علي منصور
بالرغم من المشاركة العربية الواسعة في الانتخابات النصفية الأخيرة في ولاية ميشيغن، مع ما حملته من إشارات إيجابية من خلال النتيجة التي حققها المرشح عبدول السيد في السباق على الفوز بتأهيل الحزب الديمقراطي لحاكمية ولاية ميشيغن، إلا أنها شكلت في المقلب الآخر محطة سلبية كشفت عن واقع مأزوم يعيشه العرب الأميركيون في مدينة ديربورن ذات الثقل العربي المتنامي الذي أكسب المدينة شهرة واسعة عبر الولايات كافة وسائر العالم.
كانت لديربورن حصّة الأسد من تهافت المرشحين على استقطاب أصواتها بدءاً من المرشحة لحاكمية الولاية مروراً بمرشحي مجلسي الشيوخ والنواب على المستويين المحلي والفدرالي، والمرشحتين لمنصبي الادعاء العام وسكريتاريا الولاية، وصولاً إلى انتخابات المجلس التربوي في ديربورن، حيث بلغ التناهش على الصوت العربي بين المرشحين أشدّه، لتسفر النتائج النهائية عن «صفر مكعب»، حازه المرشحون العرب نتيجة فوضى الترشيحات وعبثية بعض المرشحين والمرشحات واستخفافهم بمركز يتّسم بالجدية ويتطلب مشروعية أخلاقية بالدرجة الأولى كونه يُعنى بتربية وتعليم الأجيال الصاعدة .. وليس حقلاً للتجارب والكيديات، ولا مناسبة لجني المال وإنفاقه في غير محله، تحت مسميات كاذبة وذرائع واهية.
فلا يصح لمن ارتبطت سيرته أو سيرتها بتاريخ حافل من السبّ والشّتم والبذاءة وبثّ الأفكار المذهبية والتحريضية بأن يترشح أو تترشح لهكذا مركز فجأة، و من خارج السياق العام، وبتعدٍ سافر على الأصول المهنية والأعراف الأخلاقية، فقط من أجل إحداث الشرخ والشقاق وتشتيت الصوت العربي نزولاً عند رغبة بعض المخرّبين و«المُخبرين» في الجالية، مِمن يتربصون بالشرّ والضغينة لمسيرة طويلة من الكدّ والتعب والكفاح خاضتها «صدى الوطن» و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) كتفاً إلى كتف، وبالتعاون مع الراحل دونالد يونس، فتمت الإنجازات وتحققت النجاحات الباهرة التي كانت أولى ثمارها رفد مدارس ديربورن بـ ١٥٠ مليون دولار لبناء مدارس جديدة وصيانة المدارس القائمة، وتأمين المواصلات للطلاب.
لم يرق الأمر لبعض الصغار في السياسة والريادة ممن تعوزهم الخبرة وتنقصهم الدراية ويفتقدون لكاريزما الإطلالات الإعلامية ومخاطبة الجمهور التي تتطلب حداً أدنى من «الهضامة»، فكيف إذا كانت «البياخة» والرتابة والرداءة والسماجة صفات مشتركة اجتمعوا عليها، فوجدوا ضالتهم بمرض العصر والزمان.. مواقع التواصل الإجتماعي، فاتخذوا منها مقراً دائماً ونصّبوا أنفسهم محللين وناشطين مقابل حفنة من الإعلانات المدفوعة، ليحولوها إلى مواقع للتسافل والتآمر والتهجم على الأشخاص والمؤسسات بمومسات فايسبوكية ألحقت الأذى بالذوق وأصابت الأخلاق الحميدة في الصميم!
أخذ هذا البعض على عاتقه تهشيم ما حققه العرب في ديربورن من إنجازات ونجاحات، فعملوا على التحريض وبثّ النعرات المذهبية في أركان الجالية الواحدة ليلاقيهم المتزمتون والمتشددون الذين تلاقت مصالحهم الفئوية مع أجندتهم التخريبية الثأرية من «أيباك» و«صدى الوطن» مدعومين بفئة من المُضَلَّلين الذين لم يستوعبوا دروس الحياة، ولم يفقهوا معنى الكرامة الحقيقية في إثبات الوجود وتحصيل الحقوق بقوة المنطق وبعزة نفس.
ولأننا عرب أميركيون نتوخى الاندماج في الحياة السياسية، إلا أننا نعيش هاجس الحفاظ على هويتنا الثقافية والفكرية في مجتمع متعدد تحفّ به المخاطر من كل جانب، في كل قانون جديد وفي كل تشريع مُزمع، يتوجب علينا أن نثبت وجودنا من دون التخلي عن مبادئنا وحقوقنا وقضايانا، فأصواتنا لا يجب أن تكون بالمجّان فقط لأن المرشح/ المرشحة ينتمي للحزب الديمقراطي هرباً من الخيار الجمهوري.
وكما يعلم الجميع، فإن مرشحنا العربي–الأميركي لمنصب حاكمية الولاية كان عبدول السيد الذي حقق نتائج واعدة تبشر بالخير، ولم تكن مرشحتنا غريتشن ويتمر كخيار أول. وبعد فوز الأخيرة في الانتخابات التمهيدية عن الحزب الديمقراطي، كان من الطبيعي أن يتوجه الدعم لها ضمن الشروط التي تحفظ الكرامة ولا تجعلنا أذلاء نبيع قضايانا وكرامتنا وجاليتنا بـ«ثلاثين من الفضة»، كما فعل يهوذا الإسخريوطي.
وعلى قاعدة حفظ الحقوق والكرامات تمّ دعم ويتمر قبل أن تُخطئ وتُعلن مناصرتها للكيان الإسرائيلي وتراجعها عن دعم الحق الدستوري بمقاطعة إسرائيل. وبعد أن حصل ذلك –وحفاظاً على المصالح العربية الحيوية بعد تدخل اللوبي الصهيوني بملايينه لصالح ويتمر وضغطه عليها لاستصدار بيان بتأييد إسرائيل– طلب الزميل أسامة السبلاني اجتماعاً بالمرشحة الديمقراطية لمناقشة بيانها وللاحتجاج المباشر، ولتحصيل الضمانات التي تحمي حقنا بمقاطعة الدولة العبرية كونها دولة معتدية ومحتلة. وقد حضرت ويتمر إلى مبنى «صدى الوطن»، وكان بانتظارها باقة من الشخصيات ومن وجوه المجتمع في ديربورن، معظمهم ممن اعتدت إسرائيل على قراهم ومدنهم، وعلى أهاليهم بالقتل والأسر والتهجير والتدمير، فأوصلوا صوتهم واحتجاجهم على مصادرة حقهم بالتعبير والمقاطعة، إلا واحدة، استجدت الدعوة بنوايا مسبقة بخرق الإجماع فباعت أبناء جلدتها، ثم انبرت للدفاع عن وجهة نظر المرشحة الديمقراطية، مع الهجوم على «صدى الوطن» ورئيس تحريرها لنشره تقريراً صحفياً انتقد فيه كلام ويتمر وطالبها بالتراجع عن بيانها وتأكيد احترامها لحرية التعبير وحق المقاطعة المكفول في التعديل الأول من الدستور الأميركي.
ذُهِل الجميع من تصرف السيدة المندسة التي كانت تقدم أوراق اعتمادها على حساب كرامتهم وعزتهم، وعلى حساب تضحيات أهاليهم.
قُبلت أوراق الاعتماد، وتم تعيين مديرة «غرفة التجارة بالعرب الأميركيين»، فاي بيضون، ضمن لجنة اقتصادية فرعية تابعة للفريق الانتقالي الذي اختارته الحاكمة المنتخبة تمهيداً لتوليها السلطة مطلع كانون الثاني (يناير) القادم.
فكل عام وأنتم بخير… وكل عام ويهوذا الإسخريوطي بخير!
Leave a Reply