في أحدث فصول الحرب على «حركة مقاطعة إسرائيل» BDS في الولايات المتحدة، طُردت الفلسطينية الأميركية بهية عماوي من عملها كإخصائية في معالجة أمراض النطق بمدرسة في ولاية تكساس، لرفضها التوقيع على تعهد بعدم مقاطعة إسرائيل أو المشاركة في أي عمل من شأنه الإضرار باقتصاد الدولة العبرية.
التعهد السالف الذكر –وللمفارقة– يُعرف بـ«قسم الولاء» (Loyalty Oath)، لكن هل هو ولاء لأميركا والدستور الأميركي أم ولاء لإسرائيل؟
منذ انطلاقها في الغرب عام 2005، نجحت حركة «بي دي أي» في إحراج دولة الاحتلال الإسرائيلي أكاديمياً وثقافياً وسياسياً، وإلى درجة ما اقتصادياً، ما دفع الكنيست الإسرائيلي في 2011 إلى إصدار «قانون منع الإضرار بدولة إسرائيل من خلال المقاطعة»، لتفادي الآثار المترتبة على اتساع حركة الـ«بي دي أس» واكتسابها الزخم في البلدان الغربية، لاسيما الجامعات، وهو الذي اعتبرته دولة الاحتلال من أكبر الأخطار الاستراتيجية المحدقة بها.
وعلى التوازي، لم تكتف الولايات المتحدة الأميركية بالوفاء بمساعداتها السنوية لإسرائيل، والتي تقدر بمليارات الدولارات، إذ ما يزال الكثير من المشرعين المحليين والفدراليين يواصلون جهودهم لسن وتشريع قوانين لكبح جماح حركة المقاطعة، ضاربين بعرض الحائط أهم دعامة من دعائم الدستور الأميركي، وهو التعديل الأول الذي يضمن كافة أشكال التعبير بما فيها المقاطعة التجارية والاقتصادية.
الجهود التشريعية المدعومة من أنصار إسرائيل، نجحت حتى الآن في سن قوانين موجهة ضد حركة «بي دي أس» في 26 ولاية أميركية، بينها 18 باتت تلزم المتعاقدين مع الدوائر الحكومية بالتوقيع على تعهد بأنهم «لا يقاطعون إسرائيل حالياً، وبأنهم لن يقاطعوها طوال مدة العقود المبرمة».
وتهدف القوانين والتشريعات الأميركية –في هذا المضمار– إلى عرقلة «حركة مقاطعة إسرائيل» وتطويق جهود داعميها ونشطائها الذين يطالبون الدولة العبرية بالوفاء بالتزاماتها إزاء القانون الدولي، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وإيقاف قمعها الوحشي والمستمر للشعب الفلسطيني.
ورغم كون هذا النوع من الأنشطة السلمية، مقبولاً من الناحيتين الأخلاقية والقانونية، إلا أن صنّاع القرار في تل أبيب يتخوفون من آثاره المحتملة، خاصة بعد نجاح المقاطعة الاقتصادية لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وتسببها بانهيار نظام «الأرباتيد» في القارة السمراء.
هنا، في ولاية ميشيغن، وقع حاكم ميشيغن ريك سنايدر –في كانون الثاني (يناير) الماضي– على قانونين أقرهما المشرعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بحظر جميع الوكالات في الولاية من إبرام عقود أو توظيف أشخاص «ما لم يتضمن العقد تصريحاً من أن الشخص غير منخرط في مقاطعة شريك استراتيجي (إسرائيل مثلاً)، والتعهد كذلك بعدم الانخراط في ذلك مستقبلاً».
القانونان يهدفان إلى حماية اقتصاد ميشيغن من الآثار المالية المدمرة الناتجة عن مقاطعة إسرائيل التي لديها علاقات تجارية معها بعشرات ملايين الدولارات سنوياً، بحسب مزاعم رعاة القانونين. ولكن يعرف القاصي والداني أن تشريع القانونين جاء استجابة لمطالب اللوبي اليهودي في الولاية، وهو ما أكدته –تصريحات المرشحة الديمقراطية (حينها) لحاكمية ميشيغن غريتشن ويتمر، في أعقاب فوزها في انتخابات آب (أغسطس) الماضي– حيث سارعت إلى إدانة حركة الـ«بي دي أس»، غير آبهة بمشاعر الكثير من ناخبيها وداعميها العرب والمسلمين في منطقة مترو ديترويت.
وعندما نجحت في الانتخابات العامة، قامت بتعيين عضو هيئة أمناء «جامعة ميشيغن» مارك برنستين رئيساً لفريقها الانتقالي، مع الإشارة إلى أن الأخير ما يزال يمارس ضغوطاً على منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» بفرع الجامعة في مدينة ديربورن، لنجاح المنظمة الطلابية في 2017 بتمرير قرار في «مجلس الشيوخ الطلابي » يدعم حركة مقاطعة إسرائيل.
في سياق آخر، وعلى الرغم من أن إحدى المحاكم الفدرالية في ولاية أريزونا قد حكمت بعدم دستورية حظر «بي دي أي»، إلا أن العديد من الولايات ماتزال تتجاهل الدستور الأميركي وتمضي قدماً في مخالفته علناً لإرضاء إسرائيل. ففي أيار (مايو) الماضي، أصدر حاكم ولاية لويزيانا مرسوماً تنفيذياً مناهضاً لـ«حركة مقاطعة إسرائيل»، وكذلك أقرت ولاية أوهايو قانوناً مماثلاً في كانون الثاني (ديسمبر) بعد صدور قوانين مشابهة في ولاية بنسلفانيا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وحدث الأمر نفسه في ولايتي كاليفورنيا وتكساس في أيلول (سبتمبر) وفي نيوجيزري في آب (أغسطس) وفي رود آيلاند في حزيران (يونيو) من العام الماضي، إضافة إلى غيرها من الولايات الأميركية.
ومع حرص غالبية المشرعين على حماية المصالح الأميركية مع إسرائيل، إلا أن المنظمات الحقوقية والمدنية ترى في أصوات المواطنين الأميركيين العاديين جبهة قوية في معركة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
وبدلاً من الاعتماد على مواجهة اللوبي المؤيد لإسرائيل والمتجذر في ملعبه بواشنطن، ازدهرت نشاطات «بي دي أس» من خلال الجهود الفردية والجماعية لطلاب الكليات والجامعات والناشطين الاجتماعيين في حركة المقاطعة.
وبعض تلك الجهود تكلل بالنجاح، مثل جهود الحكومة الطلابية في «جامعة ميشيغن» التي أصدرت في نوفمبر الماضي قراراً يطالب الجامعة بوقف استثماراتها مع الشركات التي تحقق أرباحاً من إسرائيل، مثل شركات «بوينغ» و«هيوليت–باكارد» و«يونايتد تكنولوجيز». وفي العام الماضي، أصدرت الحكومة الطلابية في «جامعة أوريغون» قراراً يطالب الجامعة بقطع العلاقات مع إسرائيل. وبالمثل، دعا اتحاد طلابي يمثل 16 ألف طالب في «جامعة كاليفورنيا» إلى قطع العلاقات مع الشركات التي تشارك في «اضطهاد الفلسطينيين».
ولا شك في أن هذه النجاحات تعكس صدى الشارع الأميركي الذي يدرك تماماً بأن الولاء لأميركا لا يعني بأي حال الولاء لإسرائيل، على عكس المجالس التشريعية في الولايات والكونغرس الأميركي. وما من شك أيضاً، في أن الفلسطينية الأميركية بهية عماوي تدرك كغيرها، أن ولاءها لوطنها الجديد لا يعني إطلاقاً ولاءها للكيان الذي يحتل وطنها الأم، ويقمع شعبها بوحشية قلّ نظيرها في التاريخ.
Leave a Reply