سارا كومينيك – «صدى الوطن»
على خلفية معرض فني حول اللاجئين العراقيين في منطقة ديترويت الكبرى، نظمه «قسم الدراسات العربية الأميركية» في «جامعة ميشيغن–ديربورن»، أثارت خريطة للشرق الأوسط حفيظة طلاب فلسطينيين واستياءَهم لتجاهل المنظمين الإشارة إلى وطنهم الأم، والاستعاضة عنه باسم الدولة العبرية «إسرائيل» على كامل مساحة الأراضي المحتلة.
وكان الرسم الجغرافي الذي أُعد للعرض ضمن فعاليات «حياة غير مستقرة: اللاجئون العراقيون في منطقة مترو ديترويت» لم يشمل أي ذكر لفلسطين، بحسب نائب رئيسة منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» (أس جاي بي) جنين ياسين، التي أكدت لـ«صدى الوطن» بالقول: «كانت على الخريطة إسرائيل، ولم تكن لا الضفة الغربية ولا قطاع غزة، لقد اكتشفنا ذلك في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وشعرنا وكأنه لا وجود لنا في نظر المشرفين على مركز الدراسات العربية الأميركية في الجامعة».
وقام أعضاء الـ«أس جاي بي» بإخطار المنظمين ومطالبتهم بتصحيح الخطأ، لكنهم قوبلوا باتهام المنظمة الطلابية الفلسطينية الوحيدة في الجامعة، بأنها تقلل من قيمة المعرض التوثيقي ومن أهمية الجهود المبذولة لإلقاء الضوء على أوضاع اللاجئين العراقيين في منطقة ديترويت الكبرى.
وأردفت جنين قائلة: «بدلاً من أن يشعروا بالأسف حيال ذلك، بادروا إلى اتهامنا بأننا نقلل من قيمة العمل المخصص للعراقيين» مؤكدة: «نحن لم نقصد ذلك مطلقاً، بل كان قلقنا نابعاً من تجاهلنا (على الخريطة)، ومن أن القائمين على المشروع افتقدوا إلى النصح والمشورة اللازمتين لإعداد المعرض»، لافتة إلى أن هيئته الاستشارية لا تضم أي عربي بين أعضائها الأربعة، وهم باميلا بيكوك وكلوديا والترز وروز ولمان، إضافة إلى رئيسة «مركز الدراسات العربية الأميركية» في الجامعة، البروفسور سالي هاول.
وفي السياق ذاته، أعربت جوردان يانكر –رئيسة الأبحاث في منظمة «أس جاي بي»– عن اعتقادها بأن الإدارة حاولت تحريف نوايا أعضاء المنظمة الطلابية والالتفاف على موقفهم، وقالت: «القول بأن إبداء ملاحظة حول الخريطة يقلل من قيمة العمل.. ليس هو المطلوب»، مؤكدة على أن «فلسطين مهمة.. ليس بالنسبة للفلسطينيين فقط».
واستغرق تصحيح الخطأ خمسة أيام، حيث أكدت هاول –من جانبها– بأنه لم يكن لدى القائمين على المعرض «جدول زمني» للمهلة التي يجب فيها إصلاح الخطأ على الخريطة، وقالت: «بمجرد الإشارة إلى الخطأ، قمنا بإصلاحه، فما الذي يمكن أن تطلبه أكثر من الناس؟».
وكان إسم فلسطين قد أضيف إلى جانب إسم إسرائيل على الخريطة (على الشكل: إسرائيل/فلسطين) بعدما أثار الطلاب الموضوع، ولكن رئيسة «أس جاي بي» ياسمين ربيع أكدت أن المشرفين على المعرض الفني كانوا يماطلون من أجل تصحيح الخطأ.
مجرد خطأ
وفي تصريحها لـ«صدى الوطن»– أصرت هاول، على أنه «لا توجد قصة في الأصل لكي يتم الحديث عنها»، مضيفة «كنا نعمل على إنجاز المشروع في الموعد المحدد (ديدلاين) كما يفعل الناس حين يقومون بتنظيم معارض عامة… لقد تفحصنا الكثير من الأشياء، ولكن بطريقة ما، حصل ذلك الخطأ سهواً».
وتابعت: «لقد كانت هنالك أخطاء أخرى في المعرض، واليوم نعمل على تصحيحها، لقد أخطأنا في كتابة كلمة «لاجئ» في مكان ما، إضافة إلى أشياء أخرى من هذا القبيل. المشروع كان يقوده الطلاب، وفيه الكثير من الأجزاء المتحركة. إنه في الواقع معرض كبير ومعقد».
لكن ياسين، وهي فلسطينية أميركية من الجيل الأول، اعتبرت أن ما يصفه المشرفون بـ«الخطأ الذي وقع سهواً» هو «محاولة لمحو هويتها»، وقالت: «هذا يوضح مدى الافتقار إلى التمثيل الفلسطيني»، لافتة إلى أن الحادثة ذكّرتها وذكّرت زملاءها في «جامعة ميشيغن–ديربورن» بـ«القمع الذي يتعرض له الفلسطينيون يومياً»، على حد تعبيرها.
وقالت: «إنه يذكرني بكل القرى التي هدمت، وبأفراد أسرتي وأقاربي الذين يخضعون حالياً لنظام الفصل العنصري، ليس من العدل بالنسبة لي أن أرى في الحرم الجامعي شعبي وهو ليس على الخريطة حتى.. تبدو وكأنها محاولة لمحو هويتي».
وفي هذا الإطار، أكدت يانكر «من المخيف جداً.. رؤية ذلك يحدث في مركز الدراسات العربية الأميركية في الجامعة».
ومرة أخرى، حاولت هاول رمي الكرة في ملعب الطلاب، وقالت: «إنني أدرك أن هنالك منظمة طلابية واحدة في هذا الحرم الجامعي.. تعاني من مشكلات في الوقت الحالي. هذا الفصل (الدراسي) راسلت أعضاء المنظمة وطلبت منهم الاجتماع بي.. هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنني القيام به».
وأقرت هاول بوجود مشكلة بينها وبين الممجموعة الطلابية، وبضرورة العمل على «إيجاد حل لها»، وقالت: «أنت تعرف.. مجموعة طلابية واحدة، وفي بعض الأحيان توجد صراعات شخصية وسياسية مع هيئة التدريس، وهذا طبيعي».
وأضافت: «إننا نعمل مع الكثير من المجموعات المختلفة، ومهمتنا لا تتمثل في تفضيل مجموعة على أخرى، ولكننا نبذل قصارى جهودنا للعمل مع الجميع».
لكن ياسين أكدت أنه توجد على الأقل منظمتان طلابيتان تشاركان «أس جاي بي» قلقها ومخاوفها من محاولة الإداريين لقمع الطلاب وكتم أصواتهم، لافتة إلى أن أعضاء المنظمتين «غير مستعدين للحديث عن ذلك علانية».
وحمّلت يانكر هاول مسؤولية ما حدث، كمديرة لمركز الدراسات العربية الأميركية في الجامعة، وقالت: «لقد فشلت (هاول) في تحمل مسؤولياتها، نريد أن يعرف الناس بأن الطلاب قادرون على التعبير عن أنفسهم، وبأصواتهم الخاصة، وسوف نقاوم جميع السرديات الخاطئة التي يتم تقديمها من قبل أشخاص ليس لهم مصلحة سوى المكاسب الشخصية».
جذور التوتر
وأكدت جنين بأن منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» تتعرض لضغوط من قبل إدرايي «جامعة ميشيغن»–فرع آناربر، منذ أوائل العام 2017 عندما نجحت المنظمة الطلابية في تمرير قرار بتأييد «حركة مقاطعة إسرائيل» (بي دي أس)، في «مجلس الشيوخ الطلابي» بالجامعة.
وأشارت إلى أن أحد أعضاء هيئة الأمناء في الجامعة، وهو مارك برنستين، وصف القرار، خلال اجتماع للهيئة في آذار (مارس) 2017، بأنه «تعبير مفلس ثقافياً، وفاسد أخلاقياً، عن معاداة السامية».
وعلى خلفية ذلك التصريح، طالبت ياسين، برنستين بالاعتذار العلني عما قاله، مشيرة إلى أن البروفسور سالي هاول مارست ضغوطاً على أعضاء «أس جاي بي» لكي يقبلوا «حضور اجتماع مغلق مع برنستين، وبدون صحافيين». وقالت: «لقد شعرنا بعدم الارتياح للاجتماع مع شخص لديه رغبة شديدة في أن يكون عدائياً معنا، وفي غرفة لا يوجد فيها إعلاميون»، مؤكدة: «لا يمكنني أن أتخيل ما الذي قد يقوله لنا خلف الأبواب الموصدة».
كما أكدت الطالبة الفلسطينية الأصل، بأن هاول حاولت إقناعها لحضور ذلك الاجتماع عبر «طرف ثالث»، مشيرة إلى أن جميع أعضاء المنظمة اتفقوا على عدم اللقاء ببرنستين قبل ثلاثة أيام من موعد الاجتماع الذي كان من المزمع عقده في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2017.
وبحسب ياسين، عملت هاول أيضاً على تنظيم ندوة عامة حول «حركة مقاطعة إسرائيل» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، متجاهلة تمثيل الطلاب الناشطين في الحركة، وفي مقدمتهم ياسين التي أكدت: «لقد كنت منخرطة بعمق في حركة مقاطعة إسرائيل ونجحنا في تمرير قرار في مجلس الشيوخ الطلابي لتبنيها، هذا ما كنا نفعله طوال سنوات، وبالنسبة لهاول.. أن تنظم ندوة حول حركة المقاطعة بدون إعلامنا، فقد كان ذلك مسيئاً للغاية. لقد كنا دوماً في الخطوط الأمامية، ولكن تم تجاهلنا، ولهذا شعرنا بالإحباط تماماً».
وأفادت بأن «أس جاي بي» تواصلت مع المتحدثتين اللتين تمت دعوتهما للمشاركة في الندوة، وهما هويدا عراف وآنا بالتزار، اللتين قررتا الانسحاب من المشاركة نزولاً عند رغبة الطلاب الفلسطينين، ما أدى إلى إلغاء الندوة.
وفي تبريرها لإلغاء الندوة، قالت هاول: «لقد جرى الإعداد لها في اللحظة الأخيرة» مشيرة إلى أنها تواصلت مع المتحدثتين، واتفقت معهما على الفعالية، وراسلت مجموعات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ودعوتهم للمشاركة».
لكن ياسين أكدت أنه بدلاً من الاستجابة لمخاوف المنظمة الطلابية، فإن عميد كلية الفنون والآداب والعلوم مارتن هرشوك أشار إلى أن «أحد أعضاء الهيئة التدريسية ربما يكون قد تلاعب بـ«أس جاي بي» للتدخل في الندوة حول: حركة مقاطعة إسرائيل».
وقالت: «لقد شعرنا بأن أصواتنا قد ضعفت، وشعرنا أيضاً أنهم يعتقدون بأننا فقدنا القدرة على الدفاع عن أنفسنا»، مشيرة إلى أن أعضاء المنظمة الطلابية قد تم تحذيرهم من قبل أستاذ العلوم السياسية البروفسور رونالد ستاكتون بأن ليس من حقهم التحدث إلى المحاضرين بشأن مخاوفهم كمنظمة طلابية.
ولفتت يانكر إلى أنه «في حالة العميد (هرشوك)، كانت هناك محاولة لإعادة تأطير النشاط الطلابي، لجعل قوة الطلاب أقل مماً هي عليه في الواقع».
وختمت تعليقها على ما جرى بالقول: «يبدو أن العرب قد أصبحوا مادة دراسية من قبل غير العرب، في «مركز الدرسات العربية الأميركية»، وأنهم (العرب) ليسوا صوتاً مركزياً يقود المشاريع والمناقشات».
Leave a Reply