كمال ذبيان – «صدى الوطن»
ليست المرة الأولى التي يتصدّى فيها الجيش اللبناني لمحاولات العدو الإسرائيلي، اختراق السيادة اللبنانية في منطقة كروم الشراقي ببلدة ميس الجبل عند الحدود مع الكيان الصهيوني الغاصب، إذ منع قوات الاحتلال الإسرائيلي من تخطي الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان وفلسطين المحتلة، بعد تحرير الجنوب في 25 أيار 2000 من الاحتلال، باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي لمدينة الغجر.
شجرة العديسة
فقد سبق للجيش اللبناني أن منع جنود الاحتلال من اقتلاع شجرة في بلدة العديسة تقع في أراضيها، عام 2014، بعد إطلاق النار من قبل العسكريين اللبنانيين تحذيراً وتمكّنوا من وقف الاعتداء الصهيوني على السيادة اللبنانية، وحضرت القوات الدولية المكلفة من الأمم المتحدة تطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في آب من العام 2006، لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، إذ لم تتمكّن هذه القوات من منع الاختراقات الإسرائيلية للأراضي والأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية، وهي بالمئات، إذ سجّل تقرير أممي صدر مؤخراً حصول نحو أكثر من 500 خرق إسرائيلي للسيادة اللبنانية، دون أي رادع دولي، وفرض على إسرائيل تطبيق القرار 1701 والانسحاب من باقي الأراضي اللبنانية المحتلة، وهو ما دفع بالجيش اللبناني إلى أن يقوم بواجبه الوطني، وهو التصدي لجنود الاحتلال كلما رصد تحرّكهم بإتجاه خرق الخط الأزرق، ولو لشبر واحد على طول الحدود اللبنانية–الفلسطينية المحتلة.
كروم الشراقي
ومنذ أن بدأ الكيان الصهيوني قبل نحو شهر، البحث عن أنفاق يزعم أن «حزب الله» حفرها من الأراضي اللبنانية إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهو يحاول أن يتجاوز الخط الأزرق باتجاه لبنان للحفر من داخل أراضيه عند الحدود، للكشف عن أنفاق، وقد حاول أن يتقدّم في منطقة كروم الشراقي في بلدة ميس الجبل الحدودية والمشرفة على مستوطناته، من خلال نزع الشريط الشائك على مسافة 200 متر وبعرض نحو 3 و5 أمتار، لكن الجيش اكتشفه ومنعه عندما تصدّى ضابط لبناني برتبة ملازم أول يدعى محمد قرباني مع جنوده للاختراق الإسرائيلي، وشهروا بنادقهم باتجاه قوات العدو الذين استنفروا وراء متاريسهم في وقت كان أهالي ميس الجبل يحضرون إلى قرب السياج الشائك، ويتضامنون مع الجيش، فما كان من القوات الدولية، إلا أن حضرت وطلبت من الإسرائيليين إعادة الشريط الشائك إلى مكانه، وهذا ما حصل، وسدّد لبنان ضربة للعدو الإسرائيلي عبر جيشه الذي يمتلك القرار السياسي، بأن لا يتأخّر في منع الإسرائيليين من تحقيق أي تقدّم، وهذا مشهد يتكرّر دائماً عند الحدود الجنوبية.
عقيدة قتالية
لم يصل الجيش اللبناني إلى هذا المستوى من التصدّي للعدو الإسرائيلي، إلا بعد أن إمتلك عقيدة قتالية، كانت تنقصه، قبل الحرب الأهلية بعد الخلاف السياسي الداخلي، حول تحديد العدو من الصديق، واعتماد شعار «قوة لبنان في ضعفه»، وعدم قدرة الجيش على المواجهة، حيث تغيّر الوضع السياسي ابتداء من التسعينات نحو اعتبار الجيش قوة بوجه إسرائيل، وإن كان لا يملك القدرات التسليحية، الا أنه يتحصن بمقاومة واحتضان شعبي، ضمن المقولة الثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» التي رسخها الرئيس العماد إميل لحود، والتي مكّنت لبنان من تحرير أرضه والصمود بوجه العدوان الإسرائيلي والانتقال إلى مرحلة الردع، بامتلاك المقاومة لمئات آلاف الصواريخ، باعتراف قادة تل أبيب، وهي قوة للبنان، وجيشه الذي مازال يمنع عليه امتلاكه لسلاح دفاعي، ولطائرات حربية، وهو ما يعطّل عليه، شراء أسلحة من مصادر متعددة، إذ تمنعه أميركا من تنويع سلاحه، وقد عُرض عليه هبات وبيع أسلحة من دول عدة منها روسيا وإيران، إذ منعت واشنطن الحكومة اللبنانية من الحصول عليها حيث تخشى إسرائيل كما تزعم ومعها أميركا، أن يتحوّل السلاح إلى المقاومة.
الأنفاق
ومنذ شهر تقريباً، والجرافات والحفارات الإسرائيلية تقوم بحفر الأراضي داخل الكيان الصهيوني، لجهة الحدود مع لبنان، إذ زعم قادة تل أبيب وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأنه تمّ العثور على أربعة أنفاق تصل من لبنان نحو المستوطنات الصهيونية التي هدّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، بأن أية حرب تشنّها إسرائيل على لبنان، فإن منطقة الجليل الأعلى المتاخمة للجنوب ستكون مسرحاً لعمليات المقاومة، حيث استند قادة جيش الاحتلال إلى نصرالله للادّعاء بأن حفارات «حزب الله» تقوم بحفر أنفاق، وأن المستوطنين يسمعون أصواتاً تحت الأرض، وهو ما ترك مخاوف لديهم بأن ينفّذ «حزب الله» تهديده وينقل المعركة إلى مستوطنات الشمال التي هي على مرمى قذائف وصواريخ المقاومة والتي يصل مداها إلى أبعد من ذلك، إلى حيفا وما بعد حيفا، وهو الشعار الذي رفعه السيد نصرالله بوجه العدو الإسرائيلي أثناء حربه على لبنان صيف 2006.
تجربة غزة
وأمام إسرائيل تجربة غزة في الأنفاق، والتي هي بأمس الحاجة إليها بسبب الحصار، فاضطرت إلى حفرها، لنقل ليس السلاح والذخيرة، بل الطعام والدواء، كإجراء في مواجهة الحصار، حيث تمكّنت المقاومة في غزة من أن تحفر عشرات الأنفاق في سيناء والمناطق القريبة من مصر، وقد أدّت مهمتها في تعزيز صمود القطاع، وإلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي منذ العام 2008، في كل مرة يشنّ عدواناً وحرباً على منطقة لا تتعدّى مساحتها 360 كلم2، ويسكنها نحو مليوني مواطن. إذ نجحت المقاومة في غزة، في فرض الانسحاب الإسرائيلي منها، واضطر رئيس الحكومة ووزير الدفاع حينها أرييل شارون، أن يفكك نحو 24 مستوطنة من «فضاء غزة»، لأنه لا يستطيع حمايتها، وقد فعل ذلك في العام 2004، بعد أربعة أعوام على الانسحاب من لبنان، الذي ليس بحاجة إلى أنفاق لوصول السلاح إليه، فهو ليس محاصراً كغزة، كما أن الوصول إلى المستوطنات سهل جداً، وقد سبق للمقاومة أن خطفت جنوداً من داخل فلسطين المحتلة عبر تفجير الشريط الشائك، لتثبت أن الدخول إلى المستوطنات ليس صعباً، ولو تمّ بناء جدار إسمنتي يزنّرها. فهذا سبب ودليل على خوف وهلع المستوطنين، بحيث بات أهل الجنوب اللبناني في البلدات المحاذية للحدود، يتجولون في أراضيهم ويزرعونها، ويقيمون السهرات واللقاءات فيها، فيما المستوطنات شبه خالية، يقبع سكانها في منازلهم، كما أن العشرات منهم انتقلوا إلى مستوطنات أكثر أمناً.
تعديل القرار 1701
الضجة التي يفتعلها نتنياهو حول وجود أنفاق، إنما لتأمين الغطاء الدولي له، ليقوم بعمل عسكري قد يلجأ اليه من خلال مغامرة، لا يحتسب نتائجها، إذ يستبعد خبراء عسكريون ومنهم صهاينة، أن يلجأ نتنياهو إلى شنّ حرب جديدة على لبنان، تكون ذريعتها وجود أنفاق، والتي لم تثبت إسرائيل وجودها من الجانب اللبناني، ولم تزود القوات الدولية بإحداثيات عنها، كما أعلن الرئيس نبيه برّي وطالب، إضافة إلى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لم يحصل بعد على تقرير دولي يؤكد وجود أنفاق، سوى ادعاء الكيان الصهيوني بأنه كشف عن أربعة منها، وأن القوات الدولية حصلت على صور، لكنها غير موثقة، ولو كان الادّعاء الصهيوني صحيحاً لكان النفق الموجود داخل الأراضي الفلسطنية المحتلة موصولاً بالأراضي اللبنانية، وهو لم يظهر من خلال أعمال الحفر الإسرائيلية.
وتسعى إسرائيل من خلال مزاعمها وجود أنفاق، إلى تعديل مهمة القوات الدولية، عبر الانتقال بالقرار 1701 نحو الفصل السابع، وتحويلها إلى قوات عسكرية تقوم بمهام فرض الأمن لوحدها، وليس مع الجيش اللبناني الذي مهمته التنسيق مع قوات الخوذ الزرقاء، التي تسجّل الخروقات فقط، وتساهم في حل أي إشكال يحصل عند الحدود الجنوبية.
حتى الآن، لم تنجح المحاولة الإسرائيلية في إحداث تعديل على مهمة القوات الدولية، بسبب عدم تجاوب من الدول العاملة فيها، وتحديداً فرنسا، في وقت قد ترغب فيه الولايات المتحدة بالعودة إلى مجلس الأمن لوضع القرار تحت الفصل السابع، وهذا كان مطلبها أثناء حرب تموز 2006، من أجل نزع سلاح المقاومة، وهذا ما لم يحصل.
Leave a Reply