عماد مرمل – «صدى الوطن»
على وقع مؤشرات اقتصادية ومالية في غاية السلبية، وتحت ضغط الخوف من حصول كارثة وطنية ما لم يتم وقف الانحدار نحو الهاوية، انتزع رئيس الجمهورية ميشال عون المبادرة، وقاد بنفسه حراكاً سياسياً في اتجاهات عدة سعياً إلى إيجاد حل «للعقدة السنية» التي لا تزال تؤخر ولادة الحكومة، حتى بدا أنه «استعار» دور الرئيس سعد الحريري المفترض به أن يعالج العقبات أمام تشكيل الحكومة، كأن عون صار هو «الرئيس المكلف».. إلى حين.
مع مرور نحو نصف عام تقريباً على تكليف الحريري، لم يعد رئيس الجمهورية قادراً على البقاء مكتوف اليدين إزاء استمرار الأزمة الحكومية التي تقضم عهده يوماً بعد يوم، وتستنزف طموحاته الإصلاحية ومصداقيته لدى الناس المحاصرين من كل حدب وصوب بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية، الأمر الذي تسبب في انكماش عام في لبنان، لم يسبق له مثيل.
وإذا كان الدستور لا يمنح رئيس الجمهورية القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة في مواجهة المراوحة الحكومية، إلا أن عون الذي يهتم بأن يقدم نفسه رئيساً غير تقليدي يبدو مصمماً على أن «يجود بالموجود»، سعياً إلى التخفيف من فاتورة الوقت الضائع.
والمفارقة، أن الحريري، المفترض أنه المعني الأول بحلحلة العقد التي تعترض تشكيل الحكومة انطلاقاً من موقعه كرئيس مكلَّف، بات يشكل بحد ذاته جزءاً من المشكلة بفعل موقفه الرافض تمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين في حكومته، ما استدعى تدخل عون الذي شعر بأنه منح الحريري فترة سماح طويلة، من دون أن يتمكن من إنجاز مهمته.
كما أن تحرك عون الهادف إلى ابتكار تسوية للعقدة السنية أتى بمثابة تعويض عن الرسالة التي كان في صدد توجيهها إلى مجلس النواب لمطالبته بتحمل مسؤولياته حيال الوضع الحكومي المقفل، خصوصاً أن النواب هم الذين منحوا التكليف إلى الحريري من خلال الاستشارات الملزمة، لكن رئيس الجمهورية عدل عن اعتماد هذا الخيار في الوقت الحاضر بعدما لمس أنه استفز الطائفة السنية التي أحست بأن هناك استهدافاً لصلاحيات الرئيس المكلف وحصانته الدستورية، من دون أن يتحمس له الرئيس نبيه بري الذي يفضل عدم رمي كرة النار في حضن المجلس، كي لا تتخذ الأزمة طابع مواجهة سنية–شيعية.
ضغط معنوي
يؤكد المقربون من عون أنه يعرف أن الآليات الدستورية لا تسمح بسحب التكليف من الحريري، لكنه أراد عبر التلويح بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي ممارسة نوع من الضغط المعنوي والسياسي على الرئيس المكلف لدفعه إلى التعجيل في تشكيل الحكومة وإفهامه بأن كيل رئيس الجمهورية يكاد يطفح.
ولا يزال عون عند رأيه بضرورة عدم استضعاف الحريري أو كسره، انطلاقاً من مبدأ حكم الأقوياء الذي لطالما نادى به بغية ضمان التوازنات الوطنية، لكنه بات مقتنعاً كذلك بأنه لا يحق للحريري احتكار الطائفة السنية التي يجب أن يُراعى التنوع فيها، شأنها شأن الطوائف الأخرى التي ستحضر في الحكومة المقبلة بتمثيل وزاري متنوع، ترجمة لمفاعيل اعتماد قانون النسبية في الانتخابات النيابية الأخيرة.
ويبدو أن التسوية التي يحاول عون نسج خيوطها ترتكز على قاعدة أن يعترف الحريري بحق اللقاء التشاوري للنواب السنة بأن يتمثلوا في الحكومة، ثم يختار أعضاء اللقاء وزيراً سنياً من خارج صفوفهم لتمثيلهم، على ألا يكون هذا الوزير مستفزاً لرئيس الحكومة.
لكن الحريري كان حتى الأمس القريب لا يزال يرفض استقبال النواب الستة والاعتراف بهم ككيان سياسي في الطائفة السنية، وبالتالي يعارض مبدأ تمثيلهم في الحكومة. كما أن اللقاء التشاوري يستمر في التمسك بمطلب توزير احد أعضائه حصراً، وذلك في انتظار أن تنجح دينامية المبادرة الرئاسية في اقناع الطرفين بتبادل التنازلات والتضحيات.
حصة الرئيس
وبينما يعتبر البعض أن الممر الإلزامي للحل يكمن في قبول عون بالتنازل عن مقعد من حصته للنواب السنة المستقلين، يؤكد العارفون أن رئيس الجمهورية يرفض أن يتحول إلى خزان للودائع الوزارية، وأن تتوزع مقاعد كتلته في الحكومة على أطراف عدة بحجة معالجة العقد الحكومية، لأنه لا يترأس «كاريتاس سياسية»، بل المطلوب تعزيز حصة رئيس الجمهورية حتى يستطيع أن يكون مؤثراً في تحديد وجهة الملفات والقرارات على طاولة مجلس الوزراء، لاسيما تلك المتعلقة بمكافحة الفساد ومواجهة التحديات الأمنية، وهذا ما يفسر حرص عون على أن تضم حصته وزيري العدل والدفاع.
ويؤكد المحيطون بعون أنه مصمم على منع اختراع أي أعراف خاطئة في التأليف، خصوصاً أن الحكومة التي يجري تشكيلها حالياً تأتي بعد أول انتخابات نيابية وفق قانون النسبية، ما يستدعي تجنب اعتماد أعراف ملتبسة قد تكرس خللاً مستداماً ما لم يتم لجمها، وهو يستغرب كيف أن «اتفاق الطائف» بات يُضرب من بيت أبيه، في حين أن من كان معارضاً له أصبح المتمسك بتطبيقه تبعاً للأصول.
Leave a Reply