائم الاغتصاب المهملة هن من «النساء الملونات»، وقالت: «في أية منطقة حضرية كبرى، سواء كانت ممفيس أو كليفلاند، أو غيرها من المدن الكبرى، تتكرر القضية ذاتها، وهنالك الكثير منها، ستجد أن غالبية الحالات هي من النساء الملونات اللواتي يتم التعامل معهن بشكل مختلف عن النساء الأخريات، خاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم الاعتداء الجنسي»، مشددة «هنالك ميل أقل لتصديقهن، والتحقيقات في قضاياهن تكون أقل جدية».
واستأنفت «ذلك لا يفاجئني إطلاقاً.. فعندما تتعرض امرأة شقراء لاعتداء جنسي، فإنهم يفعلون ما بوسعهم لكي يثبتوا أنه اعتداء، وبالتأكيد لا يحيلون الملف إلى الرفوف»، وأكدت «هذه حقيقة».
وأبدت وورذي استياءَها من الأفراد الذين ينحون باللوم على ضحايا الاغتصاب والتحرش الجنسي، مشيرة إلى ما حصل مؤخراً في واشنطن مع الأستاذة الجامعية كريستين بلازي فورد التي تم تجاهل وتكذيب اتهامها للمرشح (حينها) لعضوية المحكمة العليا في الولايات المتحدة، القاضي بريت كافانوه، بالاعتداء الجنسي عليها في مطلع الثمانينات.
في المقابل، تبدي وورذي أسفها للأخبار التي تكشف عن تعرض الأطفال في الكنائس الكاثوليكية للاعتداء والتحرش من قبل الكهنة، وقارنت بين حالات الاعتداء الجنسي على الصبيان في الكنائس، والنساء ضحايا الاغتصاب، مشيرة إلى أن الناس يميلون إلى عدم تصديق النساء.
وقالت: «على مدى عقود، وقع الكثير من الأطفال واليافعين ضحية الاعتداء من قبل الكهنة الذين يفترض بهم أنهم رجال دين، والضحايا تقدموا بالشكوى، وتم تصديقهم، ولا تجد أحداً في بلدنا يشيطن هؤلاء الرجال البالغين ويمرغ كرامتهم بالوحل (…) ولكن عندما تأتي امرأة وتقول إنها تعرضت للتحرش قبل 30 عاماً، خاصة من قبل شخصية بارزة، فإنها تصبح عرضة للذم والتشويه.. وهذا بالضبط ما حدث لكريستين بلازي فورد».
أضافت: «في مثل هذه الحالات، فإن الناس يتساءلون ويقولون لماذا لم يبلغن في وقت سابق. (في حالة فورد) سواء تم تصديقها أم لا، فأنا أصدقها. إنها على الأقل تستحق الكرامة والاحترام».
الكرامة والاحترام
وأكدت «كل ما نستطيع فعله هو أن يكون مكتبنا مثالاً لكيفية التعامل مع قضايا الجرائم الجنسية»، وقالت: «لهذا السبب، أردت فحص الأدلة في جميع ملفات الاغتصاب، ولهذا السبب قرعنا الأبواب لجمع التبرعات للحصول على التمويل الذي مكننا من إنجاز ذلك».
كما أكدت على أنه «سيتم التعامل باحترام ولياقة مع ضحايا الاعتداءات الجنسية في مقاطعة وين» طالما أنها في منصب مدعي عام المقاطعة، وقال: «أريد للنساء أن يعرفن أنه إن كنا ضحايا للتحرش الجنسي في مقاطعة وين، فإننا سنبدي لهن الاحترام الذي يستحقونه، وأننا سنقوم بالتحقيق في حالتهن بالشكل الصحيح والأمثل، والتأكد من معالجة ملفات الاغتصاب الخاصة بهن ضمن مدة زمنية مناسبة».
واستدركت «ربما، لن نكون ناجحين دوماً في إصادر أحكام إدانة، إذ قد لا يكون هنالك ما يكفي من آثار الحمض النووي فلا نتمكن من المضي قدماً.. كما قد تتأثر بعض القضايا بحكم التقادم فلا يمكننا متابعتها قانونياً، ولكننا –أولاً وقبل كل شيء– سنمنح الضحايا الكرامة والاحترام».
وفي ختام الحديث مع «صدى الوطن»، أعربت وورذي عن أملها بأن يمنح المسار الذي ينتهجه مكتب الادعاء العام بمقاطعة وين الثقة للنساء لكي يعرفن بأنه سيتم التعامل معهن بكرامة، وقالت: «على الأقل، في هذا المكتب، سنحاول أن نحقق لهن العدالة التي يستحقونها».
Leave a Reply