كمال ذبيان – «صدى الوطن»
برز اسم وئام وهاب في لبنان، منذ تشكيل حكومة الرئيس عمر كرامي، في تشرين الثاني من العام 2004 –بعد التمديد للرئيس إميل لحود– فتسلّم وهاب وزارة البيئة في الحكومة التي لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر، إذ أطاح بها اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، فقدم رئيسها استقالته بعد أسبوعين من الجريمة، لتنهي تصريف الأعمال في نيسان من العام نفسه.
كيف بدأ وهاب؟
ظهر وهاب على الساحة السياسية، منذ تسعينات القرن الماضي، عندما أصبح مستشاراً للنائب طلال إرسلان، بعد أن كان في الثمانينات، قد تنقّل بين وسائل إعلام عديدة مقروءة ومرئية، واشتغل في إذاعة «صوت الجبل» التي كان يملكها الحزب التقدمي الاشتراكي في أثناء الحرب الأهلية، وتوقّفت عن البث مع انتهاء الحرب، التي شارك فيها وهاب في صفوف الاشتراكيين، قبل أن يستقيل وينضم إلى إرسلان، تاركاً مهنة المتاعب.
من خلال وجوده إلى جانب إرسلان، فتح وهاب أبواب العلاقات السياسية، وكلّفه بمهمات سياسية، كما استفاد منه كإعلامي فشغل منصب مستشار سياسي وإعلامي، وبدأت مهامه داخل لبنان وسوريا، فنسج علاقات مع ضباط سوريين كانوا يعملون في الملف اللبناني، كالعميدين غازي كنعان ورستم غزالي، والأخير ساعد وهاب كثيراً، ومكّنه من أن يسمى وزيراً في حكومة كرامي، وعززت من علاقاته السياسية التي كان بدأها عندما كان صحافياً لتتطوّر بعد أن أصبح مستشاراً لإرسلان، وخوضه الانتخابات النيابية في الشوف عام 1996، فانفتحت أمامه الساحة السياسية، وبدأ يفكر بمشروعه السياسي، بعد أن دبّ الخلاف بينه وبين إرسلان.
حزب التوحيد
مع سطوع نجم وهاب سياسياً وإعلامياً، قرّر أن يؤسس حزباً، وينظّم مناصرين له، فكان «تيار التوحيد اللبناني» الذي تأسس في بلدة الجاهلية الشوفية صيف 2006، وتحوّل بعد ذلك إلى «حزب التوحيد العربي»، وقد ساعد وهاب في الصعود السياسي، وقوفه ضد وليد جنبلاط الذي كان اتّخذ موقفاً معادياً من سوريا ورئيسها بشار الأسد، بعد اغتيال الحريري، ونعته بأوصاف مهينة، فكان وهاب، الصوت الذي وقف بوجه جنبلاط، كما ضد المحكمة الدولية في قضية اغتيال الحريري ووصفها بعبارته الشهيرة، «الصرماية»، وهكذا بدأ السياسي القادم إلى الساحة الدرزية، يلقى التأييد من مناهضي جنبلاط، وقد لقي «حزب التوحيد» دعماً من سوريا ومن «حزب الله»، للوقوف بوجه جنبلاط الذي قبل أن يكون رأس حربة للمشروع الأميركي ضد المقاومة في لبنان وقد وصف سلاحها بـ«الغدر»، مطالباً بنزع «شبكة الاتصالات» الخاصة بها، مما تسبّب بأحداث 7 أيار 2008، حيث كان لبنان منقسماً بين محورين (8 و14 آذار)، حصلت بينهما معارك سياسية وعسكرية بين 2006 و2008، كان فيها جنبلاط القائد السياسي الميداني.
المعادلة الدرزية
في الوقت الذي كان نجم وهاب يسطع، كأحد أبرز المواجهين في محور «8 آذار» لقوى «14 آذار»، فإنه كان ينجح أيضاً في قضم «الساحة اليزبكية» بانضمام عناصر من «الحزب الديمقراطي اللبناني»، الذي يرأسه طلال إرسلان، وكذلك من الحزب السوري القومي الاجتماعي، إضافة إلى ناقمين داخل الحزب التقدمي الاشتراكي، فارتفعت شعبيته درزياً، كما بات له مؤيدون في مناطق أخرى، لاسيما بين جمهور «حزب الله». وهكذا أدخل وهاب نفسه في المعادلة الدرزية وأصبحت الجاهلية قطباً لا يمكن تجاهله في الجبل، وهو ما أظهرته نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة بحصوله على حوالي 7300 صوت تفضيلي، فكاد أن يطيح بالوزير مروان حمادة المرشح على لائحة «الاشتراكي» في الشوف.
القلق الجنبلاطي
لم يخف جنبلاط قلقه من صعود وهاب، وتوسع انتشار مناصريه في بلدات الجبل، لاسيما في الشوف، حتى باتت تحرّكاته تقترب أكثر فأكثر من عرين جنبلاط، المختارة، بعد أن كان في السابق محصوراً في بلدته الجاهلية ومحيطها، وهو ما دفع برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أن يحسب له حساباً، ويعتبره أداة بيد سوريا و«حزب الله» للتنغيص عليه في الجبل، واصفاً إياه بـ«حصان طروادة».
صعود «حزب التوحيد العربي» تزامن مع وقوع حوادث أمنية عديدة مع الاشتراكيين، وهو ما زاد من هواجس جنبلاط، لاسيما بعد حادثة بقعاتا الدموية التي سقط فيها قتيل من آل البعيني مناصراً لوهاب، فيما تعتبر هذه العائلة تقليدياً موالية للجنبلاطية وفق تقسيمات الدروز. تلك الحادثة وغيرها دفعت جنبلاط إلى محاولة احتواء «الزحف الوهابي»، للقرى فقرّر مهادنته تحت شعار الحفاظ على أمن واستقرار الجبل، رغم الانقسام الحاصل حول الأزمة السورية.
وإرسلان أيضاً
صعود وهاب لا يقلق جنبلاط وحده، فإرسلان بدأ يعاني من تآكل مناصريه الذين انضم جزء منهم إلى وهاب الذي بات يتقاسم معه الساحة «اليزبكية» وفق التصنيف الدرزي السياسي، فتفاقمت الخلافات بين الطرفين، حتى أن وهاب بدأ يلمح إلى أنه سيرث «الزعامة اليزبكية» ويقفل دار خلدة لآل إرسلان، مثلما حصل مع عائلات سياسية لبنانية انطفأت. جرت محاولات لرأب الصدع بين إرسلان ووهاب تدخل فيها حزب الله والقيادة السورية، لكنها فشلت.
لسان وهاب
خلال مسيرته السياسية، تميّز وهاب بلسانه السليط، وألفاظه النابية، في إعلان مواقفه أو في الكشف عن فضيحة ما. فكان أسلوبه قاسياً وفظاً، ولم «يترك أحداً من لسانه»، سواء الحلفاء أم الخصوم، طوال مسيرته السياسية الممتدة منذ 12 عاماً. وكانت مواقف وهاب تسبب له خصومات ضمن «الخندق» الواحد، فهو مثلاً عندما يهاجم جنبلاط فإنه لا «يعتبره درزياً، لأنه متزوج من غير طائفته»، ويتّهمه بأنه «يقبض الأموال باسم الدروز» ويبقيهم فقراء، وفي الوقت نفسه لا يوفر إرسلان بشتى أنواع العبارات غير اللائقة، ومنها ما هو شخصي، فحصلت مقاطعة بينهما رغم أنهما حليفان في خط سياسي واحد مع المقاومة.
لسان وهاب هذا يطلق له العنان عندما يثور غاضباً، سلّطه في الأسابيع الأخيرة على الرئيس سعد الحريري، متهماً إياه بأنه يغطي رجل أعمال أردني الجنسية اسمه علاء الخواجة، وأنه جاء ليستثمر في لبنان، وله ارتباطات مشبوهة، ربما إسرائيلية، بحسب وهاب، الذي رد عليه الحريري، بأنه يستهدف الخواجة بهدف ابتزازه لدفع الأموال، وهذا ما يردده أيضاً خصوم وهاب السياسيون، بأن حملاته الإعلامية على الفساد، إنما المقصد منها، الحصول على المال وتسيير مصالح وهاب في مؤسسات الدولة. إلا أن وهاب ينفي ذلك، فهو لم يوفر أحداً لاسيما من رجال الأعمال، وهذا ما فعله مع شركة «سوكلين»، ومع قاسم حمود، غير أن الوزير «المستقبلي» نهاد المشنوق، يؤكد أن حملة وهاب المستمرة منذ أشهر على الخواجة هدفها الحصول على تبرعات منه، ولكنه لا يرد عليه.
المواجهة مع الحريري
إزاء الهجوم على الحريري وتناوله بألفاظ غير لائقة مثل أنه لا يصلح «ناطوراً في بناية» فكيف يكون رئيساً للحكومة، أثارت انتقادات وهاب اللاذعة، ردود فعل لدى «تيار المستقبل» الذي لم يوفر وهاب بأقذع الكلمات النابية، وتصويره بشكل حيوانات، فردّ وهاب مواصلاً استفزازاته فرفعَ من منسوب التوتر في الحملات المتبادلة، حتى توجّه «تيار المستقبل» نحو القضاء الذي أمر القوى الأمنية بتبليغ وهاب ليمثل أمامه، ولما لم يحضر بعد إبلاغ مكتبه توجهت قوة من شعبة المعلومات تضم نحو 50 عنصراً لتبليغ وهاب، بحسب الرواية الرسمية، فحصل تطور أمني أدى إلى مقتل محمد أبوذياب وهو مرافق مقرب لوهاب الذي كشف أن العملية كانت تهدف إلى اغتياله، وهو ما أكّدته لاحقاً مصادر «حزب الله»، الذي قدم الدعم والتضامن لوهاب كحليف، فأُبلغ الحريري بأنه خط أحمر، في وقت كان جنبلاط في بيت الوسط، يدعو إلى اجتثاث هذه «الحالة الشاذة»، حتى كاد أن يقحم الجبل في حرب أهلية، بعد أن بلغ مناصرو وهاب باب المختارة، فاعتبر جنبلاط في الأمر رسالة سورية أمنية من اللواء علي المملوك، وأنها محاولة من «حزب الله» لإضعافه، بعد تغريداته الأخيرة التي لمح بأن «حزب الله» وإيران مسؤولان عن انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان.
نجحت الاتصالات في محاصرة الفتنة في الجبل وعدم انفلات الوضع الأمني الذي ساهم «حزب الله» بتطويقه وضبطه من خلال اتصالاته ووقوفه إلى جانب حليفه وهاب. فضبط جنبلاط عناصره، ووضع وهاب قضيته عند «حزب الله»، ليلاقي المخرج المناسب، في وقت يستمر فيه تعثر تشكيل الحكومة، كاد لبنان أن يدخل نفق المجهول من بوابة الجاهلية.
Leave a Reply