مريم شهاب
مثل ملَّاح ماهر طاف موانىء العالم، زاده رغبة الإنسان الأبدية في تحقيق النجاح بوجه كل التناقضات والصعاب التي قد تبدو أحياناً مستحيلة، فيكون فيها –أي الإنسان– مسؤولاً عن اختياراته، صحيحة أم خاطئة، متحملاً ثمنها صابراً ومثابراً للوصول إلى بر الأمان، مستفيداً من تجاربه وأخطائه.
آن للملّاح أن يستريح في ظلال خمسة أبناء وصلوا إلى قمة النجاح والتفوق، وتحت خيمة زوجة محبة ورفيقة مثل نسيم صباح الربيع، تنثر وداً وحباً وحناناً وبسمة ضوء لا تنطفىء مهما تجهمت الأيام وقست السنون.
وبكل بساطة وطمأنينة القروي الذي أتى محصوله وافراً ومباركاً، استراح الأستاذ علي خليل عودة، وحمل قلمه وكتب ما بقي في ذاكرته من عصارات تجاربه وثمار حكمته وخلاصة ما تعلمه، كهدية وعطاء لأولاده ومحبيه، لعل في ذلك إفادة لهم أو لمن يشاء، آية شكر لنعم الله الوفيرة التي أسبغها عليه سبحانه وتعالى، وإضاءة على موقف كل إنسان كان له أثر إيجابي أو سلبي في رحلة العمر.
ضمَّن كل ذلك في كتاب «ما بقي في الذاكرة». وعندما تقرأه تشعر وكأنه يتحدث عن أهلك، عن أخيك الأكبر أو جارك أو عن ابن ضيعتك، عن رجل عانى وتعب وتحمّل الصعوبات من أجل النجاح، ونجح.
تجربة حياة ثرية، بداية في أيام قرية برعشيت، قرية الأستاذ عودة التي تشبه كل قرى جنوب لبنان في أوائل القرن الماضي.
دوّن ما علق في ذاكرته عن كبار أهله وجيرانه، عن عاداتهم وتقاليدهم وأيام الفلاحين البسطاء، المنزرعين في حقولهم مثل التعب في أجسامهم. كتب ما عشعش في ذاكرته عن بؤس الحياة اليومية التي عاناها من ترك قريته إلى بيروت عبر تجربة مريرة واجهها مع أهله أولاً ثم مع ما واجهه من فساد وواقع مهترئ لا أمان فيه تحت قسوة الحروب الأهلية والدولية التي عصفت بوطن النجوم.
أسلوب كتابة عودة لا يخلو من ذكاء وفطنة كعلامة فارقة يتمتع بها آل عودة في قريتنا برعشيت. شكراً له لأنه أنعش ذاكرتنا بما كتبه عما بقي في ذاكرته، لتبقى ذكرى للجيل الآتي وما بعده.
Leave a Reply