كمال ذبيان – «صدى الوطن»
مع التطورات الميدانية في سوريا، والإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، في دحر الجماعات الإرهابية، واستعادة السيطرة على نحو 95 بالمئة من الأراضي السورية، فإن الموقف من دمشق، بدأ يتبدّل من قبل دول عديدة، ومنها مَن ساهم في دعم ما سمي بـ«الثورة السورية» للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، الذي صمد في موقعه حتى انحسرت الحملة الدولية عليه للتنحي عن الحكم، وإسقاط النظام، حيث رسمت الانتصارات الميدانية للجيش السوري، مشهداً مختلفاً عما كانت عليه الأمور في مطلع العام 2011، فتبدّلت اللغة العسكرية والسياسية، وبات النظام في موقع القوي الذي يفاوض معارضيه ويفرض شروطه.
السعودية تتقرّب
ومن الدول التي وقفت ضد النظام السوري، وساعدت مجموعات إرهابية لقتاله، كانت السعودية التي ساهمت في قيام «جيش الإسلام» بقيادة زهران علوش، وتمركزه في غوطة دمشق وريفها تحديداً، ليشكّل وجوده ضغطاً على النظام الذي كان المسلحون يعملون على إسقاطه من خلال دخول العاصمة السورية، وهذا ما لم يحصل، فتمكّن الجيش العربي السوري وحلفاؤه من دحر «جيش الإسلام» منذ سنتين، فتراجع الدور السعودي في سوريا، وقد انفتحت الرياض على دمشق بتبادل المعلومات الأمنية، بعد اكتشاف وجود مئات المقاتلين السعوديين في صفوف تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» الإرهابيين.
منذ حوالي ثلاثة أعوام، زار رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك، السعودية والتقى رئيس المخابرات فيها خالد الحميدان، وجرى عرض شامل للوضع في سوريا، استعرض خلاله المملوك ما لديه من معلومات حول مسلحين سعوديين تمّ إلقاء القبض عليهم في صفوف التنظيمات الإرهابية، لتعتبر زيارته بداية لتحوّل سعودي باتجاه دمشق، إذ قام الحميدان لاحقاً بزيارة سوريا، في الوقت الذي عادت فيه أيضاً اتصالات بين دمشق ودول أخرى أظهرت العداء لنظام الأسد، ومنها دول أوروبية.
من الأمن إلى السياسة
في الوقت الذي كانت فيه السعودية ودول أخرى تمدّ جسوراً مع النظام السوري، فإن الأخير كان حريصاً على أن لا يبقى التواصل محصوراً في الأمن وتحت الطاولة، بل كان يريد أن ينتقل تطبيع العلاقات إلى المستوى السياسي والدبلوماسي، بتبديل الخطاب المطالب بإسقاط النظام.
حاولت المملكة السعودية عبر حلفاء لها في المعارضة، أن تشارك في «الحل السياسي» للأزمة السورية، فجمعت أطرافاً معارضين في الرياض، حيث رفع هؤلاء صيغة المرحلة الانتقالية لخروج الرئيس الأسد من الحكم، فتوتّرت العلاقة بين الرياض ودمشق وتوقفت معها الاتصالات الأمنية، التي تعطلت باتجاه الرياض ونشطت باتجاه القاهرة التي لعبت دوراً إيجابياً لدى حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي في تخفيف الضغط عن سوريا، باستثناء قطر التي تدعم «الإخوان المسلمين» مع تركيا والتي استمرّت في دعم مجموعات انضوت تحت أسماء متعددة ومنها «هيئة تحرير الشام» التي تتمركز في إدلب مع مجموعات إرهابية إخرى في آخر معاقلهم في سوريا.
الخلافات السعودية–السورية
وباستعراض العلاقة السورية–السعودية، فقد مرّت بمراحل منها الجيدة والسيئة، وفق المواقف التي تجمع بين الدولتين، أو تُباعد بينهما. إذ تعتبر العلاقة الوثيقة بين سوريا وإيران، من أبرز أسباب الخلافات بين الجانبين، فمنذ أن وصلت «الثورة الإسلامية» إلى الحكم في إيران بقيادة الإمام الخميني، وقف الرئيس حافظ الأسد، إلى جانب صديق جديد للعرب في طهران التي انتقلت من الموقع المعادي أيام حكم الشاه إلى صف القضية الفلسطينية، بإقفال السفارة الإسرائيلية في طهران واستبدالها بالسفارة الفلسطينية، واعتبار إسرائيل شراً مطلقاً، وأميركا عدواً للشعوب، فيما بدأت السعودية تعيش هواجس من «الثورة الإسلامية» في إيران، خشية تمددها نحو دول أخرى في المنطقة، فأكسبت الصراع طابعاً مذهبياً باتهام الإيرانيين بالعمل على فرض «التشيّع»، وإزالة «العروبة» لصالح «الفارسية»، مشجّعة على إشعال الحرب العراقية–الإيرانية من خلال تمويل النظام العراقي برئاسة صدام حسين، حتى دامت الحرب العبثية نحو ثماني سنوات، ودمّرت البلدين. ولما سعى صدام لقبض ثمن الحرب من دول الخليج، تم صده ثم تحريضه واستدراجه لغزو الكويت، التي خرج منها مندحراً، قبل أن يطاح به بعد الغزو الأميركي الذي ساعد إيران في مد نفوذها إلى العراق، إلى جانب تعزيز دور سوريا التي تمكّنت مع الجمهورية الإسلامية من دعم المقاومة في لبنان التي دحرت العدو الإسرائيلي وفرضت عليه الإنسحاب عام 2000، ثم صمدت بوجهه عام 2006، حتى بات هذا المحور المقاوم اليوم الأقوى في المنطقة.
هذه التطورات ساهمت بلا شك في توتير العلاقات السعودية–السورية، لاسيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، حيث اندفعت السعودية بالتنسيق مع واشنطن، إلى تشكيل قوى «14 آذار» في لبنان، دون أن تتمكّن من الاستفراد في الحكم فاضطرت إلى التحالف مع «حزب الله» وحركة «أمل»، في تحالف رباعي في انتخابات 2005، ما لبث أن انفرط عقده نهاية 2006، فحصلت أحداث 7 أيار 2008، لإعادة التوازن الداخلي.
مصالحة عبدالله–الأسد
في منتصف عام 2009، بدا التحوّل السعودي نحو سوريا إيجابياً، بعد سنوات من اتّهام الملك عبدالله للرئيس الأسد، بالمشاركة في اغتيال الحريري، وخطاب الأخير عن «أشباه الرجال»، فكانت القمة العربية الاقتصادية في الكويت التي أثمرت مصالحة تبين أنها مؤقتة بين الرجلين، فقام العاهل السعودي بزيارة إلى سوريا، وعقد المصالحة التي كان يطالب بها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لانعكاساتها الإيجابية على لبنان، ففتحت طريق الأسد إلى بيروت، وطريق دمشق أمام سعد الحريري إلى قصر المهاجرين، وبعده وليد جنبلاط.
الموقف السعودي الجديد
وكما حصل في العام 2009، من إعادة العلاقة السورية–السعودية، فإن جديداً بدأ يطرأ حول استعادة هذه العلاقة التي توترت منذ بدء الأزمة السورية.
تتحدث مصادر دبلوماسية عربية، عن أن الرياض بدأت تعيد قراءتها للعلاقة مع دمشق، وبأنها باتت تميل نحو الحل السياسي للأزمة، والتخلي عن مطلب إسقاط النظام ورحيل الأسد. فهذه المرحلة باتت وراءها، وهي تدعو حلفاءها من المعارضين، إلى أن يخففوا من سقف التصعيد، بحيث يلاقون الحل السياسي بما يؤمّن عودة الأمن والاستقرار إلى سوريا، ومشاركة أطراف في المعارضة بالسلطة.
العودة إلى سوريا
هذا التطور في الموقف السعودي، لا تبتعد عنه الإمارات العربية المتحدة، التي أعادت العمل بسفارتها في دمشق، وهي لم تقطع علاقاتها بالكامل مع سوريا، وإن كان الخلاف مع دمشق مازال يتمحور حول العلاقة مع طهران ودور إيران في سوريا ولبنان ودول أخرى في المنطقة لاسيما العراق واليمن.
سوريا ترى في إيران حليفاً مجرّباً وسنداً قوياً لمحور المقاومة، وأن النظر إلى دور إيران من زاوية مذهبية خطأ كبير، لاسيما وأن طهران تدعم حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، المنتميتين إلى الطائفة السّنّية، وليس فقط التنظيمات الشيعية، وهي بذلك تؤكد على وقوفها مع قضية فلسطين.
الحديث الذي بدأ يتسرّب، حول احتمال تحسّن العلاقة السورية–السعودية، تؤكده مصادر سياسية ومنها لبنانية، بأن المملكة ستُسلم بدور سوريا في المنطقة ومنها لبنان الذي من المحتمل أن ترضى السعودية مجدداً بتسليمه إلى سوريا كما حصل بعد اتفاق الطائف عام 1989 الذي رعته السعودية وأوكلت إلى دمشق مهمة تنفيذه.
الرياض ترغب في أن تعود سوريا إلى الحضن العربي، الذي لا ترفضه دمشق، لكنها ترى في ما تفعله بعض الأنظمة الشقيقة على طريق التطبيع مع إسرائيل، أخطر بكثير من العلاقة مع إيران التي تقف مع فلسطين منذ انتصار الثورة الخمينية قبل نحو أربعة عقود.
Leave a Reply