محمد العزير
في عز الهجمة الوحشية الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة المحاصر، والتي لم تتمكن إسرائيل أو وسائل الإعلام الأميركية المحابية لها نفي مسؤوليتها المباشرة عن اندلاعها بسبب عملية كوماندوس استهدفت قياديين من حركة حماس داخل القطاع. وبينما كانت الطائرات الحربية والصواريخ الإسرائيلية تنهش جسد القطاع المنهك وتفتك بأهله موقعة عشرات الشهداء والجرحى وملحقة الدمار بعشرات المباني والبنى التحتية المتآكلة اصلاً، نشر موقع فرع فلسطين المحتلة في حركة مقاطعة إسرائيل BDS على حسابه على تويتر دعوة لفرض حظر عسكري على النظام السعودي!
وجاء في التغريدة النافرة:
«حركة مقاطعة اسرائيل @BDS_Arabic
إنّ اليمنيين والفلسطينيين ليسوا أقلّ من بقية البشر. لتُفرَض العقوبات على النظام الإسرائيلي بسبب جرائمه ضد شعبنا الفلسطينيّ أسوةً بالمطالبة بفرض حظرٍ عسكريٍّ على النظام السعودي بسبب جرائم الحرب في #اليمن وإعدام #الخاشقجي».
نص التغريدة المنشور في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) –أي أعنف يوم في العدوان الأخير على غزة– يساوي كما هو وارد بالحرف، بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لا بل يقدم الموضوع اليمني على القضية الفلسطينية في الشكل، مستهلاً الحديث عن مظلومية اليمنيين ويختمها بالدعوة للثأر للصحفي السعودي جمال الخاشقجي الذي اعترفت السعودية بمسؤوليتها عن قتله في قنصليتها في اسطنبول الشهر الماضي، ويتبع التغريدة بما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي من اتهامات للسعودية على شكل ردود وتعقيبات لا تأتي على ذكر إسرائيل ولا فلسطين ولا ما يجري في غزة بل تتبنى منطق المحور المناوىء للسعودية في العالم العربي والإعلام الإيراني أو المدعوم من إيران.
لا شك أن قضية الخاشقجي قضية رأي عام، ولا شك أن جمهوراً واسعاً وأنظمة إقليمية وعربية تعارض السياسة السعودية وتعتبرها غير مفيدة للقضية الفلسطينية أو حتى متآمرة على الفلسطينيين، ولا شك في حق أي تنظيم أو حركة أو جماعة أو شخص في إبداء رأيه والسعي لتحقيق أهدافه السياسية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا شك في أن عالمنا العربي وامتداده الإسلامي موبوء بالسياسة والكيديات والنكايات، باسم فلسطين وتحت راية الدفاع عن القضية المقدسة والذود عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن…
ما أفظع هذه الـ«لكن». منذ فشل اتفاق أوسلو وسيطرة اليمين الإسرائيلي المتطرف على مقاليد الأمور منطلقاً من تقويض أية فرصة للسلام أو التفاوض، وعلى الرغم من دخول العالم العربي في أتون حروب أهلية معلنة وضامرة بعد اغتيال الربيع العربي وعلى الرغم من الانقسام الفلسطيني الداخلي المخزي، بادر طلاب وشباب عرب ويهود وأجانب في جامعات أوروبا وأميركا إلى إطلاق حركة مقاطعة إسرائيل، ليست على الطريقة الرسمية العربية التقليدية، وإنما من منطلقات إنسانية القضية الفلسطينية وعدالتها. نجحت هذه الحركة في فترة وجيزة في إثبات وجودها خصوصاً في أميركا، السند القوي لإسرائيل والسد المنيع في وجه أي انتقاد لسياستها العدوانية.
استقطبت تلك الحركة التي تعمل كمبادرة تلقائية تطوعية، لا كتنظيم مركزي، الآلاف من الطلاب والأكاديميين والشباب والنشطاء وتحولت إلى ظاهرة أثارت قلقاً حقيقياً لإسرائيل ومؤيديها على اعلى المستويات لأنها تمكنت من تحقيق إنجازات ملحوظة في المستويين الأكاديمي والفني حيث قررت جامعات كثيرة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والنشاطات التي تقام في إسرائيل أو تحت رعاية حكومتها بالتوازي مع إقناع فنانين كبار بعضهم يهود من عدم إقامة حفلات وإلغاء جولات في إسرائيل. شكلت حملة المقاطعة بلا شك نقطة مضيئة في زمن كئيب. بطبيعة الحال تفاعل الشباب العربي مع الظاهرة الجديدة ودعموها، إلا أن صيادي الفرص والانتهازيين أيضاً ركبوا الموجة وحاولوا باسم مقاومة التطبيع أن يزجوا باسم الحملة في معاركهم الوهمية، غير أن ما قام به فرع فلسطين (اسم تقشعر له الأبدان في سوريا) في عزّ العدوان على غزة تجاوز كل الحدود.
الذين يتابعون السياسة الأميركية الداخلية يعرفون أن من اسرار قوة اللوبي المؤيد لإسرائيل أنه يعمل على هدف واحد وهو دعم إسرائيل والدفاع عنها، ولا يخلط مع ذلك شيئاً. الدعوة الشاذة لزجّ BDS في الصراعات الإقليمية والحروب الأهلية العربية ليست أقل من حكم إعدام على هذه الظاهرة الإيجابية. ليس من المبالغة بتاتاً القول إن أي سعي لحرف الحملة الناجحة عن هدفها الوحيد وهو مقاطعة إسرائيل يتجاوز الغباء والجهل ويرقى إلى مرتبة التخريب المتعمد والجريمة ويقدم لإسرائيل خدمة مجانية. من يريد شن حملة على السعودية حرّ في ذلك ولديه من وسائل الإعلام ما هو أعلى صوتاً وأكثر تمويلاً ولديه كل وسائل التواصل الاجتماعي، وبالمناسبة لمن لا يعرف منهم سيجد دعماً هائلاً في الأوساط الأميركية بيمينها ويسارها، لكن ليفعل ذلك باسمه وليجعل هدفه السعودية ويترك حملة مقاطعة إسرائيل بمنأى عن الأجندات الفتنوية المقيتة. حتى لا تتحول مقاطعة إسرائيل إلى «طريق قدس» جديدة.
Leave a Reply