ديربورن – «صدى الوطن»
أقامت «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) –الأربعاء الماضي– حفل تأبين لرائد العمل الاجتماعي في الجالية العربية بمنطقة مترو ديترويت، دونالد يونس، في «مركز الحاج جميل الاجتماعي» بديربورن، وذلك بحضور زوجته وأفراد أسرته، ولفيف من النشطاء والأصدقاء الأوفياء للفقيد الذي رحل إلى جوار ربه، في 24 تشرين الثاني (نوفمبر)، عن عمر ناهز 78 عاماً.
وكان يونس من مؤسسي «المركز العربي الأميركي للخدمات الاجتماعية» (أكسس) و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، إضافة إلى خدمته في دائرة إطفاء ديربورن، ونشاطه في دعم التعليم العام وتوفير التمويل لبناء مدارس جديدة في شرق المدينة، إلى جانب دفاعه الدائم عن الهوية العربية الأميركية، كهوية خاصة وفريدة من نوعها.
وأشاد ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، بمناقب الفقيد وريادته وشجاعته في الدفاع عن حقوق العرب الأميركيين، ووصفه بـ«ضمير جاليتنا وقلب مجتمعنا».
وقال: «نجتمع اليوم لكي نحتفل بإرث دون يونس الذي ستمتد آثاره الملهمة إلى الأجيال القادمة». وأضاف: «بعض الأشخاص يعيشون ويموتون ولا يتركون أثراً، لكن دونالد ليس من هذا النوع».
حيث لم يجرؤ أحد
وأعرب السبلاني عن فخره بالجهود التي بذلتها «أيباك» و«صدى الوطن» بالشراكة «مع الصادقين والملتزمين الذين فعلوا كل ما بوسعهم لتسمية إحدى مدارس المدينة باسم دون»، في إشارة إلى مدرسة يونس–ماكولو الواقعة على شارع مايبل في ديربورن.
وأشار إلى تفاني يونس وتواضعه خلال أدائه للخدمات الاجتماعية على مدى عقود، وقال: «إن الراحل الذي نجتمع اليوم من أجل تأبينه، لم يكن يأبه بالألقاب، ولم يفكر في يوم من الأيام بأن يسمى أحد المباني العامة باسمه، لقد أنجز الكثير لمجتمعنا ولمدينتنا، من خلال عمله في «أكسس» و«أيباك»، وكذلك من خلال عمله كنقيب في دائرة إطفاء ديربورن».
وأكد على شجاعته وأسبقيته في الدفاع عن القضايا العربية في العالم العربي، مستحضراً إحدى الفعاليات التي استضافت –في العام 2000– السناتور الأسبق في ولاية ميشيغن تشاك هايغل، الذي هاجم خلالها المقاومة اللبنانية ووصفها بـ«الإرهابية». وقال: «في تلك اللحظة، كان دون، ولا أحد غيره، هو من وقف بوجه هايغل وأسكته، قائلاً له: ليس مسموحاً لك في هذا المكان، أن تقول ما قلت، إنك بذلك تهيننا جميعاً، وعليك الاعتذار لنا في الحال»، لافتاً: «في تلك الأيام، لم يكن أحد ليجرؤ على القيام بما قام به يونس».
وكان السبلاني قد قام في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) بعيادة الناشط اللبناني الأصل، الذي كان يرقد مريضاً في منشأة لرعاية المسنين في «قرية هنري فورد»، ونشر عبر صفحته على «فسيبوك» مقطعاً مصوراً له، توجه يونس من خلاله إلى الجالية العربية بالقول: «أريد فقط أن أقول للجميع، لقد حان وقتنا».
وقال السبلاني عن ذلك اللقاء: «عندما رآنا ندخل إلى غرفته، أنا وسام بيضون وعلي بري، أشرق وجهه، وكاد يقفز من السرير، شعرنا حينها بالطاقة تملأ المكان.. ذلك هو دون يونس، حيثما يكون تكون الطاقة ويكون الأمل».
وأضاف السبلاني بتأثر واضح: «أريد أن أقول لكم اليوم، أنه لولا دون يونس، ما كان زمننا ليأتي» كعرب أميركيين.
شخص مثلنا
من جانبها، وصفت العضو السابقة في مجلس ديربورن التربوي أيمي شولز الفقيد بـ«الشخص الذي لا يثمّن»، وقالت: «كان يناديني بآمنة بدلاً من إيمي. ذلك هو دون، يريد لكل شخص أن يشعر بأنه فرد من العائلة».
الدعابة التي أضحكت الحاضرين، كانت استهلالاً غير متوقع للكلمة المؤثرة التي ألقتها شولز وهي تغالب دموعها طوال الوقت. وجاء فيها: «لم أولد في ديربورن، ولكنني نشأت فيها، ودرست في مدارسها، وكان لي فيها معلمون عظام، وكان دون يونس واحداً منهم».
أضافت: «لقد أمضيت 15 عاماً في عضوية مجلس ديربورن التربوي، ولكنني أؤكد لكم أن أروع الأوقات وأعظمها، كانت تلك التي نجحنا فيها بإطلاق اسمه على تلك المدرسة»، لافتة إلى انقسام أعضاء المجلس التربوي حول تلك المسألة، وأكدت: «البعض لم يكن يريد أن يكون اسمه هناك، وكانت تلك اللحظات هي الأكثر إيلاماً في حياتي».
شولز التي قادت معركة إطلاق اسم الناشط العربي المخضرم على «مدرسة يونس– ماكلو» من داخل المجلس التربوي، تابعت: «بعض الأسماء تطلق على المباني لأن أصحابها يدفعون الأموال، لكن في حالة دون.. كان الأمر مختلفاً تماماً، وبسبب معارضة البعض، كثر الجدل والنقاش، وعندما سألته ماذا تريد مني أن أفعل، أجابني: لا تقلقي.. لقد قمت بعمل رائع، وعليك متابعة القتال، ليس من أجلي، ولكن من أجل كل الأطفال الذين سيدخلون عبر ذلك الباب ويرون اسماً كأسمائهم، ذلك سيجعلهم يشعرون أن باستطاعتهم فعل ما يريدون وما يحلمون به».
أضافت: «إن أعظم ما يتميز به يونس كان إثباته بأنه لا يجب أن تكون ابن عائلة ثرية أوسياسية لكي تحدث فرقاً»، مؤكدة «لقد كان شخصاً مثلنا… ونجح في إنجاز الكثير لمجتمعه ومدينته وبلده».
قدوة
مؤسس «أيباك» المحامي عبد حمود، أكد على أن «عدة دقائق لا تكفي للحديث عن دونالد يونس»، مضيفاً «لو أردت إيقاءه حقه، لألفت كتاباً عنه». وأضاف: «إلى جانب والدي، فهو الشخص الوحيد الذي أتمنى أن أكون مثله».
واستذكر حمود، الأيام الأولى لولادة «أيباك»، وقال: «حينها كنا نتطلع إلى إدماج الشباب العربي في العمل السياسي، وكان الفقيد أكبر منا سناً، ولكنني حين التقيته بدل كل تلك الأفكار، لقد فاجأني حين قال: منذ وقت طويل وأنا أنتظر هذه اللحظة».
وأكد: «خلال عملنا في «أيباك» وعلى مدار السنوات السابقة، كان دون أكثرنا نشاطاً وحماساً لإشراك العرب الأميركيين في العمل العام».
أضاف: «في كل الدورات الانتخابية، كان يواظب على التواجد في أقلام الاقتراع، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، دون أن ينال منه التعب أو الضجر الذي كان يطال الكثيرين منا».
وتابع: «سواء أحببناه أو لا، اتفقنا سياسياً معه أو لا، فلا يمكننا تجاهل دوره وإنجازاته، لقد كان شخصاً شجاعاً وصريحاً وواثقاً ومتفائلاً ولم يكن أنانياً، وهذا هو النموذج الذي نودّ الاقتداء به».
وختم كلمته بالقول: «أنا فخور بعلاقتي معه، وفي هذه اللحظة أقول له إن إرثك سوف يبقى بيننا لمدة أطول من إرث الأغنياء والسياسيين الآخرين.. إن إرثك سوف يبقى بيننا خالداً إلى الأبد».
إرث عظيم
مديرة الدراسات العربية الأميركية في «جامعة ميشيغن»، البرفسورة سالي هاول أشادت بذهنية الفقيد وبصيرته وأسبقيته في الانفتاح على مجمل المقترحات التي تؤّرخ لإبراز حضور العرب الأميركيين ودورهم في ولاية ميشيغن، وقالت: «عندما قمت بزيارتي الأولى لـ«أكسس»، وكان حينها في منطقة ديكس، اقترحت على هيئة الأمناء بعض البرامج الثقافية والفنية، ولكن معظمهم عارض مقترحاتي، قائلين: نحن مؤسسة خدماتية، وهذه البرامج التي تطرحينها هي برامج للأغنياء». واستدركت: «وحده دون من احتضن تلك المقترحات، وبعد الخروج من الاجتماع، أحاطني بذراعه، وقال: أنت محقة.. لقد حان الوقت لفعل ذلك».
وأشارت إلى اللقاءات الكثيرة التي جمعتها بيونس، والتي كانت شاهدة في بعضها على قيام الفقيد بجمع التبرعات وإيصالها للفقراء والمعوزين في شهر رمضان، وقالت: «كان شخصاً نزيهاً وموثوقاً، وكان المقتدرون يعطونه المال لإرساله للمحتاجين، ولم يكونوا يعطونه للجوامع أو للمؤسسات الخيرية».
أضافت: «لقد ثقفني كثيراً حول تاريخ الجالية العربية في منطقة مترو ديترويت، وحول نضالاتها ضد التحديات المتعددة، وكانت تلك الدروس هي الأثمن في حياتي، وهي إحدى الأسباب الرئيسية في كوني مؤرخة اليوم».
وشددت: «لولا دون يونس، وبعض الأشخاص غيره، من أمثال باربرا أسود وإسماعيل أحمد وجورج الخوري، ما كنا لنجلس اليوم في «مركز الحاج جميل الاجتماعي.. هؤلاء قاتلوا من أجل المدينة ووقفوا إلى جانب مجتمعهم في الوقت الذي كانت الحكومة تريد التخلص منهم».
وأكدت: «إرث دون يونس عظيم حقاً، اسمه على المدرسة كان شرفاً، بل يستحق أن يكون اسمه على كامل المدينة، لأنه فعل الكثير لنا، كمجتمع وكمدينة»، وختمت كلمتها باللغة العربية، قائلة «الله يرحمه».
العضو العربي الأميركي المنتخب لمجلس مفوضي مقاطعة وين، سام بيضون، أكد في كلمة له على أن «الأشخاص من أمثال دون يونس لن يموتوا»، وقال: «سوف يبقى دون حياً في قلوبنا وضمائرنا إلى الأبد».
وأشار العضو السابق في «مجلس مفوضي مقاطعة وين» غاري وورنتشاك إلى سعادة يونس بفوز بيضون في الانتخابات النصفية في 6 تشرين الثاني (نوفمبر)، وقال: «لولا يونس، لما كان سام بيضون والنائب عبدالله حمود ورئيسة المجلس البلدي سوزان دباجة وعضو المجلس البلدي مايك سرعيني.. لولاه لما كانوا اليوم يشغلون مناصب عامة وحكومية».
وأشار إلى أن الراحل الكبير كان قد بدأ نشاطه السياسي قبل 15 عاماً من بدء الحديث عن «المشكلة العربية» في ديربورن، في إشارة إلى الحملة الانتخابية لرئيس البلدية الأسبق مايكل غايدو، وقال: «إن نشاط الجالية العربية الأميركية انبثق من مبدأ بسيط جداً، هو: كن فخوراً بهويتك، ولا تتنازل عن حقوقك، ولا تتورع في الدفاع عنها، وهذا ما كانت عليه رسالة دون يونس».
كما ألقى الناشط اليمني المخضرم، رئيس «الجمعية الخيرية اليمنية الأميركية» (يابا) علي بلعيد المكلاني قصيدة باللهجة اليمنية، أشاد فيها بمناقب الفقيد وأخلاقه الحميدة وريادته المجتمعية، وختمها بتقديم التعازي لعائلته ولكامل الجالية العربية.
Leave a Reply