حمل العام الجديد تباشير سارة للعرب الأميركيين في منطقة ديترويت، إثر تعيين المحامية فدوى حمود في منصب محامي الاستئناف العام بولاية ميشيغن، وهو ثاني أعلى منصب في مكتب الادعاء العام بالولاية بعد منصب المدعي العام. وكذلك، إثر انتخاب الحقوقي نبيه عياد رئيساً لمجلس إدارة مطارات مقاطعة وين.
والإنجاز غير المسبوق في هذين الخبرين، يتمثل في كون المحامية اللبنانية الأصل، هي أول عربية وأول مسلمة تتسلم منصب محامي الاستئناف العام بولاية أميركية. وبالمثل، فإن مؤسس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» هو أول عربي يتم انتخابه لمنصب رفيع يترأس من خلاله المجلس المشرف على إدارة وتشغيل واحد من أكبر المطارات الأميركية وأغزرها حركة ملاحية، والذي يوفر ما يزيد عن 18 ألف وظيفة، إضافة إلى أثره الاقتصادي على ولاية ميشيغن، والذي ينوف على عشرة مليارات دولار سنوياً.
خواتيم العام المنصرم، لم تكن أقل سعادة، حيث شهدت تواصل النجاحات الباهرة للعرب الأميركيين، عبر تعيين العديدين منهم في الفريق الانتقالي لكل من حاكمة ولاية ميشيغن غريتشن ويتمر ومدعي عام الولاية دانا نسل وسكرتاريا الولاية جوسلين بنسون، إضافة إلى العديد من الإنجازات الانتخابية على مستوى مقاطعة وين ومدنها، في مؤشر واضح على الصعود السياسي للعرب الأميركيين في منطقة ديترويت وولاية ميشيغن عموماً.
إذ أن تبوء المناصب الرفيعة والمشاركة في صنع القرار يؤكدان بشكل قاطع على أن الجالية العربية باتت رقماً سياسياً واقتصادياً مهماً لا يمكن إهماله أو التقليل من شأنه.
المفارقة.. أنه مع اتساع فاعلية دور العرب الأميركيين وزيادة استقطابهم للاهتمام والأضواء في المجالين الإعلامي والسياسي، إلا أنهم «يُكافأون» بمزيد من الإهمال والتهميش في الجزء الشرقي من مدينة ديربورن، التي تعتبر الحاضنة الأساسية، وموطن ومسكن الكثير من العائلات العربية الأميركية التي نجح أبناؤها في الوصول إلى أعلى المناصب وأرقاها وعلى كافة المستويات.
لقد صادف 15 كانون الثاني (يناير) الذكرى السنوية الـ90 لتأسيس مدينة ديربورن بحدودها الحالية، عبر ضم مدينة فوردسون إليها عام ١٩٢٩. وفوردسون ليست إلا الجزء الشرقي المغبون من المدينة اليوم، والذي عانى على مر العقود الماضية من الإهمال وغياب التمثيل في مختلف دوائر المدينة، حيث تخلو المناصب البلدية حالياً من أي موظف أو مسؤول منتخب من سكان شرق ديربورن، علماً بأن الاتفاق الذي أقره الناخبون قبل ٩٠ عاماً كان ينص على شروط وامتيازات كفيلة بحماية تمثيلهم في المناصب الرفيعة والإبقاء على مقر البلدية في شرق المدينة.
مثلاً كان الاتفاق بين فوردسون وديربورن، والذي تم برعاية الرائد الصناعي هنري فورد، ينص على أن تذهب أغلبية مقاعد المجلس البلدي إلى سكان فوردسون، وأن تناط بمسؤولي فوردسون قيادة دوائر المدينة، ولاسيما دائرتي الشرطة والإطفاء، ولكن ذلك كله أصبح من الماضي، إذ لا يوجد حتى عضو بلدي واحد من سكان شرق غرينفيلد.
ولا يتطلب الأمر كثيراً من التدقيق لملاحظة الفرق القائم اليوم بين غرب ديربورن وشرقها ذي الأغلبية العربية الكاسحة، سواء من حيث تنظيم الأحياء أو نوعية البنى التحتية أو جودة الحياة عموماً.
صحيح، أن نصف أعضاء مجلس ديربورن البلدي هم من العرب الأميركيين، وكذلك الأمر بالنسبة لقضاة المحكمة الـ19، ولكن هذا لا يعني أن سكان شرق المدينة ممثَّلون فعلاً في البلدية، لاسيما وأن القضايا التي يواجهونها لها طابع خاص بأحيائهم. تأهيل الكاراجات للمعيشة مثلاً، بسبب ضيق العقارات في شرق ديربورن، وكذلك تلوث الهواء الناجم عن المصانع التي تستفيد من ضرائبها أحياء غرب المدينة فيما يدفع سكان الشرق الفاتورة من صحتهم.
ضعف التمثيل ينطبق أيضاً على كوادر الموظفين من الدرجتين الثانية والثالثة في مختلف دوائر البلدية، التي تفتقر لوجود الموظفين العرب أو سكان شرق المدينة بما يناسب التوزانات الديموغرافية في ديربورن، والتي إن أخذت بالحسبان فإنها ستصب في مصلحة الجالية والمدينة بلا أدنى شك، خاصة عندما يثبت العرب الأميركيون في كل مرة أهليتهم لتولي أرفع المناصب سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية.
تاريخياً، وبسبب ضيق المساحات في مدينتهم، فضل سكان فوردسون آنذاك التصويت لصالح الاندماج مع ديربورن بدلاً من ديترويت التي كانت آخذة بالتوسع على حساب البلدات المجاورة بقضم مناطق واسعة من بلدة سبرينغولز (شرق ديربورن حالياً) وبلدات أخرى مثل ردفورد وهامترامك وحتى ديربورن (وورنديل).
وليس من الصعب –اليوم– ملاحظة الفرق بين غرب المدينة وشرقها.. الذي يبدو في الكثير من أحيائه وكأنه جزء من ديترويت التي بقيت على مدار عقود وهي على شفا المُوات والجريمة، غارقة في فقر مدقع.
من يصدق أن منطقة الساوث إند هي جزء من ديربورن وليس من ديترويت، وهي تعاني الأمرين من التلوث والإهمال وتردي البنى التحتية؟ وأين هي وعود رئيس البلدية جاك أورايلي بمشروعي إنعاش وتطوير شارعي وورن وديكس التجاريين؟
قبل 90 عاماً، طرحت أسماء عديدة للمدينة الوليدة، كان من بينها ديرسون وفوردبورن، ولكن عدم تمسك سكان فوردسون بالاسم الجديد لمدينتهم، أدى في نهاية المطاف إلى اعتماد اسم ديربورن.
هل يعيد التاريخ نفسه فعلاً؟ وهل يرتكب سكان شرقي ديربورن نفس الخطأ الذي ارتكبه السالفون من سكان المدينة، تاركين لغرب المدينة تقرير مصيرهم، أم أنهم سيستفيدون من الدرس.. ويكثفون جهودهم لتحصيل حقوقهم، التي أقلها تكافؤ الفرص مع مواطنيهم في غرب المدينة؟
Leave a Reply